حماس: أنس الشريف أيقونة الحقيقة وشاهد المجاعة في غزة    حامد حمدان ينعى مراسل الجزيرة أنس الشريف    بقوة 6.1 درجة.. مقتل شخص وإصابة 29 آخرين في زلزال غرب تركيا    الرئيس الأوكراني: نحن نفهم نية روسيا في محاولة خداع أمريكا ولن نسمح بهذا    محافظ الفيوم يكرم أوائل الثانوية والأزهرية والدبلومات الفنية    مأساة ضحيتي الشاطبي .. رحلة مصيف تنتهي أسفل عجلات ميكروباص    محافظ سوهاج يبحث تطوير النظام المالي والتحول الرقمي بالمحافظة    محافظ سوهاج يتابع معدلات الإنجاز في ملف تقنين أراضي أملاك الدولة    وصية الصحفى الفلسطينى أنس الشريف: أوصيكم بفلسطين درة تاج المسلمين    المعارضة الإسرائيلية: نتنياهو فشل فى تحقيق أهداف الحرب لمدة 22 شهرًا    هاني رمزي: ريبيرو يقلق جماهير الأهلي    برشلونة يمطر شباك كومو في كأس خوان جامبر    ملف يلا كورة.. نهاية الجولة الأولى بالدوري.. وصول ألفينا.. واعتذار حسام حسن    منافس المصري المحتمل.. الاتحاد الليبي يتأهل إلى الكونفدرالية الأفريقية    خلال ساعات.. تقليل الاغتراب 2025 تنسيق المرحلة الأولى والثانية «الموعد والرابط وضوابط التحويل»    مواقيت الصلاة اليوم الإثنين 11 أغسطس 2025 في القاهرة والمحافظات    هتقعد معاكي لأطول مدة.. أفضل طريقة لحفظ الورقيات في الثلاجة    يحسن وظائف الكبد ويخفض الكوليسترول بالدم، فوائد عصير الدوم    ياسر ريان: مصطفى شوبير رتمه بطئ والدبيس أفضل من شكري    ماس كهربائي.. إخماد حريق محدود داخل كنيسة قرية أبوان بالمنيا    النفطي: معلول إضافة للصفاقسي والجزيري يمتلك شخصية مصطفى محمد    الجيش الإسرائيلي يعلن مقتل الصحفي أنس الشريف في غارة على غزة    الإسكندرية السينمائي يطلق استفتاء جماهيري لاختيار أفضل فيلم سياسي مصري    لارا ترامب تتفاعل مع محمد رمضان لتصبح أحد متابعيه على السوشيال ميديا    يوسف الحسيني: اجتماع الرئيس بقيادات الهئيات الإعلامية يفتح آفاقًا جديدة للإعلام    تكريم اسم الفنان لطفي لبيب والإعلامي عمرو الليثي بمهرجان إبداع للشباب- (25 صورة)    فرصة ذهبية لطلاب الإعدادية.. تخفيض الحد الأدنى للالتحاق بالثانوي بدمياط    تتطلب مهارات.. وزير العمل: حريصون على توفير فرص عمل للشباب في الخارج    برشلونة يكتسح كومو بخماسية ويتوج بكأس خوان جامبر    "تضامن سوهاج" تكرم 47 رائدة اجتماعية وتمنحهن شهادات تقدير    موظفو طيران في بروكسل يطالبون بعدم استئناف الرحلات لإسرائيل    «لا يجب التنكيل بالمخطئين».. المسلماني: الرئيس طلب الاستعانة بكل الكوادر الإعلامية    الداخلية تضبط طالبا يستعرض بدراجة بخارية    قرار هام بشأن البلوجر مونلي صديق سوزي الأردنية بتهمة نشر فديوهات خادشة    السيطرة على حريق داخل مخزن مواد غذائية فى الزيتون دون إصابات.. صور    إخلاء سبيل طالب طعن زميله في شبرا الخيمة    اتهامات لمحامي بالاعتداء الجنسي على 4 أطفال بالدقهلية    المسلماني: الرئيس لا يريد شعبًا مغيبًا وجاهلًا (فيديو)    سعر الدولار اليوم أمام الجنيه والعملات الأخرى ببداية تعاملات الإثنين 11 أغسطس 2025    سعر طن الحديد والأسمنت بسوق مواد البناء اليوم الإثنين 11 أغسطس 2025    عيار 21 الآن في الصاغة.. سعر الذهب اليوم الإثنين 11 أغسطس بعد الزيادة الأخيرة (تفاصيل)    4 أبراج «بيحققوا النجاح بسهولة»: يتمتعون بالإصرار والقوة ويتحملون المسؤولية    كشافين في القرى للبحث عن أم كلثوم والشعراوي.. المسلماني يكشف توجيهات الرئيس    اجتماع مديري الثقافة والتربية والتعليم لتعزيز الأنشطة الثقافية والتعليمية بين الطلاب    ويزو تحكي أسرار "مسرح مصر": «أشرف عبدالباقي كان بيأكلنا ويصرف علينا من جيبه»    94 % صافي تعاملات المصريين بالبورصة خلال تداولات جلسة بداية الأسبوع    خالد الغندور: التوأم يوصي فتوح بالالتزام للمشاركة مع الزمالك    فوائد اليانسون، يهدئ المعدة ويعالج نزلات البرد والإنفلونزا ويقوي المناعة    المنوفية تُطلق عيادات الدعم النفسي بخمس وحدات رعاية أساسية | صور    مدير الرعاية الصحية بالأقصر يتابع أعمال التطوير في المجمع الدولي ومستشفى الكرنك    أمين الفتوى: لا يجوز كتابة كل ما يملك الإنسان لبناته لأنه بذلك يعطل أحكام الميراث    أمين الفتوى يوضح: المال الموهوب من الأب في حياته لا يدخل في الميراث    حكم الدردشة مع صحابي بالموبايل في الحمام؟.. أمينة الفتوى تجيب    هل يجوز إجبار الزوجة على الإنفاق في منزل الزوجية؟.. أمينة الفتوى تجيب    اتحاد عمال الجيزة يضع خطته للتأهيل والتدريب المهني    موعد إجازة المولد النبوى الشريف 2025 للقطاعين العام والخاص    الشوربجي يشكر الرئيس السيسي على زيادة بدل التدريب والتكنولوجيا للصحفيين    دعاء صلاة الفجر.. أفضل ما يقال في هذا الوقت المبارك    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الله لا يرحم البعيد
نشر في المصريون يوم 23 - 10 - 2011

أتعجب أنا من العاطفة العمياء التي تحكم كثيرين منا، ولا تفكر مليًّا في أقدار الله تعالى، ولا في استحقاق بعض الناس ما يلحق بهم من الإهانة والنكال (بما كسبت أيديهم)!
فحين كاد مبارك يسقط تعاطف معه كثيرون، وقالوا: غلبان/ ارحموا عزيز قوم ذل/ دا صاحب الضربة المِشْعارِفْ إيه/ دا بطل أكتوبر (ازاي معرفش)/ دا أبونا.. دا راجل كبير يا عيني!
بل وتكونت (جروبات) تدافع عنه، وتعدد مآثره، وأياديه البيض على مصر وأهلها!
لكن الله تعالى الغالب أبى إلا أن يسلط عليه غباء رجاله، كما سلطهم هو على الشعب المشلول، فكانوا - كلما هدأت الأحوال، وبسبب من غرورهم الأعمى - يتصرفون تصرفًا غبيًّا، يشعل الناس غضبًا وثورة من جديد. وتكرر ذلك حتى كانت قاصمة الظهر (معركة الجمل) التي قال الشعب بعدها (ما بدهاش) وأصروا على خلعه، وخلع زبانيته من كبار الإرهابيين (الوطنيين) صناع الفتن والمؤامرات.
وكاد قومنا الطيبون - في لحظة عاطفة - ينسون أنه ورجاله جففوا ينابيع كل خير في البلد: الاقتصاد، والصناعة، والزراعة، والتجارة، والعمق السياسي، ونشروا الفساد، والبيروقراطية، وعذبوا الناس وجوعوهم، وأذل أعناقهم، حتى زاد العوانس عن تسعة ملايين، وحتى تفشت البطالة بشكل لا يطاق، وانتشرت المخدرات، والعنف، والبلطجة، والقتل في الشوارع، والمخافر، ومقار أمن الدولة، والسجون، وكسرت الشرطة إرادة المواطنين لحد غير متصور.. في حين دلل هو وحكوماته وأزلامه إسرائيل، ومكنوا من رقبة مصر كل من لا يذكر اسمه، حتى ميليس زيناوي ورؤساء دويلات القرن الأفريقي! و(هوّ ولا هنا).. عذب - بأمره أو بتواطئه أو بتغافله - وجوع، وأهان، وأذل 85 مليون رجلًا وامرأة وطفلًا!
والغريب أن هناك أصواتًا تعيد الموقف ذاته، وتبكي على جرذ ليبيا قذاف الدم، وتصفه بالوطنية، وحماية بلده اللي كان أهلها ما بيدفعوش كهربا ولا مية (!) الله يهديكم؟
ألهذه الدرجة تَعمى العاطفة فتلغي العقل!؟
أترْثون لذلك الحيوان الذي دك بلده بالطائرات، واستأجر مرتزقة قتلوا وجرحوا أكثر من مائة ألف شخص في الأشهر الفائتة، ودمر بلده تدميرًا يبكى عليه!؟
أتدمعون على ذلك الوحش المنتفخ المنفش المستعلي، الذي يتم أطفالًا، ورمّل نساءً، وأثكل أمهات، ودك مدنًا، وأشعل بالنفط النار يبكى عليه!؟
أترقُّون لذلك الرئيس الوطني الذي هدد شعبه صراحة أنه سيجعلها جهنم الحمر، قرية قرية ودارًا دارًا!؟
أتعطفون على الفرعون الذي احتقر شعبه، وأهانه، وأفقره، وسرق ماله، ومستقبله أربعين سنة مضت، وأربعين سنة قادمة!؟
أتلين قلوبكم لذلك الطاغية الإرهابي الكبير الذي أنجب طاغيته وإرهابيه الصغير سيف الإزلام، الذي كان يخاطب (شعبه) بأصبعه، كأنهم تلاميذ في الروضة، ويهددهم، ويتوعدهم كأنهم محاسيب عند أبيه؟
أتحدبون على الكائن الذي حول ليبيا كلها – البلد النفطي الضخم - عزبة يرتع فيها أبناؤه، وعائلته، ومن اصطفاهم؛ لمساعدته في التفقير والتجهيل، والإرهاب والقمع؟
أليس للمائة ألف قتيل وجريح في ميزانكم حساب؟
أليس لهذه القائمة الطويلة من الخيانة في عدلكم ثمن؟
وهل أنتم أرحم من ربكم الرحمن الرحيم الذي شرع القصاص، وأمر بالعدل!؟
خذوا هذه المعلومة العجيبة:
= لما أراد الله تعالى أن يغرق فرعون مصر عليه لعائن الله، وعاين الأحمق الغبي الموت قال – حين لا ينفع القول -: (آمنت بالذي آمنت به بنو إسرائيل، وأنا من المسلمين) وكأنه الغبي يخادع ربه تعالى، متجاهلًا أنه روع المصريين، وقتل جيلًا من الأطفال الرضع، وقال لشعبه: أنا ربكم الأعلى، وعبَّدهم لنفسه وعائلته، وهامانه، وكهنته، وملئه!
وأثناء غرقه رآه سيدنا جبريل (ملاك الوحي والحياة والرحمة) وهو يحاول أن يسلم وينطق بشهادة التوحيد التي عاش عمره كله يحاربها، فأخذ جبريل طميًا من قاع البحر، وطفق يحشو به فم فرعون؛ حتى لا ينطق بالشهادة، فربما أدركته رحمة الله تعالى! تصور!
في مسند أحمد، والترمذي، وصحيح الجامع، والسلسلة الصحيحة، والنوافح العطرة، وغيرها، بأسانيد صحيحة، عن ابن عباس رضي الله عنه، عنه صلى الله عليه وسلم: (لما أغرق الله فرعون قال: {آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل} قال صلى الله عليه وسلم: قال لي جبريل: يا محمد: لو رأيتني وقد أخذت حالًا من حال البحر فدسيته في فيه؛ مخافة أن تناله الرحمة)!
لا يريده أن يسلم فيُرحم، لبشاعة جرائمه المتراكمة المتطاولة الممتدة الشنيعة!
سبحان الله: جبريل يفعل ذلك، وإخواننا يعتقدون أنهم أرحم من جبريل عليه السلام!
= سيدنا نوح صلى الله عليه وعلى أنبياء الله جميعًا، وسلم تسليمًا كثيرًا يدعو على قومه؛ بعد أن لبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عامًا، فما آمن معه إلا قليل، فقال من قلبه: (رب: لا تذر على الأرض من الكافرين ديارًا. إنك إن تذرهم يضلوا عبادك، ولا يلدوا إلا فاجرًا كفارًا) سيدنا نوح عليه السلام، أحد أهم خمسة رجال في تاريخ البشرية، وأرحمهم، وأبرهم، يدعو على قومه، أن يأخذهم الله أخذ عزيز مقتدر..
وبعض إخوتنا يظنون أنهم أرحم من نوح صلى الله عليه وسلم!؟
= ومحمد صلى الله عليه وسلم الذي بعثه ربه رحمة للعالمين، يدعو على رعل، وذكوان، وعصية، القبائل التي خانت الكلمة، وغدرت بالمسلمين: ففي الصحيحين وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم أتاه رعل وذكوان وعصية وبنو لحيان، فزعموا أنهم قد أسلموا، واستمدوه على قومهم، فأمدهم النبي صلى الله عليه وسلم بسبعين من الأنصار، قال أنس: كنا نسميهم القراء، يحطبون بالنهار، ويصلون بالليل، فانطلقوا بهم، حتى إذا بلغوا بئر معونة غدروا بهم، وقتلوهم، فقنت صلى الله عليه وسلم شهرًا يدعو على رعل وذكوان وبني لحيان، في الظهر والعصر والمغرب والعشاء، في دبر كل صلاة إذا قال: سمع الله لمن حمده من الركعة الآخرة، يدعو عليهم، ويؤمِّن من خلفه!
= ومحمد صلى الله عليه وسلم الذي بعثه ربه رحمة للعالمين، دخل مكة المكرمة فأمّن أهلها كلهم، وعفا عنهم، رغم ما فعلوه به صلى الله عليه وسلم، وبأصحابه رضي الله عنهم من تشريد وتعذيب وقتل ومصادرة وتشويه، وتأليب للعرب عليه، يدخل عام الفتح، وعلى رأسه المغفر، فلما نزعه جاء رجل فقال: يا رسول الله: إن ابن خطل متعلق بأستار الكعبة، فقال صلى الله عليه وسلم: اقتلوه؛ وإن كان متعلقًا بأستار الكعبة!
أنحن أرحم منه صلى الله عليه وسلم؟!
أتعجب والله ممن يرثون لقذاف الدم، ولا يرثون لبحور الدم التي أهرقها، رغم أنه ظل متفرعنًا مستكبرًا لآخر لحظة، يقاتل، ويهدد، ويستأجر، ويرسل مدافعه وراجماته على الناس جحيمًا، ويسلط قناصته لاصطياد رؤوس أهل وطنه، بل أهل مدينته سرت! ولم تظهر منه بادرة ندم، أو إشارة اعتذار، أو علامة تراجع، كما ظهر من صدام مثلا، أو حتى المجرم بن علي الذي قال لشعبه: فهمتكم.. فإن هذا أبى حتى أن يفهم!
ودعني أُجْرِ مقارنة هنا بين قذاف الدم وبين صدام، وكلاهما كان جبارًا عنيدًا عنيفًا، لكن أحدهما استمر جبارًا عنيدًا، في حين لان الآخر وتراجع؛ ما أدى إلى أن يتعاطف معه كثيرون:
= = في آخر سنوات صدام كان قد بدأ يتراجع عن كثير من جبروته، وبعثيته، وحمقه، ويعود إلى دينه، ويتواصل مع العلماء، وأهل الدين، ما أقلق الغرب كثيرًا، وكان من أسباب التعجيل بضربه!
على عكس صاحبنا العقير قذاف الدم، الذي ظل لآخر لحظة - مثل فرعون - مستكبرًا منتفخًا، يهدد ويتوعد!
= = حين أخذوا العقير من ماسورة مجاري الجرذان، قال لهم في ترجٍّ وذلة: يا أولادي لا تقتلوني/ حرام عليكم/ حرام عليكم/ إنتو ما تعرفوا الحرام؟!
بينما رفع صدام رأسه، هازئًا بأولاد الرفضة، الطائفيين الذي كانوا يشمتون به، وكان يهينهم، ولم تطرف له عين، وجهر بلا إله إلا الله محمد رسول الله، سمعتها الدنيا كلها!
وفي المحكمة كان صدام كان جريئًا عزيزًا، لم يرج المحكمة، ولم يذل نفسه لأحد، بل كان يجبههم، ويقارعهم، ويهينهم، ويقرأ في المصحف أمام كاميرات تلفزيونات العالم!
= = وقف العالم كله ضد صدام، بينما وقف العالم كله – حتى بعض الدول العربية – مع العقير، وثبتوه، وشجعوه، وأطالوا أمد فساده، ودماره، تسعة اشهر، وأمدوه بالأسلحة جهارًا نهارًا، ولا عليكم من شغل النيتو الذي دمر البنية التحتية معه، ولا عليكم من الشجب الإعلامي لبعض الأنظمة، التي آوت رجاله وعائلته، وأخفت جرائمه.
= = إسرائيل كانت تخاف صدام، وتأخذ تهديداته بجدية، ولم تدخل العراق إلا بمعونة الروافض، وبعد إعدامه صار الصهاينة يحكمون العراق منذ اللحظة الأولى لغزوها... في حين أن العقير استأجرهم لحمايته، بشكل صريح معلن، سبق أن كتبت عنه!
= = لم يُصحِّر صدام بلده، ولم يغلق الجامعات، ولم يقص أعناق العلماء، بل كانت العراق بلدًا ينتج مئات وألوف العلماء، والأكاديميين، والشعراء، والفنانين.. أما العقير فقد تركها صحراء بلقع، ليس فيها معلم حضاري، ولا جامعة ذات شأن، ولا مدينة متحضرة، ولا قانون أو دستور، ولا شعب كريم مستور!
أيها العاطفيون الباكون على قذاف الدم.. راجعوا أنفسكم من فضلكم!
--------------
في مطلع ثرثرته الشعرية: شاهد على زمن الطغاة: خطب الدكتاتور الموزونة، كتب محمود درويش: .... سأختار أفراد شعبي/ سأختاركم، واحدًا واحدًا/ سأختاركم كي تكونوا جديرين بي/ إذن، أوقفوا الآن تصفيقكم كي تكونوا جديرين بي، وبحبي/ قفوا - أيها الناس - يأيها المُنتقون كما تُنتقى اللؤلؤة: لكلِّ فتىً امرأة/ وللزوج طفلان: في البدء يأتي الصبي/ وتأتي الصبية من بعد.. لا ثالث/ وليعم الغرامُ، على سُنَّتي/ فأحبوا النساء، ولا تضربوهنَّ إن مسَّهُنَّ الحرامُ/ سلامٌ عليكم.. سلامٌ.. سلامُ!
سأختارُ من يستحق المثول أمام مدائح فِكري/ ومن يستحق المرور أمام حدائق قصري/
سأختار شعبًا محبًّا، وصلبًا، وعذبًا/ سأختار أصلحكم للبقاء، وأنجحكم في الدعاء لطول جلوسي/ فتُبّا لما فات من دولٍ مزقتها الزوابعْ! لقد ضقت ذرعًا بأميّة الناس/ يا شعبي الحرّ، فاحرسْ هوائي من الفقراءِ، وسرب الذباب، وغيم الغبار/ ونظِّفْ دروب المدائن من كلِّ حاف، وعارٍ، وجائعْ/ فتُبّا لهذا الفساد، وتُبّا لبؤس العِباد الكسالى، وتُبا لوحل الشوارعْ!
سأختاركم وفق دستور قلبي: فمنْ كان منكم بلا علّة فهو حارسُ كلبي/ ومنْ كان منكم طبيبًا أعيّنه سائسًا لحصاني الجديدْ/ ومنْ كان منكم أديبًا أعيّنه حاملاً لاتجاه النشيد/ ومنْ كان منكم حكيمًا أعيّنه مستشارًا لصك النقود/ ومنْ كان منكم وسيمًا، أعيّنهُ حاجبًا للفضائحْ/ ومنْ كان منكم قويًّا أعيّنهُ نائبا للمدائحْ/ ومنْ كان منكم بلا ذَهبِ، أو مواهب فلينصرفْ/ ومنْ كان منكم بلا ضَجَر ولآلئ فلينصرفْ/ فلا وقت عندي للقمح والكدح.. ولأعترفْ/ أمامك يأيها الشعب يا شعبي المُنتقى بيديّ بأني أنا الحاكمُ العادلُ/ لابد من برلمان جديد، ومن أسئلة: مَنِ الشعبُ، يا شعبُ؟ هل كلُّ كائنْ/ يُسمى مواطنْ؟/ تُرى هل يليق بمَن هو مثلي قيادة لص، وأعمى، وجاهلْ؟/ وهل تقبلون لسيّدكم أن يساويَ ما بينكم، أيها النبلاء، وبين الرعاع اليتامى الأرامل؟/ وهل يتساوى هنا الفيلسوف مع المتسوّل؟ هل يذهبان إلى الاقتراع معًا كي يقود العوام سياسة هذا الوطنْ؟ وهم أغلبيتكُم، أيها الشعب، هم عددٌ لا لزوم له إن أردتُمْ نظامًا جديدًا لمنع الفِتنْ!
إذنْ، سأختار أفراد شعبي: سأختاركم واحدًا واحدًا كي تكونوا جديرين بي، وأكون جديرًا بكمْ/ سأمنحكم حق أن تخدموني/ وأن ترفعوا صوري فوق جدرانكم/ وأن تشكروني لأني رضيت بكم أمّةً لي/ سأمنحكم حق أن تتملوا ملامح وجهي في كلِّ عام جديد/ سأمنحكم كل حق تريدون: حق البكاء على موت قط شريد/ وحق الكلام عن السيرة النبوية في كلِّ عيد!
لكم أن تناموا كما تشتهون: على أي جنب تريدون.. ناموا/ لكم حق أن تحلموا برضاي وعطفي، فلا تفزعوا من أحدْ/ سأمنحكم حقكم في الهواء، وحقكم في الضياء، وحقكم في الغناء/ سأبني لكم جنّة فوق أرضي.. كُلوا ما تشاؤون من طيباتي/ ولا تسمعوا ما يقول ملوك الطوائف عني/ وإني أحذركم من عذاب الحسدْ!/ ولا تدخلوا في السياسة إلا إذا صدر الأمر عنِّي/ لأن السياسة سجني/. هنا الحُكْمُ شورى:/ أنا حاكمٌ مُنتخبْ/ وأنتم جماهير مُنتخبة/ ومن واجب الشعب أن يلمس العتبة/ وأن يتحرى الحقيقة ممن دعاه إليه، اصطفاه، حماه من الأغلبية/ والأغلبية مُتعِبة مُتْعَبَة/ ومن واجبي أن أوافق، من واجبي أن أعارض، فالأمر أمريَ والعدل عدلي، والحق مُلكُ يديّ/ فإما إقالته من رضاي/ وإما إحالته للسراي/ فحق الغضبْ/ وحق الرضا لي أنا الحاكم المُنتخبْ/ وحق الهوى والطرب/ لكم كلكم..
أنا الحاكم الحرُ والعادل/ وأنتم جماهيري الحرّة العادلة/ سننشئ منذ انتخابي دولتنا الفاضلة/ ولا سجن بعد انتخابي، ولا شعرَ عن تعب القافلة/ سألغي نظام العقوبات من دولتي؛ فمن أراد التأفف، خارج شعبي، فليتأفف/ ومن شاء أن يتمرّد، خارج شعبي، فليتمردْ/ سنأذن للغاضبين بأن يستقيلوا من الشعب، فالشعب حرٌّ/ ومن ليس منّي ومن دولتي، فهو حرّ/ سأختاركم واحدًا واحدًا مرّة كل خمس سنين، وأنتم تُزكونني مرّة كل عشرين عامًا إذا لزم الأمر، أو مرّة للأبدْ.. وإن لم تريدوا بقائي، لا سمح الله، إن شئتم أن يزول البلدْ/ أعدت إلى الشعب ما هبَّ أو دبَّ مِنْ سابق الشعب كي أملك الأكثرية، والأكثرية فوضى/ أترضى، أخي الشعب؟! أترضى بهذا المصير الحقير.. أترضى؟ معاذك!
قد اخترتُ شعبيَ، واختارني الآن شعبي/ فسيروا إلى خدمتي آمنين/ أذنت لكم أن تخروا على قدمي ساجدين/ فطوبى لكم، ثم طوبى لنا أجمعين!
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.