الموضة العصرية الآن هي المطالبة بإلغاء خانة الديانة، ليس فقط من البطاقة الشخصية ولكن من كل الأوراق الرسمية (وهي بالفعل غير موجودة في جواز السفر والكارنيهات ..إلخ) والوصول في سبيل ذلك إلى رفع القضايا واللجوء إلى الهيئات الدولية. ويتم تصوير هذا الأمر للناس على أنه قمة العلمانية وذروة الديمقراطية وحقوق الإنسان والمساواة والمواطنة. وهو بالفعل قمة لكنه قمة الطائفية واللامساواة واللامواطنة. وببساطة ومباشرة فإن الهدف من مطالبة إلغاء خانة الدين من الأوراق الرسمية هو تكريس سيطرة الكنيسة الأرثوذكسية على أقباط مصر بالذات وضمهم جميعا تحت رعايتها وولايتها وفرض اللجوء إليها قسرا في شتى الشئون الحياتية المهمة مثل الميلاد والزواج والدفن والوراثة وما أشبه. فإلغاء خانة الدين سوف يخلق مشكلة تحديد ديانة الشخص التي تتعلق بها أمور كالتي ذكرناها. وخلو الأوراق الرسمية منها يحتم وجود جهة أخرى تسجلها وتدونها لديها، لأن الناس لا يستغنون عن تحديد الديانة لإتمام شتى الأمور الحياتية والأحوال الشخصية، وبالنسبة للمواطنين المصريين الأقباط فإن هذه الجهة (بعد تخلي الدولة عن مسئولية حفظ هذا الجانب المهم والأساسي من حقوق المواطنة وهو إثبات ديانة وعقيدة المواطن) لن تكون سوى الكنيسة الأرثوذكسية، التي ستصل بهذا إلى وضع المهيمن والولي على هذا الجانب المهم بجانب وضع القائم عليه. وسوف يعطي هذا الكنيسة وضع المسيطر على الأقباط والمتحكم في تحديد هويتهم ابتداء، ثم المزيد من السيطرة على أمور الحياة الأساسية المختلفة. وفي هذا ببساطة نقل للولاية وإعلان الهوية والديانة من مجال الدولة، التي تتعامل مع الجميع بعدالة ومساواة، إلى جهة طائفية يصبح لها هي حق الولاية في تلك الجوانب الحياتية. لكن القصة لا تنتهي هنا. ففي المقابل لا توجد عند أغلبية المسلمين من مواطني مصر هيئة دينية مناظرة للكنيسة تقوم بنفس الواجب، ما يعني خلق حالة غريبة من انعدام المساواة، بل وإنكار حق من حقوق المواطنة الأساسية عليهم، ألا وهو حق احترام عقيدتهم والاعتراف بها وبحقهم في تسيير أمورهم الحياتية الأساسية وفق تعاليم هذه العقيدة. وإذا كان من يقومون برفع القضايا يعرفون ذلك جيدا، فهم في الواقع وبدل المطالبة بالمساواة (التي لا يعرف أحد كيف ستحقق بإلغاء خانة الديانة) يؤسسون لنوع خطير من اللامساواة والتمييز ضد أغلبية المصريين الذين ليس لديهم كنيسة تتولى القيام بالواجبات التي سوف تنسحب منها الدولة بالنسبة للجميع، ويسمح لهيمنة دينية معينة بالقيام بها بينما لا توجد لدى الأغلبية هيئة تقوم لها.