دعونا من رأي جماعة الإخوان وأنصار مرسي تجاه الرئيس السيسي ، لأنه سيكون متهما بالخصومة السياسية ، ولكن لنتأمل موقف جميع الفصائل والأحزاب والتيارات الثورية والشخصيات الكبيرة التي تحالفت مع السيسي في 30 يونيه 2013 من أجل إنهاء حكم مرسي وتدشين مرحلة خارطة الطريق ، لكي ندرك أن هناك ما يشبه الإجماع الآن على أن الخارطة فشلت في تحقيق أهدافها بالكامل ، وأن كافة الوعود التي قدمتها لم تنفذ بل زادت الأوضاع التي استنكرتها سوءا ، كما أن تولى السيسي للرئاسة لم يغير من الحال شيئا ، بل فاقم الأمور وباعد بين مصر وبين الاستقرار ، ووضع الوطن كله على حافة الخطر ، ودع عنك ما يعرفه الجميع من أن السيسي كان رجل الدولة القوي ، تخطيطا وتنفيذا ، خلال مرحلة الخارجة رغم وجود "المؤقت" عدلي منصور . وأرجو أن نستحضر نص البيان الذي صدر عن لجنة 3 يوليو 2013 ، والذي تلاه السيسي ليعلن تنحية مرسي وإطلاق مرحلة انتقالية جديدة باسم "خارطة الطريق" ، لقد جاء في نص البيان الذي سمعه الشعب : (قامت القوات المسلحة أكثر من مرة بعرض تقدير موقف استراتيجى على المستوى الداخلى والخارجى تضمن أهم التحديات والمخاطر التى تواجه الوطن على المستوى [ الأمنى / الاقتصادى / السياسى / الاجتماعى] ورؤية القوات المسلحة كمؤسسة وطنية لاحتواء أسباب الانقسام المجتمعى وإزالة أسباب الاحتقان، ومجابهة التحديات والمخاطر) ، ترى لو قدمت القوات المسلحة اليوم عرضا بتقدير موقف استراتيجي على المستوى الداخلي والخارجي ، في الأمن والاقتصاد والسياسة والاجتماع ، هل سيختلف كثيرا عما كان يوم صدور هذا البيان ، وإذا اختلف هل هناك من يشك في أنه سيكون اختلافا نحو الأسوأ ، هل كان الاقتصاد المصري في حالة انهيار كتلك رغم ضخ حلفاء خليجيين أكثر من عشرين مليار دولار طوال العامين ، وهل كانت خسائر القوات المسلحة والشرطة في سيناء وغيرها كتلك أم هي الآن أضعاف مضاعفة ، وهل كان الانفلات الأمني أسوأ مما هو حادث اليوم والذي نسمعه كمسلسل يومي للتسلية في تفجيرات الشوارع والمحال والكهرباء وغيرها ، وفي المستوى الاجتماعي كنا نعاني الانقسام ، اليوم نعاني ما هو أسوأ ، نعاني التشرذم وضرب الكل في الكل وشتيمة الكل في الكل واتهام الكل للكل ، بصورة غير مسبوقة . ولقد جاء في بيان 3 يوليو أيضا قوله : (لقد كان الأمل معقودًا على وفاق وطنى يضع خارطة مستقبل ويوفر أسباب الثقة والطمأنينة والاستقرار لهذا الشعب بما يحقق طموحه ورجاءه) ، فيا ترى بعد عامين تقريبا ، هل تحقق الوفاق الوطني وهل اختفى الغضب أم أنه يتدارى في الصدور والفضاءات غير الخاضعة للسيطرة الأمنية بعد أن أصبح النزول إلى الشارع مشروعا للموت المحقق أو السجن طويل المدى ، ترى ، هل تحقق ما بشرت به الخارطة من توفير الثقة والطمأنينة والاستقرار لهذا الشعب بما يحقق طموحه ورجاءه ، أم أن المصريين لم يكونوا خائفين من المستقبل مثلما هم اليوم ، ولم يغب عنهم اليقين والطمأنينة كما هي اليوم ، وأما الاستقرار فهو وهم مظهري ، استنادا لآلة بطش عنيفة وعاتية تخفي القلق والتوتر والاحتقان والغضب وتحين الفرص للانقضاض ، وأظن أن الكثيرين داخل مصر وخارجها يدركون الآن ، أنه لو فتحت الميادين من جديد للتظاهر السلمي لكان مشهد مليونيات الغضب نسخة من أيام يناير أو نهايات عهد مرسي . في خارطة الطريق قالوا (أنهم يتخذون خطوات لتحقيق بناء مجتمع مصري قوي متماسك لا يقصي أحدا من أبنائه وتياراته وينهي حالة الصراع والانقسام) ، وأنا أستحلف بالله أي وطني مصري ، هل انتهى الصراع والانقسام ، وهل فعلا لم يتم إقصاء أحد من التيارات ، وهل السجون والمنافي ، لإسلاميين أو لشباب الثورة من كل التيارات يسارية وليبرالية تشهد على الإقصاء والعدمية السياسية أم تشهد على التماسك وعدم الإقصاء . لقد جاء في خارطة الطريق ، قبل عامين ما نصه : (مناشدة المحكمة الدستورية العليا لسرعة إقرار مشروع قانون انتخابات مجلس النواب والبدء فى إجراءات الإعداد للانتخابات البرلمانية) ، وجميعنا نرى حتى الآن أن ذلك كان وهما وتلاعبا بالأحلام الثورية وتسويفا وكسب وقت لترتيب الدولة وفق منظور فردي خاص ، وحتى الآن لم تعرف مصر انتخابات برلمانية ولا حتى قانونا للانتخابات في ظل ألاعيب شيحا التي تحترفها الدولة العميقة ، لإضاعة الوقت وتعليق الخيار الديمقراطي . وفي البيان المذكور نقاط أخرى تتحدث عن تمكين الشباب ، وهو ما انتهى بالشباب إلى السجون ، وكذلك البند الأخير منه : (تشكيل لجنة عليا للمصالحة الوطنية من شخصيات تتمتع بمصداقية وقبول لدى جميع النخب الوطنية وتمثل مختلف التوجهات) ، وهو كلام في الهواء الطلق لا ظل له من الواقع أو الحقيقة أو الوجود ، فلا لجنة للمصالحة ولا جمع نخب وطنية تمثل مختلف التوجهات حسب زعم البيان . والحاصل ، أن خارطة الطريق فشلت بامتياز ، وكل المبررات التي طرحتها لإنهاء حكم مرسي ما زالت قائمة بل تفاقم بعضها بوضوح ، خاصة في الجانب الاقتصادي والأمني ومكافحة الإرهاب والانقسام المجتمعي ، وعندما أتى السيسي للرئاسة كانت انتخاباته تحصيل حاصل ، لأنه لم يكن هناك منافس فعلي ، كما كان هناك استقطاب حاد وخوف لدى قطاع من المصريين من عودة الإخوان ، فكان التصويت تصويت خوف وتوجس ، تصويت ضد الإخوان أكثر منه تصويت للمرشح ، لأن السيسي وقتها لم يكن له تاريخ سياسي أو عسكري ملفت ، باستثناء أنه كان مديرا لمكتب المشير طنطاوي ثم مديرا للمخابرات الحربية لمدة عدة أشهر فقط قبل الثورة ، وهي خدمة وطنية تحسب له بكل تأكيد ، ولكنها ليست عملا استثنائيا أو مبهرا أو يمثل تاريخا سياسيا، والعمل الوحيد الذي قام به وجذب به الانتباه هو إطاحة مرسي وإنهاء حكم الإخوان ، فالتصويت في الانتخابات فعليا كان ضد الإخوان أكثر منه اختيارا للسيسي . وقد وضح اليوم ، بكل جلاء ، أن السيسي لم يوفق في إدارة شؤون البلاد ، وأن تلال الهموم وتعقيدات مشاكل الوطن تحتاج إلى الإدارة المدنية الجادة والخبيرة والعبقرية أكثر من الأحاديث المستهجنة عن "الدكر" أو القفز فوق المشكلات بالكلام الناعم والمعسول ، مصر بحاجة اليوم إلى إدارة سياسية مدنية حقيقية ، يحميها الجيش ويدعمها ، تملك الجرأة على إنجاز استحقاقات ديمقراطية وقانونية وحقوقية تليق بمصر ومكانتها وثورتها ، وتستطيع أن تتجاوز بحار الاضطراب والعنف والقسوة التي تموج في المنطقة من حولنا ، مصر بحاجة إلى قيادة جديد تملك شجاعة المراجعة والاعتراف بالخطأ ، وتملك القدرة على تحقيق مصالحة وطنية بدا مستعصيا إنجازها في ظل إدارة السيسي ، مصر بحاجة إلى عبقرية الإدارة التي تضع خطط نهوض اقتصادي وتنموي حقيقية تفسح المجال للطاقات المصرية الخلاقة وتمنحها الصلاحية للإنجاز والإبداع ، وليس للمهجصاتية وباعة الوهم والكفتة ، مصر بحاجة إلى قيادة قادرة على الاستغناء عن الرقص والغناء المحلي والمستورد ، لأنها تكون مشغولة بالعلماء والخبراء وصناع الأمل . ليس عيبا أن يفشل الرئيس ، فكلنا بشر ، نخطئ ونصيب ، وربما كانت التقديرات خاطئة ، منه ومنا ، عندما اندفع في هذا المسلك ، ولكن العيب أن نتجاهل انتكاسات الواقع ، والاشباح المخيفة للمستقبل ، وأن نعاند أنفسنا والواقع ، فتتعقد الأمور أكثر ونصل إلى نقطة اللاعودة . لقد منح الرئيس الأسبق محمد مرسي فرصة الحكم عاما واحدا ، وقبل نهايته بشهور قرر كثيرون أنه فشل وأنه لا يمكنه أن يكمل ، وتضامنت أجهزة رسمية وعسكرية وقانونية وغيرها مع تلك الخطوة ، رغم أن حقه الدستوري أن يكمل مدته أربع سنوات بموجب انتخابات تنافسية حقيقية وشديدة الشفافية ، فنحن لدينا سابقة سياسية وشعبية ، لا يوجد ما يمنع البناء عليها ، فقد اقترب السيسي من تمام العام كرئيس ، والعامين كقيادة حقيقية للدولة ، لم يقدم فيهما أي إنجاز ، لا في الاقتصاد ولا في السياسة الداخلية ولا الخارجية ولا في مكافحة الإرهاب ولا في حماية مصر من الانقسام الأهلي ، فما هي الضرورة لبقائه ، ولماذا لا نفسح المجال أمام قيادات جديدة ، تكون أكثر قدرة على الإنجاز ، ولماذا لا نتيح للشعب نفسه فرصة الاختيار الجديد ، المبني على سجل خبرات وكفاءات وتاريخ ، وليس على عاطفة الخوف والتصويت العقابي لتيار أو حزب . باختصار ، مصر اليوم أكثر احتياجا لانتخابات رئاسية مبكرة منها في نهاية عهد مرسي ، وسوف تكون أعظم خطوة أو مبادرة يقدم عليها السيسي ، ويذكرها له التاريخ ، أن يدعو بنفسه لانتخابات رئاسية مبكرة خلال ستة أشهر ، وأن يتنحى عن مسؤولية ثقيلة كانت أثقل من قدرته على حملها .