تداول 15 ألف طن و880 شاحنة بضائع بموانئ البحر الأحمر    النائب محمد الرشيدي: تحقيق التوازن بين المالك والمستأجر فى الإيجار القديم ضرورة للحفاظ على السلم المجتمعي    سلامة الغذاء: تكثيف الحملات التفتيشية على الأسواق بمختلف المحافظات    صندوق الإسكان الاجتماعي ودعم التمويل العقاري يحصد 3 شهادات «أيزو»    إسرائيل تزعم استعادة رفات جندي قتل قبل 43 عاما    برا وبحرا وجوا.. جيش الاحتلال يستعد لشن هجمات غير مسبوقة على غزة    اليوم .. 3 مباريات في الجولة السادسة بمرحلة الهروب من الهبوط فى الدورى    جوميز يرد على احتمالية توليه تدريب الأهلي    مصرع عنصر إجرامي شديد الخطورة وضبط آخرين خلال مداهمات الشرطة لبؤر تجارة مخدرات بالسويس ودمياط    انتشال جثة شاب غرق في مياه النيل بأطفيح    بين الرواية والمسلسل.. «ذات» رائعة صنع الله إبراهيم التي ترصد تحولات المجتمع المصري في النصف الثاني من القرن ال20    «الصحة» : افتتاح 14 قسما للعلاج الطبيعي بالوحدات الصحية والمستشفيات    "صحة الإسكندرية" تنظم حملة منع تسوس أسنان الأطفال وتطبيق الفلورايد    هام من المركز الليبي بشأن زلزال المتوسط| تفاصيل    القائمة كاملة.. قرار جمهوري بالحركة الدبوماسية الجديدة 2025    «البترول» تقرر صرف تعويضات لأصحاب السيارات المتضررة من البنزين    تشكيل مباراة أهلي جدة والشباب المتوقع في الدوري السعودي    بعد نشره في «الجريدة الرسمية».. متى يبدأ العمل بالكود المصري لنمذجة معلومات البناء؟    روز اليوسف تنشر فصولًا من «دعاة عصر مبارك» ل«وائل لطفى» عبدالصبور شاهين مثقف تحول إلى تكفيرى من أجل المال "الحلقة 4"    تحذيرات هامة من الأرصاد للمواطنين بشأن الموجة الحارة    هام من التعليم بشأن امتحانات الثانوية العامة هذا العام| الوزير يكشف    "ولعوا في بعض".. إصابة 3 أشخاص بحروق إثر مشاجرة طاحنة بمنشأة القناطر    استحداث إدارة للجودة في كل مديرية تعليمية لتحليل وضع كل مدرسة    مواقع أجنبية : المتحف المصرى الكبير صرح حضارى وثقافى عالمى ويمتاز بتقديم قطع أثرية نادرة    إذاعة جيش الاحتلال: تجنيد لواءى احتياط بهدف توسيع العملية العسكرية فى غزة    «حقك هيرجع».. بوسي شلبي توجه رسالة ل«محمود عبد العزيز»    النسوية الإسلامية (وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا): مكانة الأسرة.. فى الإسلام والمجتمع! "125"    ما حكم من نسي الفاتحة أثناء الصلاة وقرأها بعد السورة؟.. أمين الفتوى يجيب    أمين الفتوى يحذر من الحلف بالطلاق: اتقوا الله في النساء    البابا ليون الرابع عشر.. أمريكى بروح لاتينية عاش 30 عامًا خارج الولايات المتحدة منها 20 عامًا فى البيرو    رئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة يرحب باتفاق وقف إطلاق النار بين الهند وباكستان    نصائح لحماية طفلك للسلامة من موجات الحر    الصحة: افتتاح 14 قسمًا للعلاج الطبيعي بالوحدات الصحية والمستشفيات    «يشترط 40 مليونا للبقاء».. شوبير يصدم جماهير الأهلي بشأن مدافع الفريق    التشكيل المتوقع لمباراة ليفربول ضد أرسنال اليوم الأحد    رسائل مؤلمة من أمهات غزة: نعاني ألم الفقد والجوع ومعاناة النزوح    النشرة المرورية.. كثافات متحركة للسيارات بمحاور القاهرة والجيزة    «التضامن» تقر تعديل وتوفيق أوضاع جمعيتين بمحافظة القاهرة    مسئول طبي بغزة: 1500 مواطن فقدوا البصر جراء حرب الإبادة.. و4000 آخرون مهددون بفقدانه    دعاية السجون المصرية بين التجميل والتزييف.. ودور النخب بكشف الحقيقة    هل تصح طهارة وصلاة العامل في محطة البنزين؟.. دار الإفتاء تجيب    باكستان تعيد فتح مجالها الجوى عقب وقف إطلاق النار مع الهند    حظك اليوم الأحد 11 مايو وتوقعات الأبراج    تشكيل ليفربول المتوقع ضد آرسنال اليوم.. موقف محمد صلاح    ترامب: أحرزنا تقدمًا في المحادثات مع الصين ونتجه نحو "إعادة ضبط شاملة" للعلاقات    الدوري الفرنسي.. مارسيليا وموناكو يتأهلان إلى دوري أبطال أوروبا    بعد 21 يومًا من الرحيل الصادم.. نجوم الإعلام يودعون صبحي عطري بالدموع في دبي (فيديو)    موعد مباراة برشلونة وريال مدريد في الدوري الإسباني    ما شروط وجوب الحج؟.. مركز الأزهر للفتوى يوضح    سعر السكر والزيت والسلع الأساسية في الأسواق اليوم الأحد 11 مايو 2025    إخلاء عقار من 5 طوابق فى طوخ بعد ظهور شروخ وتصدعات    ورثة محمود عبد العزيز يصدرون بيانًا تفصيليًا بشأن النزاع القانوني مع بوسي شلبي    انطلاق النسخة الثانية من دوري الشركات بمشاركة 24 فريقًا باستاد القاهرة الدولي    محاكمة متهمين بقتل طالب داخل مشاجرة بالزيتون| اليوم    محافظة سوهاج تكشف حقيقة تعيين سائق نائباً لرئيس مركز    رسميًا.. أسعار استمارة بطاقة الرقم القومي وطريقة استخراجها مستعجل من المنزل    وزيرة التضامن ترد على مقولة «الحكومة مش شايفانا»: لدينا قاعدة بيانات تضم 17 مليون أسرة    ضع راحتك في المقدمة وابتعد عن العشوائية.. حظ برج الجدي اليوم 11 مايو    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تعالوا نحاسب "الحداثويين"
نشر في المصريون يوم 12 - 11 - 2011

قبل أن تفكر في إعطاء صوتك لمن يدعون الحداثة والعصرنة من الليبراليين والعلمانيين عامة، تعالى نحاسبهم على ما اقترفوه في حق أمتنا على مدى أكثر من قرن ونصف القرن من الزمان.
وقبل أن نبدأ هذه المحاسبة الفكرية والسياسية نؤكد أن دخول الشعب إلى "المجال العام" هو في رأينا واحد من أهم إنجازات الربيع العربي؛ إن لم يكن أهمها على الإطلاق، والعودة بشعوبنا العربية الإسلامية إلى »التاريخ« العام للاجتماع السياسي الإنساني، ستكون من أهم نتائج هذا الربيع، إن لم تكن أهمها على الإطلاق. ولهذا، فإن من الخطأ القول: إن شعوبنا هبت في هذا الربيع فقط لمحاسبة هذا »المستبد« أو ذاك، أو لإزاحة هذه السلطة الغاشمة الفاشلة أو تلك؛ وإنما هبت أيضاً لمحاسبة القوى والمؤسسات والأفكار المسؤولة عن إفساد "الحداثة السياسية" بكل مفرداتها التي مضى على دخولها في بلادنا ما يزيد على قرن من الزمان. ما نقصده بالدخول إلى مجال السياسة هنا هو المشاركة الشعبية الإرادية الواعية الواسعة التي يقوم بها المواطنون، وتكون ذات صلة بالتدبر في المصالح الجماعية والمنافع العامة، وإبداء الرأي والإصغاء له فيما يجب أن تكون عليه الحياة التشاركية للجماعة ذاتها.
بهذا المعنى، نجد أن تونس لم يسبق أن نزل فيها التونسيون إلى ميدان "السياسة" مثلما حدث ابتداءً من يوم 14 يناير 2011م، وفي مصر أيضاً لم يسبق أن نزل المصريون إلى هذا الميدان مثلما حدث ابتداءً من يوم 25 من الشهر نفسه، والأمر نفسه بالنسبة لنزول الليبيين، واليمنيين، والسوريين، والأردنيين، وبقية شعوبنا العربية آتية إلى هذا المجال العام في الأجل القريب، شاءت الأنظمة المستبدة التي تحكمها أم أبت.
غياب أغلبية أبناء شعوبنا العربية الإسلامية عن "المجال العام"، في الفترات السابقة، أو انسحابهم من ميدان السياسة بالمعنى السابق، أو امتناعهم عن الانخراط فيه، لم يكن أبداً نتيجة عدم وجود "مؤسسات" مدنية، أو تنظيمات« حزبية ونقابية حديثة تحملهم إلى هذا المجال؛ ولا كان نتيجة أن لديهم صعوبة في فهم واستيعاب مفردات الحداثة السياسية، وإدماجها في الثقافة السياسية العامة؛ وإنما كان لأسباب أخرى أهمها هو ما نسميه »مكائد الحداثة السياسية، التي حاكتها أنظمة الحكم وحواشيها من النخب المثقفة المتغربة. وقد طالت هذه "المكائد" كل مفاهيم ومؤسسات الحداثة السياسية مثل: الحرية، والدستور، والمشاركة، والحزب، والبرلمان، والصحافة، وغير ذلك من أدوات التعبير وقنوات المشاركة السياسية بمعناها الواسع الذي يتجاوز الترشيح والتصويت في الانتخابات.
مفهوم الحرية مثلاً؛ يعني في قاموس الحداثة السياسية: الإقرار بأهلية كل مواطن في أن يكون مشاركاً في تقرير كل ما له صلة بالشأن السياسي العام، بما في ذلك اختيار الحكام ومحاسبتهم وتغييرهم، والاعتراف بحق هذا المواطن وواجبه في إبداء رأيه في تقدير المنافع العمومية والتمتع بنصيب عادل منها.
إن الحرية هي كمال إرادة الفرد/المواطن المسؤول، وهي بلوغ المجتمع إلى مستوى الولاية على نفسه. الحرية بهذا المعنى الذي يقع في صميم الحداثة السياسية بلا جدال؛ حرَّفته »النخبة الحداثية المتغربة« التي التصقت دوماً بالسلطات الحاكمة المستبدة؛ وجعلته من الناحية العملية مرادفاً لحريتها هي، أو لحرية »الحاكم« المستبد فقط، أو حريتهما معاً، في تقرير ما يصلح وما لا يصلح للشعب، وفرض ما يختاره الحاكم وبطانته من أعلى وبقوة الدولة، دون مشاورة الشعب أو الرجوع إليه؛ إما بحجة أنه قاصر، أو أمي، أو لأنه غير رشيد لا يحسن تدبير شؤونه العامة.
الدستور مثال آخر، وصارخ على عمل "الحداثة السياسية" بالمقلوب في بلادنا.. فمن أهم أصول الدستور الحداثي هو أن يكون أداة لتقييد سلطات الحاكم، ويجعله تحت مراقبة الشعب الذي هو مصدر السلطات كافة. هذه المهمة النبيلة التي سجلتها الحداثة السياسية في وثيقة اسمها الدستور؛ نجح المستبدون العرب وحلفاؤهم من النخب المتغربة في قلبها رأساً على عقب، وأضحى الدستور أداة لإطلاق سلطات الحاكم من كل قيد، وتوسيعها إلى أبعد مدى، وإعفائه من المساءلة أو المحاسبة، وكل ذلك بنصوص دستورية صريحة أو ضمنية، صاغها خبراء حداثيون جداً، ويجيدون أكثر من لغة أجنبية! ولنراجع سوياً نصوص الدساتير العربية التي صدرت على مدار أكثر من مائة عام. الدستور التونسي مثلاً، تضمن حوالي أكثر من ثلاثين اختصاصاً لرئيس الجمهورية في المواد من 38 إلى 57، وتصوير ما فيه من إبداعات تسلطية وتناقضات منطقية يحتاج إلى كاتب بارع في فن "التراجي – كوميديا". والدستور اليمني مثله، ففيه 22 مادة من المادة 106 إلى المادة 128، تتحدث عن اختصاصات رئيس الجمهورية، مثل تعيين وإقالة الوزراء، وإعلان الحرب ووقفها، ورسم السياسة العامة للبلاد.. إلخ.
أما الدستور السوري، فهو أضحوكة الدساتير الحداثية العربية، ولا أضمن لك الضحك أو البكاء عندما تقرأ نصوصه التي تتحدث عن رئيس الجمهورية وصلاحياته في المواد من 38 إلى 114، فهذه المواد تضمنت أكثر من خمسين سلطة وصلاحية يحسده عليها فرعون موسى، منها مثلاً: أنه يتولى جميع السلطات التشريعية في حال انعقاد المجلس التشريعي (وليس في غيابه فقط) بشرط الضرورة القصوى التي تتعلق بالمصالح القومية العليا للوطن(!!) طبعاً التي يعرفها ويقدرها "فخامة الرئيس"!! . أما الدستور المصري، فهو دستور مدني أيضاً، والمواد التي تنص فيه على سلطات الرئيس كثيرة جداً (من م/137 إلى م/152)، ومن بين 55 مادة تتحدث عن سلطات الدولة، فإن نصيب رئيس الجمهورية منها هو 35 صلاحية، أي بمعدل 63% من إجمالي السلطات والصلاحيات الدستورية لكل سلطات الدولة!! وهكذا الحال في بقية الدساتير العربية، حيث لم تترك للسلطة التشريعية سوى صلاحيات محدودة وشكلية وبلا معنى في مواجهة السلطات المطلقة المدسترة للرئيس.
وإذا أضفنا إلى ذلك السلطات الفعلية للرئيس، وهي النابعة من موقعيه الرئاسي والحزبي، والشللي، فإن معنى ذلك هو سيطرة الرئيس عملياً على السلطتين التشريعية والتنفيذية، وعلى ما يقرب من 90% من إجمالي الصلاحيات التي ينص عليها الدستور الذي هو أعلى الوثائق الحقوقية في الحداثة السياسية.
"البرلمان" بدوره مؤسسة رئيسة من مؤسسات الحداثة السياسية، اخترعته المجتمعات الغربية ليكون ساحة للمناقشة والتداول في المصالح العامة، وممارسة الرقابة على الحكومة، وصنع القوانين والتشريعات، ولكنه في بلادنا تحول إلى "مجمع للخدمات والمنافع الخاصة"، وديكوراً لإضفاء الشرعية على رغبات ونزوات الرئيس، وملجأ يتحصن فيه اللصوص وتجار المخدرات وحرامية البنوك وناهبي المال العام، ومرتعاً للتربح من وراء النيابة عن الشعب. سلطة رابعة الصحافة أيضاً، ووسائل الإعلام الحرة باعتبارها سلطة رابعة إلى جانب سلطات الحداثة السياسية (التشريعية، والتنفيذية، والقضائية)؛ الأصل فيها أنها تعبر عن ضمير الشعب، وتنطق بلسان حاله، وتنور الرأي العام، وتشركه كل صباح، واليوم على مدار الساعة بفضل تكنولوجيا الاتصالات وتطور أداء "الإنفوميديا"، في المعرفة بما يدور في المجال العام وفق مواثيق أخلاقية تستند إلى الصدق والنزاهة وتوخي الحقيقة.
انظر كيف آلت الصحافة ووسائل الإعلام في أغلب بلادنا إلى عنوان للكذب والنفاق وسوء الأخلاق، و"بوق للحاكم"، وكأنه لم يكفه ما حصل عليه من سلطات شبه مطلقة "مدسترة"؛ حتى يجير هذه المؤسسة الحداثية لمصلحته كي تتغنى بجمال وكمال أوصافه! والأعجب من ذلك هو أن تستجيب له النخب الإعلامية والثقافية في أغلب الأحوال، والأكثر إثارة للعجب هو أن أغلب المستجيبين له هم من صنف "المتغربين" أو المتعلمنين الداعين إلى التحديث والعصرنة.
كل مؤسسات الحداثة السياسية ومفاهيمها التي أشرنا إلى نماذج منها ذات أهمية حاسمة ولا غنى عنها لتمكين شعوبنا العربية والإسلامية من الدخول إلى المجال العام والمشاركة السياسية الفاعلة، ولكن السؤال الذي يتعين على ثوار الربيع العربي أن يضعوه أمامهم ويبحثوا عن إجابات عملية له هو: كيف يمكننا أن نتجنب "مكائد الحكام والنخب المتحالفة معهم". مكائد وحيل تعطل أغلب هذه المؤسسات وتلك المفاهيم عن أداء وظائفها التحديثية، ولا يبقى منها إلا الاستبداد والظلم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.