عهدتك واعظا ً في كل خطب وأنت اليوم أوعظ منك حي ّ تشيعك القلوب وأنت فيها حبيب طاهر عف نقي ّ رحلت وفي الحشا مليون جرح تدمي جانبي ّ وداعا ً ياأخي في الله مني فبعدك قلبي الباكي شقي ّ لك الريان شّرع مصرعيه وفطرك من جنا عدن شهي ّ ثغرك باسم القسمات طلقا ً ويعبق ريحا ً ومسكا ً زكي لك الدعوات منّا كل يوم ٍ وما لا حت على الدنيا ثري ّ فكم ناصحتني حيّا ً ولكن أراك اليوم أوعظ منك حي ولكن أراك اليوم أوعظ منك حي.. ولكن أراك اليوم أوعظ منك حي.. إنه حسام تمام الذي خسرت الأمة بفقده علما من أعلام الحركات الإسلامية وخبيرا من خبرائها، إنه الباحث النابه المدقق المحترم الورع، ولاشك أن الحركة الإسلامية خصوصا فقدت بموته ناصحا أمينا وأكاديميا متخصصا، لم تستفد منه لتصويب أخطائها، ويعتبر الفقيد رحمه الله أحد أبرز الخبراء في شؤون الإسلام السياسي في الوطن العربي. توفي حسام تمام بعد أن أثرى العقل العربي بكتابات غاية في العمق والدقة نشرت في العديد من الصحافة العربية والأجنبية، يجب أن ينهض لها الباحثون لخدمتها. دعوة شريفة ورسالة صادقة أتوجه بها إلى محبي المرحوم حسام.. إلى تلاميذه.. إلى أساتذته.. إلى أصدقائه...إلى نقابة الصحفيين.. إلى الإعلاميين...إلى كل كاتب لم يتاجر بقلمه.. إلى الأكاديميين.. إلى كل الأحرار...إلى الشباب المتخصص في الحركات الإسلامية... إلى رؤساء صفحات الإسلام السياسي بالصحف والمجلات والفضائيات.. أن يقوموا بعمل احتفالية كبرى مهيبة تليق بمكانه الفقيد وقدره وهذا أقل واجب تجاه الفقيد إلى الباحثين والكتاب أن تقدموا فكر الرجل مرة أخرى وتقيموا حوله موائد نقاشية تتناول أطروحاته ومدرسته وأفكاره... لم أشأ في مقالي هذا أن أتحدث عن فكره ومنهجه وكتباته، لكن أتحدث عن إنسانيته، إذ أنني كتبت هذا المقال مساء الأربعاء 26/11 وأنا بجوار مستشفى الشيخ زايد حيث يرقد فيها المرحوم حسام تمام في انتظار الانتهاء من إجراءات حمله إلى مثواه الأخير بالإسكندرية. شخصياً عرفته إنسانا عالما كريما طيب العشرة، متواضعا، عف اللسان عند الاختلاف، يناقش الأفكار لا الأشخاص، رأيته مع العالم الأزهري الشيخ أسامة الأزهري يمسك قلمه وكراسته ويسأل الشيخ الأزهري ويدون ما استفاده منه على مدى أربع ساعات دون تكبر ولا حياء مع أن الشيخ أصغر منه سنا. وبداية معرفتي بالمرحوم حسام تدل على أدبه وتواضعه رحمه الله فقد قرأت له كثيرا دونما سابق معرفة، وتمنيت التعرف عليه للاستفادة من علمه وأفكاره خاصة لأنني في نفس تخصصه، ثم فوجئت به هو الذي يتصل بي، ويقول: لقد عرفت أنك كتبت رسالة للماجستير مهمة جدا عن الحركات الإسلامية، ولابد أن تطبع هذه الرسالة في دور نشر في أقرب وقت، فتعجبت من أخلاقه الكريمة، وحرصه على المنفعة دونما سابق معرفة، وقلت له : مثلك يا أستاذ حسام يؤتى له، فأنت أستاذنا ومعلمنا ونحن تلاميذك. مستشفى الشيخ زايد التخصصي هي أكثر المستشفيات التي احتضنت حسام تمام مدة طويلة، يتألم لكنه متعلق بالله لم يفقد الأمل قط، ثم جاءت أيام شهر رمضان المبارك، واقتربت ليلة القدر فتجدد أمله في الشفاء والعود إلى بيته ومحبيه وقرائه، فإذا به يتصل بأحبابه طالبا منهم الدعاء له في هذه الليلة المباركة، قلت له: لم أنسك كي تذكّرني، ودعوت له أنا وغيري ممن اتصل بهم وممن لم يتصل بهم، وأكد طلب الدعاء له من مشايخنا في الأزهر الشريف. مضى شهر رمضان وازداد المرض واشتد الألم فإذا بحسام لم ينقطع تعلقه بالله وأمله في الشفاء، حيث سيهل عليه شهر الحج وزوار سيدنا رسول الله والوقوف بعرفة، فكانت مناسبة عظيمة ليعيد حسام نشاطه واتصالاته ويتجدد أمله طالبا الدعاء، فتح تليفونه واستجمع الأرقام مرة ثانية، لكن إذا بمرض يشتد، وكانت عناية الله نافذة، حيث قال له ربنا: دعك من الدنيا، أنا اخترتك لجواري، وقضيت بانتهاء رزقك وأجلك وألمك ومرضك، لتسعد بجواري مع الصادقين المخلصين، دعوتك لمجازاتك جراء خلقك وإنسانيتك وكرمك وتواضعك، وبالورد الذي كنت تقوله صباح مساء لا يسمعك إلا أنا الله القادر الحكيم، فأغمض حسام عينيه إلى جوار ربه تاركا علما وأدبا وخلقا وتلامذة أفخر بأن أكون منهم، رحم الله حسام تمام، وبارك في حبيبته الطفلة الصغيرة الجميلة خديجة حسام تمام، التي أخذها عمها أيمن تمام، ووضعها بين أحضانه في مدخل مستشفى الشيخ زايد بأكتوبر وعيناها وعيناه تغرقان بالدموع، وتقول الطفلة خديجة بصمت خافت: أين أنت يا حبيبي يا حسام؟؟ من لي بعدك؟ فيقول عمها: اصبري يا خديجة فإن غاب حسام فالله موجود. رسالتي إليك يا خديجة: اصبري وأبشري فإن أباك في فراديس الجنان عند حبيبه محمد صلى الله عليه وسلم. بإذن الله [email protected]