بعد سنوات طويلة من الإقامة في بلد أصبح وطنا ثانية للكثيرين منهم، اضطر العشرات من الكينين إلى الفرار بأنفسهم وذويهم من جحيم الحرب الدائرة في اليمن عبر الحدود مع سلطنة عمان ومنها إلى كينيا. والتقى مراسل وكالة الأناضول بعض العائدين من بين 130 كيني تم إجلاؤهم من اليمن الذي مزقته الحرب. وإحدى هؤلاء العائدين، "نجاح أحمد"، وهي أم كينية لأربعة أطفال، كانت تعيش في المكلا، عاصمة محافظة حضرموت جنوبي اليمن، منذ 17 عاما قبل أن تضطر لهجر بلدها الثاني. وشهدت المكلا اشتباكات بين قوات "المقاومة الشعبية" الموالية للرئيس عبد ربه منصور هادي، والمسلحين الحوثيين. "عندما اندلع القتال في عدن بعد صنعاء شعرنا بالقلق".. هكذا استهلت "نجاح" حديثها لوكالة الأناضول بعد عودتها إلى موطنها الأم مومباسا، ثاني أكبر مدن كينيا. ومضت قائلة "كنا نشعر بالخوف. ونحن عالقون في المكلا وكان جميع سكان المدينة لا يغادرون بيوتهم". وأضافت "عندما امتد القتال بين الحوثيين وجنود الحكومة إلى (محافظة) شبوة، أدركت أننا كنا في خطر كبير، حيث لا تبعد شبوة كثيرا عن المكلا"، مشيرة إلى أنها كسائر السكان المحليين، كانت تخشى أن يطالهم القتال في عقر دارهم. ومضت الأم الكينية في سرد تفاصيل معاناتها "هؤلاء المقاتلين ليس لديهم رحمة، وسيقصفون بشكل عشوائي، ولن يكترثوا إذا كان المرء مدنيا أم لا". وذكرت أن المكلا تحولت إلى مدينة أشباح عقب إغلاق جميع المكاتب الحكومية والمدارس والبنوك ومكاتب البريد، والمتاجر، فضلاء عن "بقاء الجميع في منازلهم، فلا أحد يذهب إلى العمل". وأشارت إلى أن الإمدادات الغذائية التي كانوا يخزنونها نفدت بسرعة، مضيفة: "لم نحصل على أي مساعدة، وكنا نعتمد جميعا على أنفسنا". وقد أدى التصعيد الأخير في أعمال العنف إلى كارثة إنسانية تزداد سوءا في اليمن، أفقر دول منطقة الشرق الأوسط التي يبلغ عدد سكانها نحو 27 مليون نسمة. ووفقا لمنظمة "أوكسفام"، (خيرية دولية)، فإن نحو 16 مليون يمني، أي ما يعادل أكثر من 60% من السكان، كانوا بالفعل يعتمدون على المساعدات للبقاء على قيد الحياة قبل الصراع. ومعظم الكينيين، الذين ينحدرون من مدينة مومباسا الساحلية، كانوا يعيشون في محافظاتصنعاءوعدن وشبوة وحضرموت. وكان السفير الكيني في سلطنة عمان، محمد دور، تمكن من الاتصال بالرعايا الكينيين في اليمن، وتنسيق خطط إخلائهم. واستأنفت "نجاح" حديثها بالقول: "تم إنهاء ترتيبات سفرنا من المكلا إلى الحدود العمانية، وذهبنا في مجموعات، البعض جاءوا من صنعاء وآخرين من عدن". وأردفت "كانت لدينا تعليمات للوصول إلى الحدود من عمان ومن هناك رافقنا الجيش العماني على طول الطريق إلى العاصمة مسقط"، لافتة إلى أنه تم إجلائها رفقة زوجها اليمني وأطفالها الأربعة. أما حمدان باوزير، (42 عاما)، الذي عاش في عدن 12 عاما مع زوجته اليمنية التي رزق منها طفلين، فقال للأناضول، عقب عودته: "كان هناك قتال بين مليشيا الحوثي، وجنود الحكومة في ضواحي عدن ليس بعيدا عن الميناء". وأضاف "باوزير" وهو تاجر كيني كان يصدر العباءات والعطور والمجوهرات لبلده كينيا "أغلقت المتجرين اللذين امتلكهما لمدة أسبوعين، وكانت جميع المحلات التجارية في مغلقة". وأشار إلى أن أكبر متجريه قد تعرض للنهب، قبل أن يتدمر بالكامل جراء القصف، وأنه فقد "ما يقرب من 3 ملايين شلن كيني (حوالي 320.3 ألف دولار)". وتابع "باوزير": "تمكنت من إنقاذ كل ما أمكنني إنقاذه في المتجر الثاني، وتركته لدى قارب زوجتي". ومضى قائلا "تم إبلاغنا أننا سوف يتم إجلاؤنا وكان هذا مصدر ارتياح كبير بالنسبة لي وجميع الكينيين في اليمن". من جانبه، قال وزير التعدين الكيني نجيب بلالا، وهو نفسه كيني من أصل يمني، إن الحكومة تبذل كل ما في وسعها لضمان عودة آمنة لجميع المواطنين الكينيين إلى موطنهم من اليمن. وقال "بلالا" في تصريح للأناضول "هذه ليست نهاية عمليات الإخلاء، وأنا أدعو جميع الكينيين للاتصال بسفارتنا في عمان". ويشهد اليمن فوضى أمنية وسياسية، بعد سيطرة جماعة "أنصار الله" (معروفة ب"الحوثي") على المحافظات الشمالية منه وفرض سلطة الأمر الواقع، مجبرة السلطات المعترف بها دوليا على الفرار لعدن، جنوبي البلاد، وممارسة السلطة لفترة وجيزة من هناك، قبل أن يزحف مقاتلو الجماعة، المحسوبون على المذهب الشيعي، باتجاه مدينة عدن وينجحون في السيطرة على أجزاء فيها من ضمنها القصر الرئاسي. وفي ال 21 من أبريل الجاري، أعلن التحالف العربي، الذي تقوده السعودية، انتهاء عملية "عاصفة الحزم"، وبدء عملية "إعادة الأمل" في اليوم التالي، التي قال إن من أهدافها شق سياسي متعلق باستئناف العملية السياسية في اليمن، بجانب التصدي للتحركات والعمليات العسكرية للحوثيين وعدم تمكينها من استخدام الأسلحة.