"ضرب القفا أحسن من الجفا"، هو مثل مصري يعنى أن الضرب على قفاك من مديرك في العمل أهون بكثير من ابتعاده عنك، هذا المثل لا يعرفه غير المصريون فقط، بل الأدهى من ذلك أن المصريين هم الشعب الوحيد الذي يتخذ من القفا مادة للسخرية. على الرغم من أن "القفا" هو منطقة محظورة عالميًا وعند الشعوب الراقية، إلا أن لهذه المنطقة طابع خاص عند المصريون، وخصوصاً رجال الشرطة اللذين يعتبرونها "منطقة الأمان" لهم فيتنافسون على الوصول إلي قفا المتهم، وحينما يصل الضابط إليها يكون قد وصل إلي غايته لإذلال المتهم. لماذا يأخذ "القفا" طابعاً خاصًا لدى المصريين؟ "ضرب القفا عفيا"، ومعني هذا المثل عند المصريون، أن المضروب على قفاه "رجل قوي"، وبالتالي فإن هذا المثل خصيصًا يرفع كثيراً من الروح المعنوية عند المضروب على قفاه. وعكس هذا المثل فإن هناك آخر يقول " اصبر علي الجوع والجفا، لكن كله إلا ضرب القفا"، وهذا المثل يعني أن القفا يرمز للكرامة، والضرب عليه يعني أن هذا المرء لا يمتلك شيئًا من الكرامة. "في الوش مراية وفي القفا سلاية" ويقال في الشخص الذي يتحدث أمامك بكل ما طاب من كلمات ومديح، وفي غيابك لا يتحدث عنك إلا بكل سوء. والقفا هو تلك المنطقة التي تعلو الظهر ناحية الرأس، وهو مبطن في الغالب بطبقة سميكة من الجلد، ربما لتحمل الصدمات و مايتركه الكف من أثر عليه، ولله في خلقه شئون، فهو الذي خلق "القفا" وخلق أيضًا "الكف". ليس فقط الأمثال القديمة، هي مايتناقلها المصريون دون شعوب العالم، ولكن أيضا اخترعوا عبارات تُحقر بعضها من شأن "القفا" وصاحبه، كما يُقال "خدنا أيه من وشك عشان تدينا قفاك، في الوش راية وفى القفا سلاية، الراجل ده قفا، شايفني مختوم على قفايا، على قفا مين يشيل". "المصريون" أكثر شعوب العالم تندراً على بعضهم، وتناقلاً ل"القفا" فيما بينهم، وذلك فإن الضرب على القفا يعني مهانة كبيرة للمضروب وانتصار كبير للضارب، نتذكر مثلاً فيلم "الفتوة"، الذي كان بدايته ضربًا للقفا ونهايته كذلك، كذلك الأمر ما حدث في فيلم "البرئ". حديثًا تمتلئ مكتبات وشرائط السينما المصرية، بمشاهد الضرب علي القفا في الأفلام والمسلسلات المصرية، وليس فقط في الأفلام والمسلسلات وإنما في الواقع. معرفة الشخص من قفاه يؤكد علم النفس الحديث، أن الشخص يمكن معرفة شخصيته من "قفاه"، وذلك لأن القفا هو أكثر علامة مميزة في الجسد. الأول: صاحب القفا الكبير وهو ما يزيد حجم قفاه علي الحجم العادي يتميز بفكر صائب ورأي راجح ويتمتع بقدر كبير من الذكاء والفطنة وهو أيضًا صاحب ثقافة موسوعية ويجمع بين طيبة القلب والحزم مع الآخرين لكنه حاد في تعامله مع من يخالفه. الثاني: صاحب القفا المتوسط وهو إنسان موضوعي واقعي وعقلاني يسعي لخدمة الآخرين وينتظر منهم في الوقت نفسه أن يعاملوه بالمثل ويتميز بكونه شخصية قيادية ينجح غالبًا في السيطرة علي الآخرين هذا بجانب تمتعه بالكرم والعطف، فلا تهمه المادة بقدر ما يشغله تحقيق ذاته. الثالث: صاحب القفا الممتلئ وهو شخص سريع الغضب لضعف شخصيته وخوفه الدائم فهو يعشق تمثيل دور البطل رغم أنه لا يجيد هذا الدور بل يسهل السيطرة عليه من الآخرين. الرابع: صاحب القفا الصغير تجده شخصًا انتهازيًا لا يمكن الوثوق به علاوة علي أنه يتمتع بقدر كبير من المكر والبخل فلا يهتم به أحد. أشهر وقائع الضرب على القفا ومن أشهر ما ضرب بالقفا "السيد البدوي، رئيس حزب "الوفد"، والإعلامي أحمد موسي، ومرتضي منصور رئيس نادي الزمالك، والذين أصبحوا مواد للسخرية والتندر من جانب المصريون، حيث يفقد الشخص شخصيته وكرامته بمجرد أن يُضرب على قفاه. وأخير تعرض الإعلامي يوسف الحسيني خلال تواجده في نيويورك للضرب على "قفاه"، الأمر الذي تسبب في إحراجه.