توالت عدة أحداث في الشهور الأخيرة، خاصة منذ أحداث مسرح البالون، حتى أحداث التحرير الأخيرة، مرورا بأحداث السفارة الإسرائيلية وأحداث ماسبيرو، وكلها شهدت وقائع تؤدي للانزلاق لمرحلة الفوضى. ومن المرجح أن تستمر تلك الأحداث، وما تعنيه من احتمال انزلاق البلاد لمرحلة من الفوضى، حتى نهاية المرحلة الانتقالية. وكل تلك الأحداث شملت عدة عناصر تؤدي إلى مخاطر الانزلاق للفوضى. لأن هناك مجموعات من الشرطة مندفعة نحو الاشتباك مع المتظاهرين، ومجموعات من المتظاهرين مندفعة للاشتباك مع الشرطة. والاندفاع من قبل البعض في جهاز الشرطة، يعبر عن وجود رغبة في استعادة هيبة الشرطة، وعودة لاستخدام أساليب العنف المفرط، ورغبة في الانتقام، وشعور بأن الثورة خرجت ضد الشرطة، وأن جهاز الشرطة أصبح جهازا مكروها من عامة الناس، ورغبة في الانتقام. والاندفاع من قبل بعض المتظاهرين للاشتباك مع الشرطة، يعبر عن قناعة أن الاشتباك هو الوسيلة الوحيدة لردع جهاز الشرطة ومنعه من ممارسة أساليبه القديمة، وقناعة لدى البعض الآخر أن إسقاط جهاز الشرطة مرة أخرى ونهائية، هو الوسيلة الوحيدة للتخلص من ممارسات جهاز الشرطة القديمة، وقناعة لدى البعض أن إسقاط جهاز الشرطة هو الوسيلة الوحيدة لتحقيق الإسقاط الكامل للنظام السابق. وبسبب تلك المجموعات المندفعة للاشتباك، يتكرر مشهد الاشتباك بين المتظاهرين والشرطة عدة مرات، وفي كل مرة يبدو الاندفاع نحو الاشتباك قويا، لحد يؤدي إلى سقوط الضحايا، وتبدأ مشاهد الدماء، التي تدفع الموقف نحو الانفجار. وهذه اللحظات يمكن أن تؤدي إلى انهيار ثاني لجهاز الشرطة، مما يدفع البلاد لمرحلة فوضى، خاصة وأن الانهيار الثاني سوف يوقف العملية السياسية والانتخابات بالكامل، كما سيعيد حالة الانفلات الأمني إلى أقصى درجة لها، مما يترتب عليه انهيار اقتصادي شديد، خاصة وأن أوضاع الاقتصاد وأوضاع الدولة بل ومجمل الأوضاع الحياتية أصبحت هشة للغاية. ومن هنا يمكن أن تدخل البلاد في مرحلة فوضى ليست بقصيرة، مما يترتب عليه تكلفة باهظة يدفعها المجتمع كله. وهناك فارق بين أن تكون تلك المجموعات مندفعة للاشتباك بسبب قناعاتها، أو أن تكون مندفعة بناء على تخطيط مسبق. فالاندفاع بسبب القناعات، يحدث في لحظة المواجهة، وتدفع له الأحداث، ثم تتلاحق الأحداث بسبب التداعي الحر للأفعال وردود الأفعال المتتالية، أما في حالة التخطيط، فيصبح الاندفاع مخططًا له من قبل، أو قد يكون الاندفاع الأول تلقائيا، ثم تم التخطيط لاستمرار حالة الاندفاع. وكلما كان الأمر مخططًا، يصبح الانزلاق لمرحلة الفوضى مرحليا أو كليا مخطط له، أو يصبح التهديد بالانزلاق لمرحلة الفوضى مخططًا له. وفي معظم الأحداث التي شهدت اشتباكات، كانت هناك مجموعات مندفعة للاشتباك عن قناعة لديها، ولكن ظهرت مشاهد تؤكد أن البعض كان مدفوعا أكثر منه مندفعا، من جانب الشرطة والمتظاهرين معا، وهو ما يدفع الأحداث لمرحلة الخطر، أي مرحلة الانزلاق للفوضى.