لست طبيباً (ولا أصلح أن أكون لخوفي من منظر الدماء!) غير أنني أتابع الأبحاث الخاصة بالبيولوجيا الجزيئية (علم الأحياء الجزيئي) وشغوف بها وبالأمس قرأت بحثاً طبياً مدهشاً عن أثر البيئة الاجتماعية على الدهون. تظهر الدراسة التأثيرات البالغة للبيئات الاجتماعية على عملية أيض الغذاء (البناء والهدم) وخلصت إلى أهمية الانشغال والتفاعل الاجتماعي في مكافحة بدانة البشر حيث يمكن التخلص من الدهون البيضاء المخزنة للسعرات الحرارية بتحويلها إلى دهون بنية تحرق الطاقة وتقلل الوزن. تسببت الدراسة (البحث) في إثارة دهشة العلماء الذين أجروا التجربة وساهموا في البحث. وجد الباحثون أنه عندما تعطى الفئران بيئة تحفزها اجتماعيا، تتحول دهونها البيضاء (المخزنة للسعرات وبالتالي تسبب زيادته البدانة) إلى دهون بُنْيَّة تحرق الطاقة، وبذلك تنفق الفئران طاقة أكثر وتفقد أوزانا أكبر حتى لو أكلت طعاما أكثر وقد دُهِش الباحثون أكثر لمستوى فقدان الدهون الذي يتجاوز ما تحققه تمرينات طاحون الدوس عند الفئران الخاملة اجتماعيا. فبعد أربعة أسابيع في بيئة غنية اجتماعيا، فقدت الفئران نصف دهون بطونها. بمراجعة البحث أكثر دهشت من الصور التي نشرها العلماء لفئران التجارب إذ يظهر الفأر الموضوع ببيئة غنية اجتماعيا (من 15-20 فأراً) في نصف وزن الفأر الأخر تقريباً (من 2-3 فئران) وبمقارنة الدهون التي يحويها جسميهما دهشت (أنا) أكثر وأكثر فكمية الدهون المستخلصة من فأر اجتماعي كانت تعادل ثلث الكمية المستخرجة من الفأر الأخر إن لم تكن أقل! ,وتكشف أيضاً أن البيئة الغنية اجتماعيا تحسن صحة الدماغ، وتعرّف بزيادة إنتاج الخلايا العصبية الجديدة وتعزيز التعلم والذاكرة وزيادة مقاومة الدماغ للإصابات. لكن المشترك بينها هو زيادة إنتاج الدماغ ل"عامل النمو العصبي المشتق من الدماغ". سبحان الله العظيم إن في ديننا (منهجنا) الذي ننتسب إليه (؟) الكثير والكثير من "الأوامر" النبوية في شكل أحاديث شريفة تحض على التفاعل مع المجتمع والعمل على قضاء حوائج الناس. يحثنا الإسلام على السعي للغير وهو يقصد تعميق أواصر الأخوة والتلاحم بين أبناء الأمة، وتيسير أمور المسلمين بالطرق المشروعة، التي لا تعطي الحق لغير مستحق، أو تنصر ظالماً على مظلوم، أو قوياً على ضعيف وهو ما يبدو في ظاهره أنه عمل اجتماعي بحت (وكنت أنا أراه من هذه الزاوية) وحتى لو قلنا أن بالعمل على قضاء مصالح الناس سينشط المرء جسمه وكأنه يقوم بعمل رياضي ما - تأتي الدراسة (البحث العلمي الرصين والمنشور والمُحَكّم) لتؤكد أن النشاط وحده (أي ممارسة الرياضة مثلاً) ليست كافية بذاتها لكي تعطي نتائج طيبة لمن هو في حاجة لخفض وزنه أو يعاني من أمراض كالضغط والسكري بل يجب أن يكون النشاط الجسدي مصحوباً بنوع من أشكال التعايش الاجتماعي الفعّال! الأحاديث كثيرة في هذا الشأن، تلك التي تحض على التعاون وقضاء الحوائج ومنها: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ وَمَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ إِلَّا نَزَلَتْ عَلَيْهِمْ السَّكِينَةُ وَغَشِيَتْهُمْ الرَّحْمَةُ وَحَفَّتْهُمْ الْمَلَائِكَةُ وَذَكَرَهُمْ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ وَمَنْ بَطَّأَ بِهِ عَمَلُهُ لَمْ يُسْرِعْ بِهِ نَسَبُهُ" وغيره الكثير من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم التي تفيض حكماً بالغة نتكشف معانيها كل يوم. بصراحة أنا سعيد جداً بهذا البحث ذلك أنني ممن يفضلون فهم معاني الآيات والأحاديث فهماً حرفياً ومعنوياً معاً - والحديث المتقدم يمثل فهمه الحرفي أن نسعى لخدمة الناس بالكيفية الموصوفة به كما أن البحث الذي بأيدينا الآن يؤكد أن هناك معانٍ أخرى لا تزال تتكشف لنا في كل أمر من أوامر الإسلام - تتلك التي أمرنا بها سواء في كتاب الله أو في أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم. ختاماً لا يملك المرء إلا أن يقول: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم على أنعمه التي أنعمها علينا ونحن لا ندري واسمحوا لي أن أترحم على والدي واسأل الله سبحانه وتعالى أن يرحمه رحمة واسعة جزاء ما علمني وجزاء ما قدم لي ولغيري فوالله وحتى بعد وفاته بسنين أتكشف كيف كان الله سبحانه وتعالى يجري على يديه الخير للناس وحتى في أحلك الظروف كنا نثور حين يفعل (خوفاً على صحته وإشفاقاً من "تبذير!!!" ماله - فيضحك و"يغيظنا" بإصراره على إتمام ما يريد وعزم - يرحمه الله.