إعلانات يومية بالصحف والفضائيات واستغاثات لمعتقلين.. والحكومة تناشد السيسى لحل مشاكلها عبر الإعلانات المدفوعة..وحقوقيون: أعادت أصحاب الحقوق لعصر مبارك.. «استغاثة للأب والرئيس محمد حسني مبارك...» كانت تمر تلك الكلمات أمام أعيننا في فترة طويلة من حكم الرئيس الأسبق مبارك، كانت عبارة عن شكوى أو استغاثة في إعلان مبوب ومدفوع الأجر، من مواطن يطالب إما بعفو أو مساعدة أو غيرهما، وانتهى عصرها منذ وقت قريب، إلا أنه خلال هذا العام تكررت الاستغاثات التي يدفع المواطن من لحمه لإيصالها رغم وجود طرق كثيرة للتواصل، وخاصة بعد ثورتي يناير ويونيو، أصبحت الاستغاثات ليست بحاجة إلى دفع مبلغ كي تصل إلى أي من أصحاب المناصب، إلا أن في الأشهر الأخيرة عادت لتتوالى علينا من جديد بعد سنوات من اختفائها. نشر أحد المواطنين ويدعى معتمد أحمد عبداللاه، استغاثة للرئيس، بجريدة الوطن، أكد فيها أن السيسي وعد بالحفاظ على كرامة المواطن وعدم إهانته، ولكن ما حدث في قسم إمبابة غير ذلك، فتم تلفيق المحاضر ضده لصالح أحد أمناء الشرطة، مضيفًا أن الشاهد على ذلك هو محضر رقم 2568 لسنة 2015 إداري قسم إمبابة الثابت به التزوير دون مغيث، لافتًا إلى أنه يطالب بإعادة التحقيق في وقائع المحضر. وسبقه بأيام قليلة، مناشدة من القائمين على تنفيذ مشروع الإسكان الاجتماعي بالبحر الأحمر أيضًا، استغاثة للسيسي، قائلين: «نناشد سيادتكم نحن القائمين على تنفيذ مشروع الإسكان الاجتماعي بمحافظة البحر الأحمر نتضرر من عدم توفير الاعتمادات المالية وصرف المستخلصات من مديرية الإسكان لاستكمال المشروع، ما أدى إلى تعرضنا لخسائر مادية فادحة، فضلًا عن التأخير في تسليم المشروع في المواعيد المقررة، كما نتضرر من عدم إتمام المرافق التي تهدد بتوقف المشروع بالإضافة إلى معوقات التنفيذ وكل ذلك يهدد بتوقف العمل في المشروع لذلك نرجو من سيادتكم التدخل لحل الأزمة حفاظًا على المال العام والخاص وحرصًا على سيادتكم على استكمال المشروعات، حيث لا نجد إلا الاستغاثة بسيادتكم بعد طرق جميع أبواب المسئولين بالمحافظة ووزارة الإسكان». فأعادت إلى الأذهان مشاهد تكررت كثيرًا في عهد «مبارك»، والذي أكده الدكتور شوقي السيد، الفقيه الدستوري، بأنها تنشر بالكتابة في عدد من الصحف، مدللًا بعدة تواريخ، مثل«الوفد 30 يونيو 1990، أخبار اليوم 30 يناير 1999، الأهرام 7/6/2000، روز اليوسف 26/5/2001، 25/8/2005»، واصفًا إياها بالآفة. وقال «السيد»، في مقال له في وقت سابق، إن كل ذلك يعكس صورة من صور الانفلات والفوضى، وعدم احترام الحقوق والواجبات، وعدم التدقيق في نشر البيانات ومادة النشر، طالما دفع المعلن قيمة الإعلان، مشيرًا إلى أن حق الشكوى مكفول دستوريًا بالمادة 85 من الدستور إذ أن لكل فرد حق مخاطبة السلطات العامة كتابة وبتوقيعه، وبالمجان، ويمتد هذا الحق أيضًا إلى الأشخاص الاعتبارية. وأضاف أن المادة 138 لكل مواطن أن يقدم إلى مجلس النواب شكاوى يحيلها إلى الوزراء المختصين ويُحاط صاحب الشأن بنتيجتها، متسائلًا: «فإذا كان الأمر كذلك حضرات السادة فلماذا يجرى الإعلان علنًا وبمبالغ كبيرة إذا كان المعلن من حقه دستوريًا اللجوء إلى الشكوى وإبلاغ السلطات وتلقى الرد.. وبالمجان!! ألا إذا كان ذلك لأغراض أخرى في نفس يعقوب!!». وأوضح «السيد»، أنه يجب الفصل بصورة بارزة بين المواد التحريرية والمواد الإعلانية، ولهذا كان الحظر أيضًا أن يعمل الصحفى في جلب الإعلانات، فضلًا عن أن قواعد المسؤولية ذاتها ترتب الجزاء والمسؤولية عند الإهمال والخطأ. ووصف الفقيه الدستوري، نشر تلك الاستغاثات مدفوعة الأجر، بالفوضى الإعلانية، مشيرًا إلى أنها تثير الفتن والاضطراب وتجعل من مقابل النشر الإعلاني السيد والحكم، حيث يحقق المعلن أغراضه بفلوسه ولو كانت الأغراض والمقاصد خفية غير مشروعة، وإذا كان المعلن مسئولاً عن بلاغه وشكواه التي ينشرها على الرأي العام، فإن ذلك لا يسقط مسئولية الصحيفة الناشر إذا تغاضت عن التوثيق والتدقيق من صحة ما يُعلن وقبل النشر، حماية للرأي العام والمجتمع من أن يضل أو يُضل، وحتى لا تطغى قوة المال على كل القيم والمبادئ في المجتمع - على حد قوله. وقال أشرف عباس، المحامى الحقوقي ورئيس مركز العدالة لحقوق الإنسان، إن عودة الاستغاثات مدفوعة الأجر، عادت بعد تضييق على الناس، وألا يوجد تفعيل للقانون، مشيرًا إلى أن تلك حقوق وواجبات لا يجب أن يدفع أجر عليها، والأزمة تكمن في أن من ليس لديه علاقات وواسطة مضطر للجوء لتلك الطرق. وردًا على إذا كان هناك أشخاص ليس معهم نقود، قال «عباس»، في تصريحات خاصة ل«المصريون»، «اللي معهوش ميلزموش، وهينصب ويغش»، مشيرًا إلى أن المنظومة متكاملة ويضربها الفساد، ومرتبطة ببعضها، فمن ليس معه مال لن تحل مشكلته ولن يلجأ لنشر حتى الاستغاثة مدفوعة الأجر.