ببراءة مثيرة للدهشة قال الدكتور عصام شرف أن ما حدث في ميدان التحرير تعمد لإثارة البلبة وتعطيل مسار الانتخابات ، وفي نفس اليوم كان نائبه علي السلمي ، يعلن في بيان أشبه ببيانات العسكريين ، أن وثيقة الدستور الجديد التي يعدها والتي كانت سببا في تهييج الرأي العام ونزول الملايين للشوارع لن يتم التراجع عنها ، فلا تراجع ولا استسلام ، والمفارقة هنا أن المنطق السياسي يفرض بالبديهة أن تكون كلمات رئيس الوزراء إدانة مباشرة لنائبه ، لأنه إذا كنت تتحدث عن البلبلة وتهييج الشارع وإثارة الناس قبل الانتخابات ، فعليك أن تسأل نائبك : لماذا الإصرار على طرح هذه المسألة المثيرة والمهيجة قبل الانتخابات ، أو بمعنى أوضح : لماذا تتعمد الحكومة أو بعض أجنحتها إثارة البلبلة وتهييج الشارع قبل الانتخابات ، ولحساب من يفعل ذلك علي السلمي . الدكتور السلمي ليس رجل قانون ، هو في المحصلة العملية رجل بيزنس ، وينشط في مجال بيزنس التعليم الأجنبي المرتبط بشكل كبير بلوبي ديبلوماسي غربي ، وهو لوبي لا يحمل ودا للتيار الإسلامي بطبيعة الحال ، فلماذا تولى علي السلمي دون غيره في الحكومة المصرية تلك المهمة "القانونية والدستورية" ، ولماذا يصر هو دون غيره على الدفاع عنها حتى آخر نفس أو آخر حجر في جدار الوطن ، ثم يبقى السؤال ، إذا كان علي السلمي ليس رجل قانون ، فمن الذي أعد له تلك الوثيقة ، ومن هم المستشارون الذين يلجأ إليهم لصياغتها أو تعديلها ، ولماذا لا يعرف الرأي العام هذه الأسماء ، لماذا تبقى دائما في خلفية المشهد ، هل يشعر علي السلمي بأن هذه الأسماء التي دبجت له الوثيقة هم "عورة " أو عار يستخفي به ، هل هم كما يقولون بعض رجال القانون من "فلول" نظام مبارك ، هل هي تلك "القانونية" التي كانت مقربة من سوزان مبارك وكافأتها "الهانم" في اختيارها للمنصب القضائي الرفيع . أيضا ليس مفهوما صمت المجلس العسكري المريب على "حدوتة" وثيقة السلمي ، وصمته المطبق عن إعلان أي موقف تجاهها أمام الرأي العام ، لا بموافقة ولا باعتراض ، وكأنها تحدث في دولة أخرى ، وهو ما دفع كثيرين إلى طرح فرضية أن هذه الوثيقة ليست وثيقة السلمي ، بقدر ما هي وثيقة المجلس العسكري ، خاصة وأن بعض البنود التي قدمت في الوثيقة قبل إجراء التعديلات لاحتواء غضب الرأي العام ، كانت تحمل تواطؤا ونفاقا مشينا للمجلس العسكري ، هل أوحى المجلس للسلمي بإنجاز هذه الوثيقة ، ولماذا لم يطلب المجلس العسكري من الرجل تأجيل النظر في تلك الوثيقة إلى ما بعد الانتخابات التشريعية ، وحتى يتعافى الوطن ويشعر بقدر من الاستقرار الأمني والسياسي ، لماذا "الهرولة" ومحاولة "تكتيف" مؤسسات الدولة الجديدة ، بحيث تكون تحت وصاية المؤسسة العسكرية ، لماذا يكتفي المجلس بتحمل عبء التصدي للذين غضبوا من وثيقة السلمي وتظاهروا ضدها ، دون أن يتخذ القرار الطبيعي والبديهي في تلك الحالة حماية لأمن الوطن واستقراره . غموض المجلس العسكري ، وعناد علي السلمي الذي يعطي نفسه أكبر من حجمها ، واستهبال عصام شرف ، هذا المزيج هو السبب المباشر والأساس في حالة البلبلة والتهييج والفوضى التي تشهدها البلاد حاليا .