رحل الأمير سعود الفيصل،إلى مثواه الأخير، بعد 40 عامًا قضاها في رحاب الدبلوماسية الدولية، وحصد لقب «عميد الدبلوماسية» كونه يعتبر أكبر وزير خارجية في العالم (1975- 2015)، ووافق يوم رحيله عن عمر ناهز ال75 عامًا، وذلك بعد صراع طويل مع المرض، ذكرى لن ينساها العرب في الإعلان الشهير الذي اتخذه والده الراحل، الملك فيصل بن عبدالعزيز ملك المملكة العربية آنذاك، ب «حظر» الصادرات النفطية إلى الولاياتالمتحدة الأميركية، وهو القرار الذي تضامن معه عدد من الدول العربية، نظير الدعم الأميركي لإسرائيل إبان حرب أكتوبر، والذي اعتبر تحدي لأمريكا نظير دعمها إسرائيل، حيث كان سعود الفيصل يشغل وقتها وكيلًا لوزارة البترول والثروة المعدنية. تاريخه الراحل سعود الفيصل نال درجة البكالوريوس في قسم الاقتصاد من جامعة برنستون في ولاية نيوجيرسي الأميركية العام 1963، وبدأ حياته العملية مستشاراً اقتصادياً في وزارة البترول والثروة المعدنية، قبل أن ينتقل بعدها إلى المؤسسة العامة للبترول والمعادن "بترومين"، وأصبح مسؤولاً عن مكتب العلاقات البترولية، الذي يشرف على تنسيق العلاقة بين الوزارة و"بترومين". وفي العام 1970، عين الأمير سعود الفيصل نائباً لمحافظ "بترومين" لشؤون التخطيط، قبل أن يعين لاحقاً وكيلاً لوزارة البترول والثروة المعدنية في العام 1971، ليصدر لاحقاً مرسوم ملكي بتسميته وزيراً للخارجية، إبان شغور المنصب بوفاة والده الملك فيصل بن عبدالعزيز، الذي كان وزيراً للخارجية إضافة لكونه ملكاً للبلاد. مرضه سعود الفيصل الذي أرهقه مرض "باركنسون" أخيراً، كان يتقن سبع لغات إضافة إلى لغته الأم العربية، وهي اللغة التي كان يفاخر بها متحدثاً في معظم مؤتمراته الصحافية ولقاءاته، رغم إجادته لعدد من لغات العالم، تماماً كما كان يفاخر بعروبته الذي ظل يناضل عنها طيلة مشواره السياسي في كافة المحافل الدولية، وقال في أحد المحافل العامة متحدثًا عن صحته مؤخرًا، إن حال صحته مثل حال الدول العربية. مدرسة الدبلوماسية من أبرز ما وصف به الأمير الراحل سعود الفيصل هو ما ذكره الأمين العام السابق لجامعة الدول العربية عمرو موسى حين قال: «هو مدرسة الدبلوماسية العاقلة والآراء الرصينة القوية، كان قوياً حين يحتاج الموقف إلى قوة، وإنساناً حين يحتاج الموقف إلى إنسان، ودبلوماسياً حين يحتاج الموقف إلى دبلوماسي، وخبيراً حين يحتاج الأمر إلى رأي خبير». دبلوماسي 30 يونيو للغرب بعد تظاهرات 30 يونيو وبينما كانت العواصمالغربية منقلبة على النظام الجديد فى مصر، كان لسعود الفيصل دور فى منتهى الخطورة، حيث جاب العديد من العواصمالغربية، محاولا تغيير وجهة هذه العواصم تجاه 30 يونيو فى مصر، ونجح فى ذلك بعدما استخدم كل الأساليب الدبلوماسية، وكانت أقوى صورة له حينما وقف فى 19 اغسطس 2013 أمام قصر الإليزية وبجواره رئيس فرنسا فرانسو هولاند ليعلن أنه تم الاتفاق مع باريس على منح خارطة المستقبل فى مصر فرصة، وقال "اتفقنا مع فرنسا على إعطاء خارطة الطريق فى مصر فرصة لتحقيق الأمن والانتخابات المبكرة"، مؤكداً على أن "حرية الرأى يجب أن يُعبر عنها بغير العنف". وقال الفيصل وقتها إن "ما تشهده جمهورية مصر العربية الشقيقة اليوم يعبر عن إرادة 30 مليون مصرى فى 30 يونيو، معربين عن رغبتهم فى إجراء انتخابات رئاسية مبكرة كنتيجة حتمية لتدهور الأوضاع الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، وهو الأمر الذى أدى إلى اجتماع كافة القيادات والقوى السياسية والاجتماعية للإعلان عن خارطة طريق جديدة تقود مصر لبر الأمان، بعد أن رفضت الرئاسة السابقة الاستجابة لرغبات الملايين من الشعب المصرى. وتضمنت خارطة الطريق تعديل الدستور وإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية فى تواريخ محددة تشارك فيها كافة القوى السياسية". وأضاف "أن انتفاضة ثلاثين مليون مصرى لا يمكن بأى حال من الأحوال أن توصف بالانقلاب العسكرى، إذ إن الانقلابات العسكرية تجرى تحت جنح الظلام، كما أن مَنْ تولى سدة الحكم فى مصر رئاسة مدنية وبما يتوافق مع الدستور المصرى. سبب تغيير مواقف أوروبا تجاه مصر فيما أعرب السفير محمد كامل عمرو وزير الخارجية المصري الأسبق، عن حزنه لرحيل الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية السعودي السابق. وقال «عمرو»: "الأمير سعود الفيصل كان دبلوماسيًا متميزًا، وأكثر وزير خارجية خدم العالم كله في فترت حساسة". وأشاد بمواقفه تجاه مصر، قائلًا: "مواقف الأمير سعود تجاه مصر، كانت إيجابية وكريمة، وخاصة خلال العامين الماضيين، حيث كان سببًا في تغيير عدد كبير من الدول الأوروبية لمواقفها تجاه مصر عقب 30 يونيو". وأضاف: "بعد 30 يونيو، توجه هذا الرجل إلى عدد من الدول الأوروبية، وقال بوضوح أن من يقف ضد إرادة الشعب المصري، فهو يقف ضد المملكة العربية السعودية، وكان لهذا الكلام أثر كبير في حسم بعض الدول لمواقفها". وعلى المستوى الإنساني، قال وزير الخارجية الأسبق: "كان الأمير سعود شخصًا فاضلا وعلى خلق عظيم"، على حد وصفه. ماذا قال عنه صدام حسين؟ سُئل صدام حسين رئيس العراق الأسبق، من الرجل الذي تخشاه .. ابتسم فقال : سعود الفيصل أدهى من قابلت في حياتي فحينما كنت في حرب إيران جعل العالم معي، وبعد أن دخلت الكويت قلب العالم ضدي وكل ذلك يكون في مؤتمر صحفي واحد !. كما قال «صدام»عنه أيضًا، «لو عندي مثل سعود الفيصل لسيطرت على العالم».