قد تزعج مليونيةالجمعة الماضية العالم الغربي والمنظمات الدولية كونها ظهرت بعنوان إسلامي. وقد تستغل من المجلس العسكري وأنصاره والقوى الليبرالية المتخاصمة مع الإسلاميين للايحاء بأن القاهرة مقبلة بسرعة على تحول جديد تصبح فيه عاصمة لدولة دينية متشددة في المنطقة على النسق الإيراني لكنها سنية سلفية متشددة تحاصر بين فكي كماشة إسرائيل والمصالح الغربية وأنظمة الشرق الأوسط المعتدلة. مليونية المطلب الوحيد ربما يستفيد منها العسكر إذا كانت قلوبهم قد مالت للسلطة، أو كان ما حدث حقيقة صباح 11 فبراير هو إنقلاب عسكري ركب قطار الثورة الشعبية وأوحى لمبارك بأن المتظاهرين في طريقهم لاقتحام قصره، فتركه إلى شرم الشيخ بعد صفقة متبادلة. على أي حال هناك خطر لا يستهان به يحيط المستقبل ويضعه في الأفق المظلم المجهول إذا لم تتأن جميع القوى السياسية وتتفق على خريطة طريق موحدة تؤجل فيها بعض المطالب التي تختلف عليها إلى أن تصير السلطة مدنية خالصة يتحكم فيها المدنيون وليس العسكريين الذين يبقى تفكيرهم أسيرا لمناخ المعسكرات والثكنات وتنفيذ الأوامر ولو كانت "غلط" والتظلم بعدها! وفي رأيي أن خريطة الطريق تتشكل من خلال كلمة الدكتور صفوت حجازي في تلك المليونية، مع تغيير بسيط تحل فيه السلطة التشريعية المنتخبة محل ميدان التحرير. قال حجازي: "نعطي المجلس العسكري مهلة لتسليم السلطة وفي حال المماطلة سننتخب رئيسا مدنيا، ونقوم نحن باصدار مرسوم بدلا من المجلس العسكري. أخطأنا حينما تركنا الميدان وخرجنا دون تشكيل مجلس قيادة للثورة، وأخطأنا حينما لم نشكل حكومة ثورية، وحكومة شرف ليست حكومة ثورية". هناك مهلة دستورية فعلية لا حاجة لأن يرد عليها العسكر بالقبول أو الرفض، تنتهي بآخر مرحلة في انتخابات مجلس الشعب المسئول دستوريا وديمقراطيا عن التشريع والمراسيم القانونية، أي أن دور المجلس العسكري التشريعي وما ينفرد به من إعلانات دستورية سينتهي تماما باعلان تشكيلة مجلس الشعب وحلف الأعضاء لليمين وتمتعهم بالحصانة مع أوائل شهر يناير القادم. يستطيع البرلمان حينئذ تعطيل كل الإعلانات الدستورية العسكرية السابقة باعتبارها صادرة من سلطة مؤقتة غير منتخبة. نعلم أنه بمجرد انتخاب المجلس وتشكيل حكومته سيعترف العالم بها. الاعتراف العالمي أصبح مهما للغاية في ثورات الربيع العربي فقد اعترف بالمجلس الانتقالي في ليبيا ويمضي الآن بسرعة للاعتراف بالمجلس الوطني في سوريا، واعترافه سيكون أقوى وأسرع بمجلس منتخب في مصر يصدر قرارات التحول المدنية. المجلس التأسيسي المنتخب في تونس وضع تحولا للسلطة أعتبره نموذجا صالحا للتطبيق في مصر. فالتحالف المكون من حزب النهضة والمؤتمر من أجل الجمهورية والتكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات، سيختار ترويكا للسلطة تتكون من حمادي الجباليالجبالي الأمين العام للأول رئيسا للحكومة، ومنصف المرزوقي من الثاني رئيسا للجمهورية، ومصطفى جعفر من الثالث رئيسا للمجلس التأسيسي وبهذه التقسيمة سيقوم المجلس التأسيسي بوضع الدستور بتوازن كبير محكوم لا حاجة فيه لمبادئ دستورية كوثيقة السلمي. لو حدث هذا التحول في مصر سيحظى بالاعتراف العالمي ولا يستطيع المجلس العسكري الوقوف ضد ذلك وفرض نفسه بالقوة وإلا سيعتبر إنقلابا. مجلس الشعب ستكون قراراته ملزمة للجميع، كأن يقرر اجراء انتخابات مبكرة للرئاسة، وهي صيغة ديمقراطية معمول بها تتمتع بالقوة الدستورية. ثم تتفرغ الدولة بعد ذلك في أجواء هادئة لوضع الدستور الجديد دون حاجة لاعادة الانتخابات البرلمانية والرئاسية كما يظن البعض، فالبرلمان والحكومة المنتخبة ورئيس الجمهورية القائمون سيخضعون تلقائيا لما يقره ذلك الدستور بشأن صلاحياتهم وما إذا كان النظام برلمانيا أم رئاسيا أم خليطا من الاثنين. [email protected]