يرفض الطفل إبراهيم الحطاب ابن التسعة أعوام، ارتداء "طرف صناعي" بديلة عن ساقه المبتورة بفعل قذائف الجيش الإسرائيلي خلال الحرب التي شنتها إسرائيل على قطاع غزة، صيف العام الماضي. وبالرغم من مرور عام على العدوان، إلا أن عيون الطفل الحطاب، تتسمر في كل مرة يشاهد فيها ساقا يقول إنها تؤلمه بشدة، ولا يحبها لأنها "غير حقيقية". والدته ختام (45 عاما)، تقول بحزن لوكالة الأناضول، إنّ طفلها الذي فقد ساقه يعاني من "كوابيس دائمة"، ولا يستوعب حتى اللحظة فكرة تركيب طرف صناعي له. وتضيف:" يقول إنه يخشى من رؤية زملائه في المدرسة، يظن أن بعضهم سيسخر منهم، ولكن لا شيء من ذلك يحدث، الجميع يشجعه في البيت، الشارع، المدرسة، لكن مجرد أن نطلب منه تركيب الطرف الصناعي التي قمنا بتصنيعه يبدأ في الصراخ والبكاء". وفي داخل المركز الوحيد لصناعة وتركيب الأطراف الصناعية في قطاع غزة، يقول "أحمد العبسي" أخصائي الأطراف لوكالة الأناضول إن حالة الطفل حطاب، تتكرر مع كافة الأطفال الذين يحصلون على "أطراف صناعية"، بعد أن بترت الحرب الإسرائيلية الأخيرة أطرافهم. ويوفّر مركز "الأطراف الصناعية" التابع لبلدية غزة، أطرافا صناعية لكل من تعرض لحالة بتر، طبقا لأدق المواصفات العالمية، بحسب القائمين للمركز. وتدعم اللجنة الدولية للصليب الأحمر مركز صناعة وتركيب الأطراف الصناعية بالمواد اللازمة، وبالمختصين. والمشكلة لا تكمن في الكفاءة العالية للطرف المصنّع كما يقول العبسي، إذ يؤكد أن مبتوري الأطراف يمتنعون عن الحديث، ويعيشون صدمة قاسية. وتقول الشابة الفلسطينية منى، (27 عاما) والتي فضلّت عدم ذكر اسمها كاملا، لوكالة الأناضول إن زوجها فقد أطرافه السفلى، وبات حبيس الكرسي المتحرك. وتضيف :" الحرب لم تنتهِ، لقد خلفت جراحا واسعة لا تندمل،غيرت تفاصيل حياتنا، لم يعد زوجي مشلولا وحسب، بل صار انطوائيا، كاره للحياة ولكل شيء". وفي السابع من يوليو/تموز 2014، شنت إسرائيل حربًا على قطاع غزة، أسمتها "الجرف الصامد"، انتهت في 26 أغسطس/آب 2014. وعلى مدار "51 يومًا" تعرض قطاع غزة، الذي يُعرف بأنه أكثر المناطق كثافة للسكان في العالم، (1.8 مليون فلسطيني) لعدوان عسكري إسرائيلي جوي وبري، تسبب بمقتل 2322 فلسطينيًا، بينهم 578 طفلاً (أعمارهم من شهر إلى 16 عاما) ، و489 امرأةً (20_40)، و102 مسنًا (50_80)، بحسب وزارة الصحة الفلسطينية. وجرح نحو 11 ألفا آخرون، (10870)، منهم (3303)، يعاني منهم ألف "إعاقة دائمة" ، وأصيبت 302 امرأة أكثر من 100 امرأة تعاني من إعاقة دائمة وفقا لإحصائيات صادرة من وزارة الصحة الفلسطينية. ويقول أشرف القدرة، المتحدث باسم وزارة الصحة في قطاع غزة، لوكالة الأناضول إن آخر إحصائية للحرب في 26/آب أغسطس 2014، نتيجة القنابل والغارات المباشرة تسببت بمقتل 2147، مشيرا إلى أن الرقم وصل حتى اليوم إلى 2322، نتيجة وفاة 175 فلسطينيا متأثرين بجراحهم من بينهم أطفال ونساء. ويؤكد القدرة، أن جراح الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، لا تزال ماثلة، ولم تندمل، مضيفا:" هناك آلاف الجرحى من الأطفال والنساء والرجال لا يزالون يتلقون العلاج في مستشفيات الخارج، منهم من فقد عينه، وقدمه". وحتى اليوم يرقد في مشافي قطاع غزة، والدول العربية والأجنبية نحو 3 آلاف جريح، يتلقون العلاج، وفق القدرة. و91 شخصا من بينهم أكثر من 20 طفلا، باتوا من مبتوري الأطراف وسيعانون من إعاقة دائمة بفعل الحرب الإسرائيلية الأخيرة، ويحتاجون إلى أطراف صناعية لمواصلتهم الحياة كما يؤكد القدرة. وكلما نظرت في وجهها إلى المرآة بدت الفتاة نور الأسطل "12 عاما" بالبكاء بشكل هيستيري، إذ لم تفلح حتى اللحظة كل محاولات الأطباء في تجميل وجهها من الحروق التي أصابتها جراء شظايا القنابل والصواريخ. وتقول والدتها (سلوى 39 عاما)، لوكالة الأناضول إن طفلتها تتلقى علاجا مكثفا لإزالة الندوب، وآثار الحرق غير أن الأطباء، يقولون إن شفائها بشكل تام يحتاج إلى مدة زمنية لا تقل عن أربع سنوات، وهو ما يدفعها للدخول في حالة نفسية صعبة، وقاسية.
وتضيف الأم:" تلاشت ملامح طفلتي الجميلة، وابني (سامر 10 سنوات فقد بصره)". ويقول عوني مطر، رئيس اتحاد المعاقين في غزة، إن اتحاده وبالتعاون مع وزارتي الصحة والشؤون الاجتماعية، قدّر نسبة الجرحى الذين أصيبوا بإعاقات سمعية وبصرية وحركية بسبب الحرب، بأنها تجاوزت ال (40%) من مجموع الجرحى.
وشنت القوات الإسرائيلية قرابة 60 ألفًا و664 غارة على القطاع، جواً وبراً وبحراً، وحسب إحصائية، أعدتها وزارة الأشغال ووكالة غوث وتشغيل اللاجئين (أونروا) بالتعاون مع برنامج الأممالمتحدة الإنمائي (UNDP)، فإن عدد الوحدات السكنية المهدمة كلياً بلغت 12 ألف وحدة، فيما بلغ عدد المهدمة جزئياً 160 ألف وحدة، منها 6600 وحدة غير صالحة للسكن. وسكتت أصوات آلة الحرب الإسرائيلية، ولكن آثارها "القاتلة" ظلت تلاحق الفلسطينيين كما هو الحال مع عائلة أبو جراد التي تقطن في منطقة بيت حانون شمالي قطاع غزة. وبعد انتهاء الحرب بأشهر معدودة، فقدت العائلة طفلها محمد ابن الأربعة أعوام، وهو يلهو بقطعة حديدية، بجوار منزله، ظن أنها لعبة، سرعان ما انفجرت في جسده، مخلفة جروحا خطيرة أودت بحياته على الفور. ومحمد واحد من بين كثيرين فقدوا حياتهم نتيجة مخلفات الحرب الإسرائيلية الأخيرة على قطاع غزة. ويبلغ عدد المنازل المأهولة بالسكان ويشتبه بوجود قنابل وصواريخ إسرائيلية غير منفجرة أسفلها، 40 منزلا موزعة على أنحاء القطاع وفق هندسة المتفجرات التابعة لوزارة الداخلية بغزة. ووفقا لوحدة هندسة المتفجرات، فقد تم إتلاف ما يزيد على 90 طنًا من المواد المتفجرة الظاهرة على سطح الأرض، مؤكدة وجود العشرات من القنابل غير المنفجرة أسفل أنقاض المنازل، خاصة في المناطق الحدودية. وبحسب أشرف القدرة المتحدث باسم وزارة الصحة بغزة، فإن تلك القنابل خلفت 20 قتيلا من بينهم أربعة من خبراء المتفجرات، أثناء تفكيكهم عبوات ما خلفته الحرب. فيما أصيب نحو 100 بجروح متفاوتة من بينها بتر في اليدين والقدمين (لا توجد حتى الحظة إحصائية دقيقة لمعرفة طبيعة الإصابات الناجمة عن مخلفات القنابل).