تجمع أكثر من عشرة آلاف سلفي جاءوا من جميع محافظات مصر للتظاهر أمام محكمة كفر الشيخ مطالبين بإقالة مفتى الجمهورية الدكتور علي جمعه باعتباره معينا من قبل النظام السابق ولقيامة برفع جنحة مباشرة سب وقذف وتعويض بمبلغ عشرة آلاف جنية علي سبيل التعويض المدني ضد الشيخ حجازي محمد يوسف شريف الشهير باسم " أبي إسحاق الحويني " لقيامة بسب وقذف المفتي. وقالت صحيفة " المساء " التي نشرت الخبر أن هتافات السلفيين المؤيدين للشيخ الحويني استمرت من التاسعة صباحا حتى حانت صلاة الظهر ولم ينصرفوا إلا بعد إبلاغهم بتأجيل النظر في القضية.. ! والمظاهرة بالطبع تمثل رسالة إنذار إلي كل من يتعرض لأحد قيادات السلفيين أو يجرؤ علي الاحتكام للقضاء في أي خلاف معهم.. فالذين ذهبوا للتظاهر لم يقبلوا أن يتعرض الشيخ الحويني للمحاكمة واعتبروا ذلك إهانة له، وكأن القضاء لا يجوز أن يحاكمه أو يصدر حكما ضده. ومفتي الجمهورية لم يرتكب جريمة باللجوء إلي القضاء للحصول علي حقه فيما يعتقد أنه نوع من الإساءة التي لحقت به والتي قللت من شأنه ومن قيمته. وهو تصرف حضاري يدخل في إطار القانون وحق كل فرد في المجتمع في أن يكون القانون حاميا ونصيرا له، وأن يطبق هذا القانون علي الجميع بدون استثناء أو تمييز أو مراعاة لمنصب أو مكانه..، وإلا فإن كل ما نتحدث عنه وننادي به من دولة الحريات والقانون هو مجرد شعارات نرفعها لمغازلة الرأي العام دون أن نؤمن أو نعترف بها. والتظاهر من أجل إقالة المفتي هي حق مشروع لأي جماعة إذا كانت تؤمن وتعتقد أنه لا ينطق بالحق أو أنه يخدم نظاما علي حساب الشرعية والدين..، ولكن هذا التظاهر لا يكون أمام المحكمة التي تنظر الدعوى القضائية وإلا أعتبر تأثيرا علي القضاء وإرهابا له، والتظاهر يكون أمام دار الإفتاء ودون أن يكون له علاقة بالقضية المنظورة أمام المحاكم. وبعيدا عن السلفيين أو الإخوان أو الليبراليين أو أي كتله من الكتل المتصارعة علي المسرح السياسي حاليا فإننا نتحدث عن المبدأ وعن القانون وعن النظام وعن المجتمع الذي ينهار أمامنا بعد أن أصبح الجميع يتصارعون ويتسابقون للحصول علي حقوقهم بالضغط وبالقوة وباستعراض العضلات والتهديد باستخدامها.. ! فما يحدث يعتبر إسقاطا متعمدا للدولة وتحطيما لهيبتها، وهو ما يعني انهيارا في كل المفاهيم والثوابت وفوضي لن يكون في مقدور أحد إيقافها أو السيطرة عليها، ومزيدا من التدهور الاقتصادي الذي يمثل أكبر الضربات التي يمكن توجيهها لثورة يناير التي كانت أملنا في مجتمع عصري جديد. فليس مقبولا هذا الانفلات الهائل في كل القطاعات وعلي كل المستويات الذي وصل إلي حد قطع الطرق والاعتداء بالضرب علي أي مسئول واحتجازه أيضا إذا لزم الأمر، كما أن الانفلات تمثل أيضاً في الاعتداء علي الممتلكات العامة والخاصة بشكل جعل الجميع في حالة من الخوف والقلق، ودفع المستثمرين العرب والأجانب إلي الخروج من مصر والإحجام عن الاستثمار فيها. فلم يعد هناك من يستمع الآن إلي صوت العقل، أو يحترم حرية الآخرين، وفي البرامج التلفزيونية الفضائية علي سبيل المثال يوجد كم هائل من الشتائم والقذف في حق آخرين وتشويه سمعتهم وإلصاق التهم بهم دون أن يكون هناك وقفه جادة لحماية الأفراد وصيانة شرفهم وأعراضهم..، ودون أن يكون هناك جهة ما تتصدي لذلك وتحول دون استمرار هذه البذاءات التي تذاع علي الهواء.. ! ولم يعد باقيا إلا " الفلول " الذين أصبحوا " الشماعة " التي تعلق عليها كل الكوارث والتجاوزات والمصائب.. ! فحتى في الخلاف المدمر الأخير بين رجال القضاء والمحامين فإن وزير العدل المستشار محمد عبد العزيز لم يجد مبررا لما يحدث، ولم يجد جهة يلقي عليها بالمسئولية إلا بأن يقول أن " الفلول " وراء الأزمة المثارة حول قانون السلطة القضائية وأن أياد خفية تسعي إلي إثارة الأزمات، وهو قول غريب يبعد عن الحقيقة لأنه لا علاقة للفلول بمشروع القانون الجديد الذي اقترحه القضاء والذي ينص علي عقوبات تصل إلي السجن خمس سنوات بحق المحامين الذين يوجهون إهانة إلي القاضي، كما يعطى القضاة سلطة احتجاز المحامين في قائمة المحكمة إذا أخلوا بالنظام.. ! ويبدو في النهاية أن البلد كلها " فلول " ما دام كل ما يحدث في البلد وراءه الفلول.. !! [email protected]