في الدستور المصري الجديد، الذي تم بإشراف الرئيس عبدالفتاح السيسي نفسه، وعدلي منصور، وصوت عليه الشعب المصري، ثمة نص واضح حاسم يقول في (المادة 70: حرية الصحافة والطباعة والنشر الورقي والمرئي والمسموع والالكتروني مكفولة....)، وفي المادة (71): يحظر بأي وجه فرض رقابة على الصحف ووسائل الإعلام المصرية أو مصادرتها أو وقفها أو إغلاقها...)، ولكن يبدو أن هذه النصوص الدستورية الحاسمة مثل كثير من النصوص غيرها نقبلها أمام الكاميرات فقط. أزمات عديدة تعرضت لها "صاحبة الجلالة" في الآونة الأخيرة، ولكن كانت الحرب الضروس ضد الكلمة، خاصة الموجهة لمن على رأس الدولة، والتي هددت عددًا من الصحف بالتوقف أو المصادرة أو وقف الطباعة لحين التعديل المطلوب.
نرصد هنا أبرز 4 مقالات أحرجت الرئيس عبدالفتاح السيسي، وتم منع نشرها في الصحف الورقية، ووقف طباعة بعض الصحف لحين حذف تلك المقالات، التي توجه نقدًا للرئيس السيسي أو تضعه في موقف لا يُحسد عليه. كان آخر تلك المقالات للكاتب الصحفي "جمال سلطان" رئيس تحرير صحيفة "المصريون"، والذي تسبب في وقف طباعة الصحيفة بمطابع الأهرام لحين حذفه، وروى "سلطان"، تفاصيل وقف طباعة العدد الورقي للصحيفة، مشيرًا إلى أن الجهة المختصة بالطباعة "مطابع الأهرام" أخبرته بوقف الطباعة بناء على طلب من جهة ما، مشيرًا إلى أن الإبلاغ تم بشكل عرفي لأن الوقف مخالف للقانون، محذرًا من انتشار هذا الخطر تدريجيًا في باقى الصحف المصرية. وعن المقال الذي تسبب في وقف الطبع، قال "سلطان"، إنه تضمن نقدًا سياسيًا للرئيس في إطار القانون، موضحًا أنه يدعو الرئيس السيسي من خلاله إلى التخلي عن الحديث في تجديد الخطاب الديني وتركها لعلماء الدين وانشغاله بأمور الدنيا ومتطلبات العيش للمواطنين. وأكد سلطان، أن الدستور المصري يحتوى على أرقى المواد التي تضمن الحقوق والحريات إلا أنه يتم اختراقه دائمًا حتى أننا نرى أمناء الشرطة اليوم يخترقون قانون التظاهر لتحقيق مطالبهم دون تعليق على ذلك. أما المحطة الثانية فكانت من نصيب صحيفة "الصباح"، بعد أن منعت مؤسسة الأهرام، طباعة العدد الأسبوعي للصحيفة، بسبب تضمنه مقالًا عن محمد بدران، رئيس حزب مستقبل وطن، وأحد الوجوه التي يكثر ظهورها برفقة الرئيس عبدالفتاح السيسي. ونشرت "الصباح" المقال الذي تسبب في وقف طباعة العدد، على موقعها الإلكتروني، والذي كتبه أحمد رفعت وجاء بعنوان: "كيف تصبح طفلاً للرئيس في تسع خطوات"، ونشر في الصفحة الرابعة عشر، وغيرته إدارة الجريدة ووضعت آخر مكانه حتى يسمح بطباعة عدد هذا الأسبوع من الصباح. وثالث هذه المقالات، كانت للدكتور أسامة الغزالي حرب، رئيس مجلس أمناء حزب المصريين الأحرار، في أول مايو الماضي، والذي أكد أنه تم حجب مقال له بعنوان «لا للبشير» من النشر في جريدة «الأهرام». وفيما يتعلق بمضمون هذا المقال، قال "حرب": "دعوت الرئيس عبد الفتاح السيسي في هذا المقال لعدم المشاركة في حفل تنصيب الرئيس السوداني عمر البشير؛ لأن الرئيس السيسي جاء بانتخابات شرعية، ولا يجب أن يشارك في حفل تنصيب ديكتاتور مثل البشير". وأضاف: "أكدت في المقال على أني مسلم بأهمية العلاقات المصرية السودانية، لكني اعترض فقط على أن يشارك رئيس مصر في حفل تنصيب رئيس ارتكب جرائم ضد الإنسانية، ومطلوب للعدالة أمام المحكمة الجنائية الدولية، ولديه توجهات إخوانية، وتسبب في تقسيم بلاده، وكان له دور كبير في دعم الإرهاب بليبيا". وتابع: "بعد أن أرسلت المقال فوجئت باتصال من رئيس تحرير الجريدة، وطالبني بكتابة مقال آخر، بحجة أن مقالي لا يتفق مع توجيهات الرئيس السيسي الخاصة بدعم العلاقات المصرية السودانية ". أما المقال الرابع فكان في بداية شهر فبراير 2014، حيث منعت صحيفة "الشروق" نشر مقال للكاتب الصحفي بلال فضل، وكان بعنوان (الماريشال السياسي) والذي يناقش فكرة حصول المشير عبدالفتاح السيسي وزير الدفاع آنذاك، على رتبة المشير. وقال فضل عبر حسابه على "تويتر"، إن صحيفة "الشروق" منعت نشر مقاله، مؤكدًا أن كتاباته تعرضت للكثير من الضغوط مؤخرًا. وكانت صحيفة "الشروق" كتبت اعتذرًا نسبته إلى فضل بعد منع نشر مقاله، قائلة "يعتذر بلال فضل عن عدم كتابة مقاله اليوم"، وأضاف: "للأسف تم منع مقالي من النشر في صحيفة الشروق وتم نشر اعتذار باسمي دون معرفتي". المقال كان يتحدث عن المشير عبد الفتاح السيسي والأستاذ محمد حسنين هيكل، وانتقد فضل ما حدث، وقال "لم يتم منع مقال لي في عهود مبارك وطنطاوي ومرسي وهذه هي أول مرة يُمنع لي فيها مقال ينتقد السيسي قبل حتى أن تكتمل مراسم تنصيبه رئيسًا". وقال فضل: "أفتخر أنني ساهمت بكتابتي في إسقاط الإخوان لكن ذلك لم يمنعني من مهاجمة اختطاف 30 يونيو لعسكرة البلد وعودة دولة القمع وفخور بكل ما كتبته". وأكد أن مقالاته ستنشر في صحف "لا تخدع القراء بشعارات عن حرية الرأي"، بعيدًا عما وصفه بالفضاء الإلكتروني، في إشارة إلى الصحافة الإلكترونية.