ميدان التحرير أيقونة الاحتجاج والمعارضة السلمية التى أذهلت العالم كله، ولكن للأسف الشديد فقد ساهمت بعض القوى السياسية فى حملة تشويه سمعة ميدان التحرير وشارك فى ذلك بعض الإعلام الرسمى وبعض الإعلام الخاص المرتبط بالنظام السابق. فهل من مصلحة مصر محاربة ميدان التحرير أم الإبقاء عليه رمزاً لحرية الرأى وأداة للتعبير عن نبض الشارع المصرى، أم إنهاء الميدان ومحوه من الذاكرة الوطنية؟. لكى نجيب عن هذا السؤال يجب أن نفرق بين دور ميدان التحرير فى ثورة 25 يناير وفى إسقاط حكومة أحمد شفيق وفى تعيين وإسقاط حكومة شرف وفى الاحتجاج على حكومة الجنزورى والاحتجاج علي خنوع السلطة فى مصر إزاء عدوان إسرائيل وقتلها ستة من العسكريين المصريين وكذلك الإجرام المتعمد ضد الشباب فى ميدان التحرير وهذه أمور لا يمكن التشكيك فيها، بالمقارنة بالظروف التى تم فيها إنشاء ميدان العباسية والقضية التى يخدمها هذا الميدان. وسوف يندم المصريون كثيراً على عدم وضوح الرؤية أمامهم وعدم التوحد حول مطالب محددة مدروسة لإرغام السلطة فى مصر على الاستجابة لها وعدم التشرذم حول قضايا فرعية. هناك احتمال أن يتشكل البرلمان من أغلبية وأقلية فماذا لو تحالفت الأغلبية مع السلطة؟. لن تجد الأقلية إلا الرجوع إلى الشعب فى ميدان التحرير لإسقاط البرلمان، وماذا لو غدرت السلطة بالبرلمان خارج دائرة الدستور. مرة أخرى سيكون ميدان التحرير هو الملاذ، وماذا لو سار البرلمان بشكل لا يركز فيه على أولويات الوطن فى هذه الحالة؟، سيكون ميدان التحرير هو الحاكم على البرلمان، وماذا لو تحالف البرلمان والحكومة على أولويات الوطن وهو أمر متصور أو غير مستبعد على الأقل، الميدان فى هذه المرة أيضاً هو الضمان. لكل هذه الاعتبارات نطالب عموم الشعب المصرى بأن يعيد للميدان اعتباره وهيبته؛ لأن من وسائل كسر الهيبة هو الدعوة من جانب فريق لمليونية لأسباب تافهة فأصبحت المليونية سيفاً فى يد كل جماعة لا ترضى هى نفسها عن أمر معين حتى فقدت المليونية مغزاها ورسالتها. ولا أدرى كيف يمكن تنظيم هذا الميدان، ولكننى أريد أن يكون الميدان مكاناً نظيفاً جميلاً له قدسية خاصة أن يكون مثل حديقة هايد بارك فى لندن فيتعلم المصريون فيه فنون الحوار والجدل الراقى وأن يكون مؤشراً لاتجاهات الرأى، وأن تكون عين الحكومة عليه لكي تتجاوب معه وليست مراقبته مراقبة أمنية، وأن تكون جدية الموضوعات وضرورتها للوطن وليس أعداد من يمكن حشدهم فى الميدان هو المعول عليه، وبذلك يمكن أن يكون الميدان مرآة للمجتمع المصرى ومقياساً دقيقاً للرأى العام، بحيث يصبح أداة للاحتجاج، كما يصلح أن يكون أداة للتعبير عن التأييد والدعم والاستحسان. وهكذا يصبح الميدان رقيباً على مجلس الشعب وعلى الحكومة وضماناً لسلامة البنيان والسلوك فى مصر الجديدة، إن مصر الجميلة لن تكون ملكًا لأحد وإنما هى ملك لكل أبنائها تتفتح فيها وفى حدائقها جميع الزهور وتخرج منها ملايين الأفكار والاجتهادات والاإبداعات وهى قِبلة لحضارة الشرق العربى والإسلامى، فقد مضى زمن دكتاتورية عبيد أمريكا وإسرائيل أو زمن فرض الوصاية السياسية أو الدينية على هذا الشعب الذى ألح على غاصبيه وجلاديه بثورته على أنه شعب ناضج، ولكن الجلاد لم يكن يريد أن يعترف لأنه وحده الذى عاش عالمه الخاص برضى أسياده فانفصل عن المجتمع وعجز عن أن ينتسب إليه.