أعلن البابا شنودة الثالث بابا الإسكندرية بطريرك الكرازة المرقسية، إلغاء احتفالات الكنيسة الارثوزكسية، بمناسبة مرور 40 عاما على جلوسه على الكرسي البابوي، والذي كان يحرص على الاحتفال به سنويا, والذي كان مقررا الاحتفال به 14 نوفمبر الجاري، حدادا علي أروح القتلى الذين سقطوا في أحداث ماسبيرو، والتي قتل فيها 16 قبطيا وأكثر من 50 جريحا. إلى ذلك، نظم عشرات من الأقباط مساء أمس مسيرة، خرجت من منطقة شبرا متجه إلي الكاتدرائية بالعباسية، ردد المشاركون فيها شعارات تنادي بالقصاص لقتلي ماسبيرو، وتنتقد المجلس العسكري وتطالب بالحماية الدولية. في الأثناء، تفجر الجدل مجدًا حول عملية انتخاب بطريرك الكنيسة الأرثوذكسية، في ظل القانون المعمول به والذي يحرم الأقباط من المشاركة في اختياره، وهو الأمر الذي اعتبره مفكرون ومحللون أقباط يمثل قنبلة موقوتة قابلة للانفجار. إذ أن القانون المشار إليه ينص على قيد الناخبين الذين يحق لهم التصويت في كشوف وهم أعضاء المجمع المقدس المكون من الأساقفة على مستوى الجمهورية وعددهم 74 أسقفا منهم 13 أسقفا عاما بلا أبرشية، إضافة إلي 12 مطرانا و39 أسقفا لأبرشيات و 9 رؤساء أديرة إلي جانب أساقفة المهجر و عددهم 15 أسقفا. يضاف إلي هؤلاء الأراخنة ممثلون للمطرانيات المختلفة علي مستوي الجمهورية، والأراخنة هم "وجهاء الأقباط " في المدينة التي تقع بها المطرانية. ويبلغ عدد تلك المطرانيات 60 مطرانية على مستوي الجمهورية يتم اختيار 12 من الأراخنة من كل مطرانية وهو ما يعني أن عدد من سوف يختارون البابا القادم لن يتجاوز الألفي ناخب. وقال المفكر القبطي كمال غبريال، إن لائحة انتخاب البطريرك المعمول بها الآن هي القانون 37 لسنة 1942، وفى المادة التاسعة منها يلاحظ أنها لا تتيح للشعب وصفوة الشعب المختارة الانتخاب إلا بقيد السن، ومعنى هذا أيضًا أن الشباب المثقف الذي يفهم أوضاع الكنيسة السليمة على حقيقتها من أطباء ومحامين ومهندسين ومدرسين ... الخ ، لا يسمح لهم أن ينتخبوا بطريركهم إلا إذا شاخوا، وذلك على الرغم من أن الدولة تسمح لهم بالمساهمة في النهوض بالمجتمع كله وليس المجتمع القبطي فحسب، لذلك نطالب بإلغاء شرط السن، يكفى أن يكون الناخب بالغًا لسن الرشد وكفى. وأضاف: من يدرس اللائحة الحالية لانتخاب البطريرك يلمح ميلاً عجيبًا للإسراع في إجلاس إنسان على الكرسي البطريركي كأنما يخاف المشرع أن يطير الكرسي فلا يعثر عليه أحد!!، وتساءل مستغربا: لماذا الإسراع والأمر خطير؟! وأنا أرى أن بقاء الكرسي خال خير من أن يجلس عليه شخص غير مستحق، فبقاء الرعية بلا راع خير من أن يؤتى بذئب وينصب راعيًا. وشاطره الرأي كمال زاخر منسق "جبهة الإصلاح الكنسي" رافضا بشدة عملية إقصاء الشباب المتعمدة من المشاركة في عملية اختيار البطريرك القادم أو المشاركة في الحياة السياسية بشكل عام طالما تخطوا ال 18 عامًا. وتساءل: لمصحة من يقتصر ترشيح البطريرك الذي يخدم الشعب كله "اكليروس وعلمانيين" على رجال الدين فحسب، وكأن العلمانيين لا طائل من وجودهم؟. في المقابل، قالت جورجيت قلينى عضو المجلس الملي إن اللائحة الحالية تتيح حق انتخاب البابا لمن يستحق، ونحن نثق فى القلة التي لها حق الانتخاب لأن لها رؤية بعيدة المدى. يذكر أن المجلس الملي هو الجهة الوحيدة التي تضم أقباطا من غير رجال الدين، ويسيطر عليه اثنان من كبار رجال الدين وهما القمص صليب متى ساويرس والقمص بطرس جيد لضمان السيطرة عليه دون داعي. لكن هذا المجلس لا يضم شابا واحدا ويعتبره مراقبون مجرد "ديكور" وليس له أي تأثير أو قوة ضغط، لأنه لا يملك سلطة اتخاذ أي قرار من الأساس، ويعتبره المنتقدون مجرد آلة في يد البابا تسمع وتطيع وأمام الجماهير يظهر البابا بمظهر الديمقراطي الذي يسمح بمشاركة العلمانيين في إدارة شئون الكنيسة. والمجلس الملي تم تشكيله منذ مايو 1883م بهدف إيجاد نخبة مدنية علمانية تدير الحوار بين قوى المجتمع والكنيسة والأقباط بشكل عام، إلا أن ما تم في العقود الأخيرة حدت من فاعليته وقلصت من صلاحيات العلمانيين المشاركين فيه من شعب الكنيسة لإدارة شئون الكنيسة جنباً إلى جنب مع حاشية البابا. ويبلغ عدد أعضاء المجلس 24 عضوًا، حيث يقوم الأقباط الأرثوذكس في مصر بانتخاب أعضاء المجلس الملي، ويكون الانتخاب عن طريق اجتماع عام يدعون إليه ولا يقل من يحضره عن 150 شخصًا، ويشترط في من يرشح نفسه عضوًا في هذا المجلس أن يكون عمره على الأقل 30 عامًا وألا يكون عاملاً في الجيش، أو ممن هم في القوات الاحتياطية للخدمة العسكرية أو مجندًا. من جانبه، اعترف الدكتور رسمي عبد الملك عضو المجلس الملي أن المجلس الملي مقصر لكنه استدرك بالقول: "ما باليد حيلة نحن نتصرف في حدود المتاح لنا، وباب الترشيح مفتوح أمام الجميع ولكن لا نرى شبابًا يرشح نفسه"، ودافع عن انضمام رجال الدين إلى عضوية المجلس الذي يرى أنهم أثروا المجلس و قاموا بدور كبير في النهوض به. ويتشكل المجلس الملي من 12 عضوًا أصليًا و12 احتياطيًا، يستمر ممارسة وظيفته لمدة خمس سنوات متتالية، بالإضافة إلى انتخاب وكيل له في بداية دورة المجلس الملي و يتولى البابا رئاسته بحكم منصبة كبطريرك للكنيسة الأرثوذكسية. ويفترص أن المجلس الملى أقرب لبرلمان خاص للأقباط في مصر يبحث في شئونهم الإدارية وغير الدينية كالأوقاف الخيرية والمدارس والكنائس والمطابع القبطية والمعونات للفقراء والمعوزين، وينظم حياة الكنيسة وحياة الرهبان في الأديرة وسجلات الزواج والتعميد والوفاة والنظر في الدعاوى المتعلقة بالأحوال الشخصية كالزواج والانفصال الجسدي والطلاق، وكذلك الوصايا والمواريث. لكن هذا الكلام – كما يقول المنتقدون للمجلس- على الورق فقط نظرًا لغياب تمثيل الشباب وطرح أفكارهم الجديدة وسيطرة رجال الدين فقط على قرارات الكنيسة دون العلمانيين مما يجعله غير قادر على مواكبة خدمات الكنيسة في العصر الراهن لأن أداء المجلس بتوقف على العلاقة بين الأعضاء المنتخبين مع البابا بصفته رئيس المجلس . بدوره، رأى المفكر جمال أسعد أن هناك اتجاهًا عامًا داخل الكنيسة لعزل الشباب المسيحي عن المشاركة في الأنشطة الهامة لإعلاء قدر طبقة رجال الدين التي تنفرد بإدارة الكنيسة معتبره نفسها صاحبة الحق الإلهي وما دونها من شعب الكنيسة مجرد خدام عليهم طاعة رجل الدين. وأضاف: المجلس الملي في حقيقة الأمر هو مجرد جهاز استشاري وتنفيذي للبابا الذي من حقه أن يختار أو يزكى الأشخاص الذين يستريح لهم ويتوافق معهم داخل المجلس، ويشترط أن يكونوا قادرون مادياً ليتبؤا مواقع عليا في الكنيسة، والمواقع غير الدينية "المتمثلة في المجلس الملي" صلاحيات الانضمام لها لا تتوفر لدى الشباب خصوصا المعارضين منهم، لأن الذين يأتون للمجلس الملي لابد أن يرضى عنهم رجال الدين ويكونوا من كبار السن الأغنياء، وهو وضع مغلوط يجب تعديله فعلى العلمانيين أن يأخذوا وضعهم في إدارة الكنيسة ماليا وإداريا ويكتفي رجال الدين بالإدارة الروحية. في غضون ذلك، ذكرت مصادر واسعة الإطلاع أن هناك دعوات في الأوساط القبطية تطالب باستحداث منصب وزير يتولى الإشراف على أموال وممتلكات الكنيسة المصرية التي تتجاوز 18 مليار جنيه، في ضوء الكشف عن مخالفات وتجاوزات مالية متورط فيها العديد من رموز الكنيسة بعضهم مقرب من البابا شنودة. ويطالب أصحاب هذا المقترح بأن تشمل مسئولية الوزير رعاية المدارس القبطية التي كانت تديرها الكنيسة حتى منتصف الستينات من القرن الماضي إلى أن صدر قرار من الرئيس الراحل جمال عبد الناصر بإخضاعها لإشراف وزارة التربية التعليم.كما يطالبون بأن يمتد إشراف الوزارة المقترحة على المحاكم الملية الخاصة بالأحوال الشخصية للأقباط التي ألغيت في 22 سبتمبر عام 1955. وفي حال إقرار هذه الفكرة سيتم الاستغناء عن المجلس الملي برمته، فيما ترى مصادر كنسية أن إنشاء وزارة للأوقاف المسيحية من شأنه أن يقلل من حدة الهجوم على البابا باعتباره يتجاوب مع بعض دعوات العلمانيين المطالبين بضرورة مشاركة الشعب القبطي للبابا في إدارة أمور الكنيسة. جدير بالذكر أن هناك هيئة أوقاف قبطية أنشأت طبقًا للقانون رقم 264 لسنة 1960 لتتولى الإشراف وتدبير وإدارة الأوقاف القبطية من أراض زراعية وعقارات ومحاسبة القائمين على إدارتها ومصروفاتها.