نعم ، ما قاله اللواء مختار الملا أمس في مؤتمره الصحفي صحيح ، وهو أن رفع القوات المسلحة يدها عن إدارة شؤون البلاد في تلك المرحلة الانتقالية هو خيانة للوطن ، ولا وقت هنا للمزايدات أو تطييب الخواطر ، خروج القوات المسلحة من المشهد السياسي الآن يمثل خطورة حقيقية على مصر ، ليس لعدم وجود الكفاءات التي تدير البلد ، فمصر مترعة بتلك الكفاءات الرفيعة ، ولكن لأن مؤسسات الدولة لم تبن حتى الآن ، فلا هناك برلمان ولا هناك حكومة شرعية منتخبة ولا هناك رئيس للجمهورية شرعي ومنتخب ، وبالتالي لا يوجد أي حزب أو قوة سياسية شرعية لإدارة الدولة ، فكيف تكون صورة البلد إذا أعلن المجلس العسكري فجأة رفع يده ، وترك الأمر للقوى السياسية تدبر أمرها بنفسها ، هذا عبث حقيقي ، وإعلان انهيار الدولة المصرية . أحيانا تأخذنا العاطفة إلى الانسياق وراء دعوات غير مسؤولة وغير حكيمة ، مثل الدعوة إلى إقالة المجلس العسكري وترك السلطة فورا للمدنيين ، وهو كلام حق يراد به باطل في تلك اللحظة ، فاي مدنيين تقصد ، ومن هؤلاء المدنيون الذين تعنيهم ، هل تقصد الدكتور محمد البرادعي ، أم تقصد ممدوح حمزة ، أم تقصد مجموعة 6 أبريل ، أم تقصد الجماعات الإسلامية أم تقصد الإخوان المسلمين ، أو تقصد حمدين صباحي والناصريين أم تقصد المجموعات اليسارية النشطة الآن في ميدان التحرير ، ومن الذي يمكنه أن يمنح الشرعية لهؤلاء ، إذا كنت لم تجر أي انتخابات ، ولم تستمع إلى رأي الشعب من خلال صندوق الانتخابات . خروج المجلس العسكري الآن من المشهد السياسي يعني أن تدخل تلك القوى في صراعات دم حقيقية ، لأن كل فصيل لن يقبل بأن "يركب" الآخر على كرسي إدارة الدولة ويتحكم فيها ، والجميع يملك مشروعية لذلك الموقف الرافض لأن الجميع لا يملك صك مشروعية من الشعب ، ولو طرحت أي اسم الآن لكي يتولى رئاسة الجمهورية مؤقتا أو رئاسة مجلس رئاسي حسب تعبير البعض فإنك لن تجد إجماعا عليه ، بل تجد الرفض من جميع القوى الأخرى ، وإذا طرحت اسم رئيس للوزراء من أي فصيل الآن لن تجد أي إجماع عليه ، وسوف تتشكل مليونيات جديدة عليه في ميدان التحرير ، هذا عبث ، كما أن الفراغ السياسي والأمني الخطير الذي ينتج عن غياب المجلس العسكري الآن يعني فتح الباب على مصراعيه لتدخل أجنبي غير محدود وغير محسوب العواقب . نجحت مليونية إنقاذ الثورة بالفعل في تحقيق المطلب الأهم والأخطر ، وهو إعلان المجلس العسكري عن موعد نقل السلطة بشكل نهائي إلى القوى السياسية المدنية ، وهو نهاية يونيو ، وكان المجلس يراوغ في إعلان تاريخ محدد ، الآن نحن أمام برنامج عملي واضح ومحدد لنقل السلطة بالتزام علني ، خلال ستة أشهر تقريبا ، يبدأ بعد غد بالانتخابات البرلمانية ثم ينتهي بعدها بشهرين تقريبا بانتخابات رئيس الجمهورية ، وعند هذه اللحظة سنقول للمجلس العسكري ، شكرا ، أديت واجبك ، ونقلت الأمانة ، وعلى قواتك المسلحة الوطنية أن تعود إلى ثكناتها ، واترك مؤسسات الدولة المدنية لتتحمل مسؤولياتها التشريعية والتنفيذية . بدون مجاملة أو مزايدة ، لم يعد في ميدان التحرير الآن قضية ، وعلى الجميع أن يحكم العقل وليس العاطفة ، الدولة الآن بلا مؤسسات ، والأولوية القصوى الآن لبناء مؤسسات الدولة ، قبل أن نقول للمجلس العسكري شكرا ، ومع السلامة . [email protected]