قلت قبل ذلك إن د./ على السلمى ما هو إلا واجهة للراجل اللى واقف وراه ودفعه لمحاولة إصدار ما يسمى بوثيقة المبادىء الدستورية التى جاءت بمثابة " فضيحة " وطعنة فى ظهر الثورة المصرية التى ما قامت إلا من أجل الحرية ومن هنا فإن هجومنا على السلمى يجب أن يقتصر على رضاه بأن يلعب دور " المحلل " لهذه الصفقة الحرام تمسكاً بكرسى لن يدوم طويلاً وانحيازاً إلى حسابات حزبية ضيقة ومن هنا فإن الواجب كان يقتضى منه أن يتقدم باستقالته حفظاً لتاريخه السياسى واتساقاً مع مبادئه الليبرالية ، هذا هو الجزء الذى يجب أن يلام فيه د./ السلمى تحديداً . أما أن السلمى هو الذى أحيا مسألة المبادىء الدستورية مرة أخرى فهذا غير صحيح بل إن ورقة المبادىء كتبت بواسطة آخرين وتم دفعها إليه ليعرضها على المؤتمر الذى حشد له جهات عدة على رأسهم فلول الحزب الوطنى والأحزاب التى خدمت بإخلاص فى بلاط الحزب الوطنى ولم تجرؤ يوماً على معارضته وعلى رأسهم حزب التجمع . والذى يعرفه كل مصرى أن المجلس الأعلى للقوات المسلحة هو الذى يقف وراء هذه المبادىء غير الدستورية إذ أن وضع القوات المسلحة فى الجمهورية الثانية المرتقبة يمثل حالة قلق داخل المؤسسة العسكرية ومن هنا فإن الواجب الآن هو المصارحة والمكاشفة بين جميع الأطراف دون لف أو دوران مع أننى كنت أتمنى من المجلس العسكرى أن ينتظر ريثما يختار الشعب نوابه ليبدأ تفاوضه من أناس ذى صفة ويتمتعون بالتأييد الشعبى بدلاً من جمع الفلول والأذيال فى مشهد مؤسف لا يليق بمصر الثورة ولا بعظمة الشعب المصرى وذكائه . والمصارحة والمكاشفة تبدأ بتفكيك المشهد المصرى من حيث علاقة المؤسسة العسكرية بالسلطة السياسية فنحن أمام عدد من المقدمات الهامة التى يجب أن توضع فى الحسبان وهى كالتالى : • المؤسسة العسكرية المصرية لها وضع خاص داخل الدولة المصرية منذ أن شيد محمد على مصر الحديثة وجعل الجيش المصرى قاطرة التنمية آنذاك فكانت كل المشاريع التعليمية والنهضوية من أجل خدمة الجيش المصرى بل إن البعثات الخارجية كانت من أجل الهدف ذاته ومن هنا فإن الجيش المصرى كان يعتبر النواة لعملية التحديث . • علاقة المؤسسة العسكرية بالسياسة مرت بفترات مد وجزر فشهدت انحسارا كبيرا لتدخل الجيش فى السياسة قبل 52 على العكس مما حدث بعدها ومعروف للجميع واستمر هذا الوضع إلى نكسة 67 التى أعقبها انحساراً متوقعاً لتدخل العسكر فى السياسة إلى تم استدعاؤهم إلى حلبة السياسة ثانية مع مجىء مبارك . • مثل عهد مبارك استدعاء كثيفاً للعسكريين فى حلبة السياسة والذى يجب أن نتذكره أن هذا الاستدعاء تم بصورة هادئة حتى شمل قطاعات سياسية كبيرة دون أن نشعر فالعسكريون موجودون فى مناصب المحافظين وسكرتير المحافظة وجميع الوزارات تقريباً والجامعات من خلال مناصب أمناء الجامعة ورؤساء المدن ورؤساء الأحياء ورؤساء المشروعات القومية الكبرى .. إلخ بل إن المدقق فى جميع المناصب القيادية الكبرى فى الدولة سيجد تواجداً ملحوظاً للعسكريين فنحن هنا أمام جهاز إدارى تمت عسكرته على مدار ثلاثين سنة . • أيضاً لا يمكن فصل تخوف المؤسسة العسكرية عن محاولات الاستعداء التى تمارسها " بعض " القوى الليبرالية واليسارية ضد التيار الإسلامى سراً وجهراً مع تعضيد الخارج لهذا الاستعداء ، كما أن هناك تخوفاً آخر من تصريحات القوى الليبرالية والشبابية ضد المجلس العسكرى والتى تتوعده بإجراء المحاكمات له عقب تسليم السلطة للمدنيين . هذه تقريباً الصورة الكلية حاولت تفكيكها بعض الشىء فنحن أمام وضع متأزم يجب حلحلته بشىء من الهدوء والروية والجلوس على مائدة المفاوضات مع المؤسسة العسكرية فى حديث لا تنقصه الصراحة ولكن عبر سلطة منتخبة من الشعب . وأظن أن مبادرة الشيخ / حازم أبو إسماعيل والتى كانت تنص على عدم تعرض أى من أعضاء المجلس العسكرى لأى ملاحقات قضائية كانت مبادرة ذكية ولكن البعض للأسف تعامل معها باستخفاف وتجاهل . ما أقوله لا يعنى بطبيعة الحال أننا قد نسمح لأى وضع يعيدنا إلى عصور الاستبداد والتخلف مرة أخرى عبر تفصيل وضعية خاصة للقوات المسلحة تجعلها فوق الشعب وسلطاته المنتخبة ولكن صدقونى الوضع متأزم ويحتاج إلى مزيد من الإبداع لنخرج من هذا النفق المظلم قبل أن تنهار البلد فوق رؤوسنا جميعاً [email protected]