كان قصيراً نحيلا , وجهه محفور بالندوب , عيناه سوداوان يرتدي قميصاً أبيضاً وبنطلون جينز اسود , لم أكن اعرفه لكنه ارسل لي نظرة وديه لم املك أمامها الا الابتسام , كان من هذه النوعية من الناس التي بامكانها ان تفديك بحياتها بعد أول كوب شاي رخيص في اي مقهى بلدي , وجهه مألوف , وابتسامته صافية , بادرني فجأة : هي مصر حتفلس ؟ والحقيقة أن الاستقطاب الحاد في مصر تمخض عنه تيارين متنازعين في هذا الشأن , التيار الأول يؤكد ان مصر ستفلس بعد فترة تتراوح بين 5 و 6 اشهر , وتيار آخر يشكك في ذلك مشدداً على ان مصر ظروفها الاقتصادية صعبة لكنها لن تفلس ., نفس الحال ينطبق على عجلة الانتاج التي دعا رئيس الوزراء كمال الجنزوري إلى دفعها حيث انبرى البعض قائلا: الشعب يريد دوران عجلة الانتاج , ومعا لدفع عجلة الانتاج في مواجهة تيار آخر يسخر قائلا : احنا اللي خرمنا عجلة الانتاج , وأنا آسف يا عجلة الانتاج و40 طريقة لنفخ عجلة الانتاج. ماذا عن المشهد الاقتصادي في مصر ؟ حسناً المؤشرات غير مبشرة , فهناك تراجع قياسي في احتياطى النقد الأجنبي الذي انخفض بواقع 16 مليار دولار منذ بداية العام الجاري ليستقر مع بداية ديسمبر الجارى عند 20.1 مليار دولار, وفي المقابل انخفض سعر صرف الجنيه خلال الفترة الماضية، مما خفض من قدرته الشرائية وهو ما انعكس على قيمة دخل الفرد الذي تدهور فيما استمر منحنى الأسعار في الصعود . معدلات البطالة بحسب الاحصائيات الحديثة ارتفعت إلى 21% وتم اغلاق عدد كبير من المصانع في مصر , فيما سجلت مؤشرات أداء المشروعات الصغيرة العاملة في قطاعات صناعية وخدمية في السوق المصرية أداءً متراجعاً خلال الأشهر الأخيرة بسبب تدهور الأوضاع الاقتصادية العامة للبلاد , و ارتفعت حالات أحكام الإفلاس النهائية للشركات خلال الخمسة أشهر الأولى من العام الجاري بنسبة 235.3%، لتصل إلى 57 حالة، مقابل 17 فى الفترة نفسها من العام الماضى., وذكر مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار التابع لمجلس الوزراء أن عدد قضايا الإفلاس الجديدة المنظورة أمام المحاكم ارتفع بنسبة 11.1%، ليصل إلى 319 قضية، مقابل 287 قضية خلال الأشهر الخمسة الأولى من العام الماضى . وفي قطاع السياحة تراجعت إيرادات السياحة المصرية لتسجل 6.3 مليار دولار، خلال الأشهر ال9 الأولى من العام الجارى، مقارنة ب 9.2 مليار دولار، خلال الفترة نفسها من العام الماضى، لتفقد إجمالاً نحو 2.9 مليار دولار، أى ما يعادل 17.4 مليار جنيه، وفقاً لما أعلنه البنك المركزى المصرى , وانخفض عدد السائحين من 10.6 مليون سائح إلى 6.9 مليون سائح، خلال الفترة من يناير إلى سبتمبر من العام الجارى، وتراجع عدد الليالى السياحية ليسجل 80.3 مليون ليلة مقابل 108.7 مليون ليلة خلال الفترة المماثلة من العام الماضى. وكشف تقرير صادر عن البنك المركزي المصري أن مصر تكبدت خسائر بلغت قيمتها 7.2 مليار دولار نتيجه انسحاب الأجانب من أدوات الدين الحكومية خلال الفترة من يناير حتي نهاية سبتمبر الماضي، وكانت القيمه الاجمالية لاستثمارات الأجانب في أدوات الدين الحكومية قد بلغت 10 مليارات دولار (57.7 مليار جنيه) في يناير 2011 ثم تراجعت لتصل الي 2.8 مليار دولار (16.2 مليار جنيه) في نهاية سبتمبر الماضي. وحلت البورصة المصرية في المركز الثاني في قائمة الأسوأ أدا عالميا بتسجيلها خسائر بلغت 42.75% منذ بداية العام الجاري فيما احتفظ السوق اليوناني بالمركز الأول بعد تراجعه بواقع 64.03% . وعند متابعة ديون مصر الخارجية سنجد انها ارتفعت إلى 34.9 مليار دولار بنهاية يونيو الماضي فيما ارتفع رصيد الدين الخارجي المستحق على مصر ب1.2 مليار دولار بزيادة نسبتها 3.6%، مقارنة بنهاية يونيو من العام 2010 عندما كان الدين الخارجي يقدَّر ب33.7 مليار دولار , وارتفعت أعباء خدمة الدين الخارجي بمقدار 158.4 مليون دولار، لتبلغ 2.8 مليار دولار خلال السنة المالية (2010 – 2011) مقارنة بالسنة المالية السابقة ، بينما تراجعت نسبة رصيد الدين الخارجي إلى الناتج المحلي الإجمالي إلى 15.2% بنهاية يونيو 2011 مقابل 15.9%، في الفترة ذاتها من العام 2010. لكن السؤال المهم : هل ستفلس مصر؟ هل الصورة قاتمة بهذا الشكل؟ هل هناك ضوء في آخر النفق ؟ في الحقيقة ان التوصيف الأمثل لما تواجهه مصر على الصعيد الاقتصادي هو الصعوبات الاقتصادية, وهذه الصعوبات مصدرها الرئيسي غياب الاستقرار الأمني والسياسي لكن هذا لا يعني ان مصر ستعلن افلاسها,فالمطلوب استقرار وعمل وبناء وتنمية. فأزمة الدين الخارجي لمصر ليست مشكلة صعبة الحل فمصر لديها القدرة على الاقتراض حتى مستوى 10 مليارات دولار من الخارج دون مشاكل حيث أن معدل الاقتراض الخارجي يوازي 15% من الناتج المحلي الاجمالي المصري وهي نسبة ليست كبيرة وتوفر اريحية في الاقتراض الخارجي بشكل كبير, وتجدر الاشارة في هذا السياق إلى ان الديون الخارجية لمصر معظمها ديون طويلة الأجل تصل آجال سدادها إلى عام 2050 مع وجود قسط يسدد كل 6 أشهر لنادى باريس، لا يزيد على 700 مليون دولار. كما أن قناة السويس توفر دخلا سنويا بالمليارات , حيث انها حققت في يوم واحد ايراد بلغ 18 مليونًا و304 آلاف دولار ، بما يعادل 108 ملايين جنيه , فضلا عن تحويلات المصريين في الخارج التي بلغت خلال التسعة أشهر الأولى من العام المالي 2010/2011 9.1 مليار دولار مقابل 6.5 مليار دولار خلال الفترة ذاتها من العام السابق، وبزيادة قدرها 2.6 مليار دولار, دعك من هذا كله هل تعلم أن إيرادات عقود الغاز المصري التي تم تعديلها مع الأردن وفرنسا وأسبانيا وأميركا 1,1 مليار دولار؟ نسيت ان اقول انني ابتسمت في وجه صديقي صاحب النظرة الودية وسألته : من قال لك ان مصر ستفلس؟ قال ببساطه :سمعت ساويرس يقول ذلك في التلفزيون قلت له : على ساويرس أن يعود إلى مكانه الطبيعي .."سنتراله" ابتسم ابتسامة ابتلعت نصف وجهه , ثم غير دفة الحديث ومضى . [email protected]