لمصر منذ القدم أهميتها الاستراتيجية والسياسية والفكرية والقيادية، ليس بالنسبة إلى العالم العربي فحسب، بل أيضا يمتد أثرها للعالم برمته، ذلك أنها تحتل موقعا جيواسترتيجيا ، ومكانتها في التأثير على العالم العربي قوي وذو فاعلية كبيرة على القرار العربي، وهذا أمر أشهر من أن يذكر! و قد تخلخت مكانة مصر تبعا لفعل رؤساها السياسي، مثل كامب ديفيد وغيرها من قضايا فصلت قلب الأمة عن جسدها، مما أثر سلبا على مصر والعرب! و اليوم رغم أنف الاستعمار الغربي، تسقط الديكتاتوريات في هذا العالم، ومنها سقوط طاغية مصر الذي بسقوطه فتح الباب لجميع التيارات زن تنزل في الساحة السياسية، ومنها التيار الاسلامي بشتى أصنافه،و بجناحيه الكبيرين(الاخوان-السلف)، وقد توقع كثير من المراقبين أن يحتل هذا التيار مكانة إن لم يكن فوزا ساحقا على جميع التيارات الأخرى، و هاهو هذا التيار يبرز إلى الساحة، ويستعيد حريته، ويستقوي باخوانه في المغرب، وليبيا وتونس، مما سيكون له أكبر الأثر على مستقبل الأمة. و كما يقال أن مصر ترسم خريطة العالم، لا خريطة العالم العربي، فلا بد من فقه دقة هذه المرحلة الخطيرة وحساسيتها،وإدراك خطورة سقوط الاسلاميين في التجربة السياسية، قد يؤثر سلبا على كل التجارب القادمة في مصر والعالم العربي، كما كان أحد الشيوخ يقول لمن أراد فعل شيء، لا تفعل إنك منظور إليك! فسقوط التجربة سقوط للاسلاميين إن لم يكن يكون مردودها على الدين والتدين. إننا أيها الأخوة نعيش في زمن متلاطم معقد، نحتاج فيه إلى التأمل، وإلى تجديد في الفقه السياسي، وفي فهم دورة الصراع الحضاري، و فقه كيف نجعل من هذا الدين أداة لحياة أفضل و أرقى و أكثر نعيما، و ما أشد حاجتنا إلى فقيه مستقرئ للنصوص الشرعية، فاهم و واع للواقع، مدرك لخطورة الصراع السياسي، ومتيقظ لكل المؤمرات الداخلية والخارجية التي تحاك لمصر وأبنائها، لا إلى فقيه جامد، يقف عند ظواهر النصوص وينكفئ على أقوال السابقين دون جهد ولا اجتهاد و لا فقه! لهذا نريد أن نقف على بعض النقاط المهمة والأساسية لهذه المرحلة التي تمر في مصر وفي العالم العربي بعامة. الأمر الأول: فهم معنى الشريعة: وأنه ليس هذا الذي يدندن حوله الغربيون وغيرهم، ممن يجر أذيالهم استحياء، كقطع اليد والرجم وغيره، و إنما المفهوم الذي نعلمه، ونتعبد الله به، أن الشريعة هي الإسلام، فهي منظومة متكاملة من حركة الحياة، فهي العبادة، والحرية، ورفع الظلم، و نزاهة القضاء، و خلافة الأرض، كما هي صلاة وصوم وزكاة، يحرسها سيف بتار، وعقل جبار، وفكر رصين ويطبقها،فقيه متوازن، و مفت واع وسلطان عادل! إن تخويف الغربيين والليبراليين الناس من تطبيق الشريعة إنما ينطلق من سوء فهمها، أو من خبث طوية، لهذا ينبغي أن نعمل على تفهيم الناس أن الشريعة تعني أن يكون لكل مسلم مسكن ومأكل ومبيت، مع ما يصاحب ذلك، من عزة وتمكين، وقوة. وهذا الفهم لا يتحصل من فقيه بارد، ولا من مفكر جامد، وإنما يفقهه، فقيه حي متحرك يعيش حياة الناس وآلامهم، ومفكر يعشق القلم ليحرر رقاب الناس من ربقة فكر عبودي مستبد. * مفكر إسلامي كويتي