هل ضحوا بالمخلوع ليبقى النظام؟ ربما!. هل تورطوا في التأييد ثم اكتشفوا المصيبة؟ جائز! هل يخوضون معركتهم الأخيرة بكل ما أوتوا من شراسة وقوة؟ بالتأكيد. عن كل الكارهين؛ المتربصين؛ الخائفين أتحدث وعن أعداء مصر الثورة أكتب؛ وهم بكل أسف كثر - تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى - في الداخل والخارج ستفضحهم كلماتهم وتعريهم عربدتهم؛ وإن احتموا في لبوس الوعاظ والكهان والحراس؛ وستكتشف معي أن أسهل فصيل منهم في المواجهة ربما يكون هذا الذي تسلح بالمطواة والسنجة وراح يرتع إفسادا في الأرض وترويعا للآمنين؛هذا الفصيل واضح مكشوف من ناحية؛ومأجور لخوض معركة – ربما ليست معركته الحقيقية – من ناحية أخرى؛ بما يجعل مواجهته أسهل؛ أو أقل صعوبة؛فهو في النهاية سيقع أوسيهرب ويختفي في أسوأ الاحتمالات. لكن الفصائل الأخطر ستبقى دوما هي المختفية كالأشباح تخفي خناجرها وأسلحتها الخفيفة والثقيلة في طيات ملابسها؛ أوخلف البحار والمحيطات والخلجان؛ داخل وخارج حدود المحروسة مصر التي ترعاها يد المولى سبحانه وتحرسها عين الله اللطيف الخبير ؛ويمدها بالعون دعاء الطيبين من أهلها وهم الكثر؛ وسواعد الذين هم نبتها الطيب. بعيدا عن التفاؤل الذي أمرنا به؛ والتشاؤم الذي له عند البعض مايبرره؛ دعني أتذكر ونذكر معا بجملة من الحقائق على الأرض؛ أولاها أن شعب مصر - الذي راهنوا على موته - مازال حيا وسيظل نابضا؛ ويبقى مدهشا كما هو على مر التاريخ؛ أما الذين زالوا ومابقوا فهم الذين توهموا أنهم سيقتلوه بالتجويع وبالفقر والمرض والجهل؛ كان وسيبقى شامخا؛ لكن من أرادوا له الاستكانة والهوان؛ هم الذين هانوا على أنفسهم ورضوا بالذلة والمسكنة؛ خرج المصري واقفا على قدميه؛ بينما جلادوه يتوسلون الشفقة ممددين على الأسرة! ثانية الحقائق تقول بوضوح إن الإحساس بالخطر – حتى وإن كان في اللحظة الأخيرة – من شأنه أن يجمع المصريين بكل أحزابهم وجماعاتهم من تعجل منهم ومن تأخر في الانضمام لصفوف الثوار؛ من توهم منهم ومن كان على بصيرة؛ سيجتمعون حتما ليدفعوا عنهم البلاء والمصيبة الأكبر؛ ويبقى الوعي بالخطر – في تقديري – عاملا مهما؛ ضروريا وعاجلا. هذا الوعي يستلزم أن نتصارح ونتحاور؛ لكن الأهم من هذا وذاك؛ أن نتواضع قليلا وأن نعترف بأننا كلنا أخطأنا أوارتكبنا حماقات؛ أصابتنا جميعا بشيء من الارتباك نرى ملامحه ومؤشراته تتبدى في قرارات وبيانات وكلمات كل الأطراف بلا استثناء؛فالذين استعجلوا القطاف وهرولوا خانهم الذكاء؛ والذين تباطأوا أو تواطأوا في القرارات راهنوا على عنصري الوقت والإرهاق ونسوا أوتناسوا أن أربعين عاما من هذه السياسة مع المصري الصبور الجسور لم تفلح؛ حتى الذين انقلبوا على أعقابهم ارتدوا خاسرين لم ينالوا خيرا! لم يبق إذا إلا الاعتراف الآن وليس غدا؛ فلن يفيد - سوى الأعداء - أن نتوهم أننا بلد الخمسة والثمانين مليون شهيد وبريء من الذنب والخطأ والنسيان. بغير ذلك ستقتلنا النرجسية وتقضي علينا الأنانية؛ وسيبقى كل فصيل منكفئا على نفسه؛ وفرحا بما يتوهم أنه العبقرية في أوضح صورها وأجلى معانيها وأنه يصنع مالايصنع غيره؛ يمارس لعبة العمياء؛ تكحل المجنونة وتقول لها (رموشك حلوة ومزيونة)؛ فلا العمياء ترى ولا المجنونة تعقل!