خسارتان علميتان فادحتان مُنيَت بهما مصر يوم الجمعة 16- 12- 2011، حرق المجمع العلمي واغتيال الشيخ العالم الجليل الشهيد عماد عفت. كان الشهيد عماد عفت- كما عرفته- حزمًا في شفقة واسعة، وعلمًا في تواضع بالغ، وقوةً في هدوء شديد. عرفت الشيخ الشهيد أول ما عرفته في زمالة الحوزة العلمية العامرة لفضيلة الدكتور علي جمعة بالجامع الأزهر الشريف أواخر تسعينيات القرن الماضي وأوائل الألفية الجديدة. كان أول ما لفتني إليه تطابق هيأته مع هيئة أبي رحمه الله في نحافته البادية وسكينة نفسه الظاهرة. ثم كان أن حضرت له لِمامًا شرح حاشية البيجوري على ابن القاسم على متن أبي شجاع في فقه الإمام الشافعي، فأدهشتني قدرته الفائقة على نقل أعقد المسائل الفقهية بصياغتها التراثية المكتنزة إلى لغة شديدة الوضوح والعمق والدقة. لفت نظري في تعامله مع طلابه رحابة صدره في التعليم وهدوؤه البالغ في الأداء. ثم كان من ثمرات إخلاصه في التعليم، ومن فضله العلمي عليَّ، أن كان أول من فتح لي باب فهم كتاب " مغني اللبيب.." لابن هشام الأنصاري. فقد كانت لغة الكتاب- كما لغة كتب التراث العربي عامة- مستغلقة عليَّ، وكانت حاجتي ماسة لفهم النحو العربي فهما جديدا لأن شطرا من رسالتي للدكتوراه كان معتمدا على التحليل النحوي للشعر العربي القديم. جلست إليه مرتين فقط ليفك لي شفرة لغة ابن هشام في مغنيه ، فكان أن منَّ الله عليَّ بحسن الفهم وحسن التوظيف لما في المغني، ثم كان وراء ذلك من القدرة على تسجيل بعض الاستدراكات على ابن هشام نفسه. فرحم الله الشيخ الشهيد... ما أصبره- كان- على التعليم، وما أخلصه- كان- في العطاء. أرسلت معه مرة بهدية لزوجته الصديقة العزيزة الفاضلة الأستاذة "علا"، كان ذلك في أحد أيام الجمع العامرات بمسجد السلطان حسن، فقال حرِجا: هذه آخر مرة، فاعترضت مشاكِسةً أنها لن تكون الأخيرة، فأخذه حياؤه المعتاد فلم يعارضني، فأردت أن أخفف من حيائه فقلت له: يا أستاذ عماد: أحبُّ الصالحين ولستُ منهم لعلِّي أنْ أنالَ بهم شفاعة فأخذه ما أردت التخفيف منه مزيد أخذٍ....ما أنبل حياء الرجال... فتبت يد امتدت إليك بالغدر. اللهم من قتله فاقتله، ومن دبر قتله فاقتله، ومن رضي بقتله فاقتله. اللهم عظم أجرنا فيه، وأبدلنا من علمه وفضله خيرا، وألحقنا به شهداء في سبيل هذا الوطن، وإنا لله وإنا إليه راجعون، وحسبنا الله ونعم الوكيل. د. مديحة السايح كلية دار العلوم