يجتر الكثيرون منا أخبار الأيام الخوالي بسعادة لا يضاهيها نظير أيام كان الجنيه المصري يساوى4,2 دولار أمريكي. ويرجع ذلك إلى اللحظة التاريخية التي انبثق عنها بزوغ اتفاقية "بريتون وودز "عقب ظهور نتائج الحرب العالمية الثانية وقبل سكوت مدافعها فى أغسطس عام 1945.......ففي صيف عام 1944 اجتمع ممثلوا الدول فى مؤتمر دولي لإقرار نظام نقدي عالمي جديد يوفر حرية التجارة فى مدينة "بريتون وودز" بولاية "نيو هامبشير" الأمريكية وقد تمخض عنها توقيع اتفاقية إنشاء كل من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ؛ وطبقا لميثاق صندوق النقد الدولي فقد نص على أن القيمة التبادلية لعملة اى دولة عضو بالصندوق سيعبر عنها بالذهب أو بالدولار بالحالة التي كان عليها الدولار عام 1944؛وكان من شان هذا الاتفاق أن يلعب الدولار دور المايسترو فى اوركسترا نظام النقد الدولي،حيث كان 1دولار= جرام 0,888671 ذهب أو بمعنى آخر فان اونصة الذهب تساوى 35 دولارا؛ وبناء على ما سبق وضع فيما بعد ما يسمى بأسعار التعادل لعملات باقي الدول ومنها مصر وكان الجنيه المصري=3,67288جرام من الذهب بما كان يعنى انه كان الدولار=24,2قرشا مصريا أو 1جنيه=4,2دولار ؛ واستمر العمل بنظام أسعار الصرف الثابتة حتى ألغاه الرئيس الأمريكي نيكسون فى أغسطس عام 1971 وقد ترتب على الإلغاء انفصام العلاقة بين الدولار والذهب مما أدى إلى انتقال العالم الرأسمالي من نظام"ثبات أسعار الصرف" إلى مرحلة التعويم وفوضى أسعار العملات التي بزغت بظهور أسواق وبورصات تبادل العملات الحرة وفقا لقوى السوق وتحديد مستويات أسعار التبادل طبقا للعرض والطلب.وخلال تلك الفترة لم يكن الجنيه المصري لاعبا فى تلك الأسواق نظرا للحصار الاقتصادي الذي فرضه الغرب على مصر أيام ثورة 23 يوليو 1952 وقرار بريطانيا بتجميد مستحقات مصر لديها وهى تلك التي تكونت من إطعام مصر لجيوش بريطانيا بالدين وقت الحرب العالمية الثانية
أسباب تراجع الجنيه المصري أمام الدولار
نترك الماضي وأحلامه لأنه لا سبيل للعودة لأمجاده إلا بجهد متواصل وموفق وننتقل –فورا- إلى الحاضر ومعضلاته ..فنبحث فى الأسباب والعوامل المؤثرة على قيمة الجنيه أمام أي عمله من العملات الحرة ومنها الدولار فنحصرها كالاتى :--- -أسعار الفائدة المعلنة من البنك المركزي على الجنيه المصري -ميزان المدفوعات وأقسامه -المؤشرات الاقتصادية الكلية
أسعار الفائدة المعلنة من البنك المركزي على الجنيه المصري
تبدوا أسعار الفائدة التي تعلنها لجنة السياسات النقدية المنبثقة عن البنك المركزي المصري على الايداعات بالجنيه المصري أنها مرتفعه فيما أنها -فى الواقع- إذا حسبناها مع إدخال معدل التضخم نجدها سالبه. لان معدل الفائدة الحقيقي=معدل الفائدة الأسمى –معدل التضخم....وقد وجد أن هذا المعدل سالبا اى أن قيمة الودائع بالجنيه المصري بالبنوك تتناقص !وهذا من شانه تخفيض قيمة الجنيه فى بلده ؛وقد يدافع واضعوا تلك السياسة بأنهم يشجعوا الاستثمار وهذا يعنى أن المودعون هم- وليس الدولة- الذين يدعموا المستثمرون وهذا خطأ كبير فبمقارنه ذلك بأسعار الفائدة الدولية على العملات الحرة وفيها الدولار نجد أنها معدل موجب وحقيقي مما يشجع على الحصول عليها والاحتفاظ بها ومن ثم ارتفاع قيمتها اى ارتفاع سعر صرفها أمام الجنيه المصري
حالة ميزان المدفوعات والموازين المكونة له
نقصد هنا كل من الميزان التجاري وميزان تجارة الخدمات وميزان الحساب الجاري برمته ونجد انه كلما حققت تلك الموازين فائضا كان ذلك مردوده على قيمة الجنيه المصري بالارتفاع والعكس بالعكس... نبدأ بالميزان التجاري ونحيل إلى البيانات الرسمية المصرية عن الأعوام الأربعة الماضية للميزان التجاري، فنجدها تسفر عن عجز مهول حيث كان العجز على الترتيب كالاتى :25.1 ثم34, 1 ثم30,7 ثم34,7 مليارات من الدولارات هذا فى حين أن الاحتياطي الرسمي للدولة من العملات الحرة يدور بين ال15وال18 مليار دولار ما يعادل استيراد ثلاثة شهور من السلع الضرورية للوطن وهذا يشكل خطورة بالغة جدا على امن البلد القومي ويؤدى لتدهور قيمه الجنيه أمام الدولار.وتشير الأرقام السابق ذكرها إلى أن عجز الميزان التجاري مستمر ومتواصل ومتزايد ليس فقط عن السنوات الأربع الماضية ولكن من عقود منذ قيام ثورة 23 يوليو 1952. ويحتاج اتزان الميزان التجاري إلى كثير من السياسات الاقتصادية الجبارة الواجبة التصميم والتنفيذ لزيادة وتحسين الإنتاج والتصدير والاستغناء عن الاستيراد إلا لضرورة، والتي تعتمد بالضرورة على رفع معدل الاستثمار كأحد المؤشرات الهامة التي تسهم فى رفع معدل النمو الاقتصادي.وقد بلغ معدل الاستثمار فى مصر وفقا للبيانات الرسمية عن عام 2013/2014 نحو 14% من الناتج المحلى الاجمالى وهى نسبه متدنية للغاية فهذا المعدل يبلغ فى الدول الفقيرة حوالي 28% كما يبلغ فى الدول سريعة النمو ثلاث أمثال اى فوق ال30% فى دول مثل نمور شرق أسيا
ميزان تجارة الخدمات
أسفر ميزان تجارة الخدمات عن عام2013/2014 عن فائض قدره979 مليون دولار مقارنه ب 5 مليار دولار عن العام السابق له ثم الأعوام السابقة ترتيبا كانت5,6 يسبقها7,9 يسبقها10,3 مليارات من الدولارات مما يتضح معه أن الفوائض تقل سنويا بوتيرة كبيرة للغاية مما يهددها بالزوال فبعدما كان الفائض 10,3 مليار دولار عام2009/2010 اخذ فى التناقص بشكل مريع حتى وصل هذا العام 979 مليون اى انخفض إلى اقل من العشر وهذا بكل تأكيد كارثة بكل المقاييس وتنقض استقرار قيمه الجنيه وتعمل على خفض قيمته جدا أمام أي عمله ومنها الدولار.وبالبحث عن أهم تلك المكونات فى تجارة الخدمات نجد يتصدرها السياحة يليها دخل رسوم المرور فى قناة السويس ففي السياحة نجد أن الإيرادات المتحصله منها قد أخذت فى التناقص من11,6 مليار دولار عام2010/2011 لتصل الى5,1 مليار دولار العام الحالي اى أن إيراداتها قد تناقصت وتدهورت إلى اقل من النصف لأسباب كثيرة لا تخفى عن احد. أما إيرادات قناة السويس فهي مستقره عند 5,1مليار دولار وقد يؤدى إنشاء التفريعة الجديدة إلى زيادة طفيفة فى الرسوم نتيجة سرعة المرور وزيادة الغاطس للسفن العملاقة إلا أن الزيادة فى إيراداتها عموما لا تخضع لمصر بل حسب حركة التبادل الدولي والتجارة العالمية، ونحن هنا لا نقلل من أهمية إنشاء التفريعة الجديدة كاستثمار طويل الآجل وكأحد الأصول الاقتصادية لمصر ولكن نضعها فى إطارها الحقيقي دون تزيد أو انتقاص من قيمه تلك المشروع القومي. نخلص مما سبق أن العمل على تنشيط الحصيلة من نشاط السياحة بما يرفع من إيراداتها يحقق للجنيه استقرار ونماء بعكس انخفاض الحصيلة يؤدى لخفض قيمه الجنيه أمام الدولار أو اى عملة حره أخرى كاليورو وبالمقابل
حركه المؤشرات الكلية للاقتصاد وأثره على قيمة الجنيه
برغم أن بعض تلك المؤشرات يتحسن بقدر ضئيل جدا كمعدل النمو الاقتصادي إلا أن غيرهم يسوء كمعدل التضخم ومعدل البطالة وهنا نحن نحتاج إلى تصميم حزمه من الإجراءات والسياسات والعمل على تنفيذها بجديه وصرامة فبالنسبة للتضخم فقد أشارت تقديرات صندوق النقد الدولي إلى أن معدل التضخم قد ارتفع من 6,9%عام 2013 إلى 10,1% عام 2014 وانه مقدر له13,5 بنهاية عام 2015 وبالمقابل فنجده فى الدول المتقدمة نحو 1,6% وفى الدول النامية حوالي 5,5%.وبالطبع فان العمل على كبح جماح التضخم وتخفيض معدلات البطالة ورفع الاحتياطي النقدي الرسمي للدولة سوف يمكن من استقرار قيمة الجنيه أمام الدولار وغيره من العملات المتداولة فى بورصات النقد والعكس بالعكس صحيح وأكيد.