الرئيس السيسي وبوتين يشاركان فى مراسم تركيب هيكل احتواء مفاعل الضبعة    بدء مراسم وضع هيكل الاحتواء لمفاعل الوحدة الاولى بمحطة الضبعه النووية    حزب الجبهة: متابعة الرئيس للانتخابات تعكس حرص الدولة على الشفافية    سعر الدولار يفاجئ الجنيه بارتفاع كبير.. شوف بكام    المؤشر الرئيسى للبورصة يواصل تراجعه بفعل جني أرباح للأسهم القيادية    «الإنتاج الحربي» تتعاون مع «ستارك السويسرية» لتصنيع المحركات الكهربائية    بسبب تراجع الانتاج المحلى…ارتفاع جديد فى أسعار اللحوم بالأسواق والكيلو يتجاوز ال 500 جنيه    محافظ قنا يبحث مع «المصرية للتنمية الزراعية» دعم المزارعين    السياحة العالمية تستعد لانتعاشة تاريخية: 2.1 تريليون دولار إيرادات متوقعة في 2025    وزير الإسكان يستقبل محافظ بورسعيد لبحث استعدادت التعامل مع الأمطار    قائد بالجيش السوداني يدعو إلى المشاركة في الاستنفار الوطني    الدفاع الروسية: قواتنا استهدفت منشآت البنية التحتية للطاقة والسكك الحديدية التي تستخدمها القوات الأوكرانية    رئيس الأركان يعود إلى أرض الوطن عقب مشاركته فى فعاليات معرض "دبى الدولى للطيران 2025"    مجددا.. ترامب مهاجما مراسلة بسبب جيفري ابستين: أنت سيئة .. فيديو    جلوب سوكر 2025.. إنريكي ينافس سلوت على جائزة أفضل مدرب    وزير الرياضة: الطرح الاستثماري يغير خريطة مراكز الشباب    30 ألف مشجع في المدرجات.. الأهلي وشبيبة القبائل في مواجهة مرتقبة    القادسية الكويتي: كهربا مستمر مع الفريق حتى نهاية الموسم    الزمالك يستقر على موعد سفر فريق الكرة لجنوب أفريقيا    هشام يكن: أطالب حسام حسن بضم عبد الله السعيد.. وغير مقتنع بمحمد هاني ظهير أيمن    النيابة تأمر بحبس عاطل حاز ربع كيلو هيروين فى الجيزة 4 أيام    بعد فيديو الاستعراض بالجيزة.. ضبط شابين قادا سيارتين بطريقة متهورة    الطقس اليوم الأربعاء 19 نوفمبر 2025.. ارتفاع الحرارة وتحذير من شبورة كثيفة صباحًا    مقتل 6 عناصر شديدى الخطورة وضبط مخدرات ب105 ملايين جنيه فى ضربة أمنية    ضبط 3 متهمين بقتل شاب لخلافات بين عائلتين بقنا    مصرع 3 شباب في تصادم مروع بالشرقية    الصحة تغلق 11 مركزًا غير مرخص لعلاج الإدمان بحدائق الأهرام    «السياحة والآثار» تبدأ مرحلة تحديث شاملة لمنظومة المخازن الأثرية    نجاح كبير لمعرض رمسيس وذهب الفراعنة فى طوكيو وتزايد مطالب المد    تعرف على أهم أحكام الصلاة على الكرسي في المسجد    إقبال واسع على قافلة جامعة قنا الطبية بالوحدة الصحية بسفاجا    بريطانيا تطلق استراتيجية جديدة لصحة الرجال ومواجهة الانتحار والإدمان    «الصحة»: فيروس «ماربورج» ينتقل عبر «خفافيش الفاكهة».. ومصر خالية تماما منه    المايسترو هاني فرحات أول الداعمين لإحتفالية مصر مفتاح الحياة    مهرجان مراكش السينمائى يكشف عن أعضاء لجنة تحكيم الدورة ال 22    حريق هائل يلتهم أكثر من 170 مبنى جنوب غرب اليابان وإجلاء 180 شخصا    صيانة عاجلة لقضبان السكة الحديد بشبرا الخيمة بعد تداول فيديوهات تُظهر تلفًا    منال عوض تترأس الاجتماع ال23 لصندوق حماية البيئة وتستعرض موازنة 2026 وخطط دعم المشروعات البيئية    مقتل 8 أشخاص جراء الفيضانات والانهيارات الأرضية في فيتنام    أفضل مشروبات طبيعية لرفع المناعة للأسرة، وصفات بسيطة تعزز الصحة طوال العام    اليوم.. أنظار إفريقيا تتجه إلى الرباط لمتابعة حفل جوائز "كاف 2025"    هنا الزاهد توجه رسالة دعم لصديقها الفنان تامر حسني    «اليعسوب» يعرض لأول مرة في الشرق الأوسط ضمن مهرجان القاهرة السينمائي.. اليوم    إطلاق أول برنامج دولي معتمد لتأهيل مسؤولي التسويق العقاري في مصر    وزير الري يؤكد استعداد مصر للتعاون مع فرنسا في تحلية المياه لأغراض الزراعة    ندوات تدريبية لتصحيح المفاهيم وحل المشكلات السلوكية للطلاب بمدارس سيناء    أبناء القبائل: دعم كامل لقواتنا المسلحة    جيمس يشارك لأول مرة هذا الموسم ويقود ليكرز للفوز أمام جاز    المنتخبات المتأهلة إلى كأس العالم 2026 بعد صعود ثلاثي أمريكا الشمالية    مواقيت الصلاه اليوم الأربعاء 19نوفمبر 2025 فى المنيا    بعد انسحاب "قنديل" بالثالثة.. انسحاب "مهدي" من السباق الانتخابي في قوص بقنا    شهر جمادي الثاني وسر تسميته بهذا الاسم.. تعرف عليه    ما هي أكثر الأمراض النفسية انتشارًا بين الأطفال في مصر؟.. التفاصيل الكاملة عن الاضطرابات النفسية داخل مستشفيات الصحة النفسية    أبرزهم أحمد مجدي ومريم الخشت.. نجوم الفن يتألقون في العرض العالمي لفيلم «بنات الباشا»    آسر نجل الراحل محمد صبري: أعشق الزمالك.. وأتمنى أن أرى شقيقتي رولا أفضل مذيعة    دينا محمد صبري: كنت أريد لعب كرة القدم منذ صغري.. وكان حلم والدي أن أكون مهندسة    داعية: حديث "اغتنم خمسًا قبل خمس" رسالة ربانية لإدارة العمر والوقت(فيديو)    مواقيت الصلاه اليوم الثلاثاء 18نوفمبر 2025 فى المنيا....اعرف صلاتك    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الله لا يرحم البعيد
نشر في المصريون يوم 23 - 10 - 2011

أتعجب أنا من العاطفة العمياء التي تحكم كثيرين منا، ولا تفكر مليًّا في أقدار الله تعالى، ولا في استحقاق بعض الناس ما يلحق بهم من الإهانة والنكال (بما كسبت أيديهم)!
فحين كاد مبارك يسقط تعاطف معه كثيرون، وقالوا: غلبان/ ارحموا عزيز قوم ذل/ دا صاحب الضربة المِشْعارِفْ إيه/ دا بطل أكتوبر (ازاي معرفش)/ دا أبونا.. دا راجل كبير يا عيني!
بل وتكونت (جروبات) تدافع عنه، وتعدد مآثره، وأياديه البيض على مصر وأهلها!
لكن الله تعالى الغالب أبى إلا أن يسلط عليه غباء رجاله، كما سلطهم هو على الشعب المشلول، فكانوا - كلما هدأت الأحوال، وبسبب من غرورهم الأعمى - يتصرفون تصرفًا غبيًّا، يشعل الناس غضبًا وثورة من جديد. وتكرر ذلك حتى كانت قاصمة الظهر (معركة الجمل) التي قال الشعب بعدها (ما بدهاش) وأصروا على خلعه، وخلع زبانيته من كبار الإرهابيين (الوطنيين) صناع الفتن والمؤامرات.
وكاد قومنا الطيبون - في لحظة عاطفة - ينسون أنه ورجاله جففوا ينابيع كل خير في البلد: الاقتصاد، والصناعة، والزراعة، والتجارة، والعمق السياسي، ونشروا الفساد، والبيروقراطية، وعذبوا الناس وجوعوهم، وأذل أعناقهم، حتى زاد العوانس عن تسعة ملايين، وحتى تفشت البطالة بشكل لا يطاق، وانتشرت المخدرات، والعنف، والبلطجة، والقتل في الشوارع، والمخافر، ومقار أمن الدولة، والسجون، وكسرت الشرطة إرادة المواطنين لحد غير متصور.. في حين دلل هو وحكوماته وأزلامه إسرائيل، ومكنوا من رقبة مصر كل من لا يذكر اسمه، حتى ميليس زيناوي ورؤساء دويلات القرن الأفريقي! و(هوّ ولا هنا).. عذب - بأمره أو بتواطئه أو بتغافله - وجوع، وأهان، وأذل 85 مليون رجلًا وامرأة وطفلًا!
والغريب أن هناك أصواتًا تعيد الموقف ذاته، وتبكي على جرذ ليبيا قذاف الدم، وتصفه بالوطنية، وحماية بلده اللي كان أهلها ما بيدفعوش كهربا ولا مية (!) الله يهديكم؟
ألهذه الدرجة تَعمى العاطفة فتلغي العقل!؟
أترْثون لذلك الحيوان الذي دك بلده بالطائرات، واستأجر مرتزقة قتلوا وجرحوا أكثر من مائة ألف شخص في الأشهر الفائتة، ودمر بلده تدميرًا يبكى عليه!؟
أتدمعون على ذلك الوحش المنتفخ المنفش المستعلي، الذي يتم أطفالًا، ورمّل نساءً، وأثكل أمهات، ودك مدنًا، وأشعل بالنفط النار يبكى عليه!؟
أترقُّون لذلك الرئيس الوطني الذي هدد شعبه صراحة أنه سيجعلها جهنم الحمر، قرية قرية ودارًا دارًا!؟
أتعطفون على الفرعون الذي احتقر شعبه، وأهانه، وأفقره، وسرق ماله، ومستقبله أربعين سنة مضت، وأربعين سنة قادمة!؟
أتلين قلوبكم لذلك الطاغية الإرهابي الكبير الذي أنجب طاغيته وإرهابيه الصغير سيف الإزلام، الذي كان يخاطب (شعبه) بأصبعه، كأنهم تلاميذ في الروضة، ويهددهم، ويتوعدهم كأنهم محاسيب عند أبيه؟
أتحدبون على الكائن الذي حول ليبيا كلها – البلد النفطي الضخم - عزبة يرتع فيها أبناؤه، وعائلته، ومن اصطفاهم؛ لمساعدته في التفقير والتجهيل، والإرهاب والقمع؟
أليس للمائة ألف قتيل وجريح في ميزانكم حساب؟
أليس لهذه القائمة الطويلة من الخيانة في عدلكم ثمن؟
وهل أنتم أرحم من ربكم الرحمن الرحيم الذي شرع القصاص، وأمر بالعدل!؟
خذوا هذه المعلومة العجيبة:
= لما أراد الله تعالى أن يغرق فرعون مصر عليه لعائن الله، وعاين الأحمق الغبي الموت قال – حين لا ينفع القول -: (آمنت بالذي آمنت به بنو إسرائيل، وأنا من المسلمين) وكأنه الغبي يخادع ربه تعالى، متجاهلًا أنه روع المصريين، وقتل جيلًا من الأطفال الرضع، وقال لشعبه: أنا ربكم الأعلى، وعبَّدهم لنفسه وعائلته، وهامانه، وكهنته، وملئه!
وأثناء غرقه رآه سيدنا جبريل (ملاك الوحي والحياة والرحمة) وهو يحاول أن يسلم وينطق بشهادة التوحيد التي عاش عمره كله يحاربها، فأخذ جبريل طميًا من قاع البحر، وطفق يحشو به فم فرعون؛ حتى لا ينطق بالشهادة، فربما أدركته رحمة الله تعالى! تصور!
في مسند أحمد، والترمذي، وصحيح الجامع، والسلسلة الصحيحة، والنوافح العطرة، وغيرها، بأسانيد صحيحة، عن ابن عباس رضي الله عنه، عنه صلى الله عليه وسلم: (لما أغرق الله فرعون قال: {آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل} قال صلى الله عليه وسلم: قال لي جبريل: يا محمد: لو رأيتني وقد أخذت حالًا من حال البحر فدسيته في فيه؛ مخافة أن تناله الرحمة)!
لا يريده أن يسلم فيُرحم، لبشاعة جرائمه المتراكمة المتطاولة الممتدة الشنيعة!
سبحان الله: جبريل يفعل ذلك، وإخواننا يعتقدون أنهم أرحم من جبريل عليه السلام!
= سيدنا نوح صلى الله عليه وعلى أنبياء الله جميعًا، وسلم تسليمًا كثيرًا يدعو على قومه؛ بعد أن لبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عامًا، فما آمن معه إلا قليل، فقال من قلبه: (رب: لا تذر على الأرض من الكافرين ديارًا. إنك إن تذرهم يضلوا عبادك، ولا يلدوا إلا فاجرًا كفارًا) سيدنا نوح عليه السلام، أحد أهم خمسة رجال في تاريخ البشرية، وأرحمهم، وأبرهم، يدعو على قومه، أن يأخذهم الله أخذ عزيز مقتدر..
وبعض إخوتنا يظنون أنهم أرحم من نوح صلى الله عليه وسلم!؟
= ومحمد صلى الله عليه وسلم الذي بعثه ربه رحمة للعالمين، يدعو على رعل، وذكوان، وعصية، القبائل التي خانت الكلمة، وغدرت بالمسلمين: ففي الصحيحين وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم أتاه رعل وذكوان وعصية وبنو لحيان، فزعموا أنهم قد أسلموا، واستمدوه على قومهم، فأمدهم النبي صلى الله عليه وسلم بسبعين من الأنصار، قال أنس: كنا نسميهم القراء، يحطبون بالنهار، ويصلون بالليل، فانطلقوا بهم، حتى إذا بلغوا بئر معونة غدروا بهم، وقتلوهم، فقنت صلى الله عليه وسلم شهرًا يدعو على رعل وذكوان وبني لحيان، في الظهر والعصر والمغرب والعشاء، في دبر كل صلاة إذا قال: سمع الله لمن حمده من الركعة الآخرة، يدعو عليهم، ويؤمِّن من خلفه!
= ومحمد صلى الله عليه وسلم الذي بعثه ربه رحمة للعالمين، دخل مكة المكرمة فأمّن أهلها كلهم، وعفا عنهم، رغم ما فعلوه به صلى الله عليه وسلم، وبأصحابه رضي الله عنهم من تشريد وتعذيب وقتل ومصادرة وتشويه، وتأليب للعرب عليه، يدخل عام الفتح، وعلى رأسه المغفر، فلما نزعه جاء رجل فقال: يا رسول الله: إن ابن خطل متعلق بأستار الكعبة، فقال صلى الله عليه وسلم: اقتلوه؛ وإن كان متعلقًا بأستار الكعبة!
أنحن أرحم منه صلى الله عليه وسلم؟!
أتعجب والله ممن يرثون لقذاف الدم، ولا يرثون لبحور الدم التي أهرقها، رغم أنه ظل متفرعنًا مستكبرًا لآخر لحظة، يقاتل، ويهدد، ويستأجر، ويرسل مدافعه وراجماته على الناس جحيمًا، ويسلط قناصته لاصطياد رؤوس أهل وطنه، بل أهل مدينته سرت! ولم تظهر منه بادرة ندم، أو إشارة اعتذار، أو علامة تراجع، كما ظهر من صدام مثلا، أو حتى المجرم بن علي الذي قال لشعبه: فهمتكم.. فإن هذا أبى حتى أن يفهم!
ودعني أُجْرِ مقارنة هنا بين قذاف الدم وبين صدام، وكلاهما كان جبارًا عنيدًا عنيفًا، لكن أحدهما استمر جبارًا عنيدًا، في حين لان الآخر وتراجع؛ ما أدى إلى أن يتعاطف معه كثيرون:
= = في آخر سنوات صدام كان قد بدأ يتراجع عن كثير من جبروته، وبعثيته، وحمقه، ويعود إلى دينه، ويتواصل مع العلماء، وأهل الدين، ما أقلق الغرب كثيرًا، وكان من أسباب التعجيل بضربه!
على عكس صاحبنا العقير قذاف الدم، الذي ظل لآخر لحظة - مثل فرعون - مستكبرًا منتفخًا، يهدد ويتوعد!
= = حين أخذوا العقير من ماسورة مجاري الجرذان، قال لهم في ترجٍّ وذلة: يا أولادي لا تقتلوني/ حرام عليكم/ حرام عليكم/ إنتو ما تعرفوا الحرام؟!
بينما رفع صدام رأسه، هازئًا بأولاد الرفضة، الطائفيين الذي كانوا يشمتون به، وكان يهينهم، ولم تطرف له عين، وجهر بلا إله إلا الله محمد رسول الله، سمعتها الدنيا كلها!
وفي المحكمة كان صدام كان جريئًا عزيزًا، لم يرج المحكمة، ولم يذل نفسه لأحد، بل كان يجبههم، ويقارعهم، ويهينهم، ويقرأ في المصحف أمام كاميرات تلفزيونات العالم!
= = وقف العالم كله ضد صدام، بينما وقف العالم كله – حتى بعض الدول العربية – مع العقير، وثبتوه، وشجعوه، وأطالوا أمد فساده، ودماره، تسعة اشهر، وأمدوه بالأسلحة جهارًا نهارًا، ولا عليكم من شغل النيتو الذي دمر البنية التحتية معه، ولا عليكم من الشجب الإعلامي لبعض الأنظمة، التي آوت رجاله وعائلته، وأخفت جرائمه.
= = إسرائيل كانت تخاف صدام، وتأخذ تهديداته بجدية، ولم تدخل العراق إلا بمعونة الروافض، وبعد إعدامه صار الصهاينة يحكمون العراق منذ اللحظة الأولى لغزوها... في حين أن العقير استأجرهم لحمايته، بشكل صريح معلن، سبق أن كتبت عنه!
= = لم يُصحِّر صدام بلده، ولم يغلق الجامعات، ولم يقص أعناق العلماء، بل كانت العراق بلدًا ينتج مئات وألوف العلماء، والأكاديميين، والشعراء، والفنانين.. أما العقير فقد تركها صحراء بلقع، ليس فيها معلم حضاري، ولا جامعة ذات شأن، ولا مدينة متحضرة، ولا قانون أو دستور، ولا شعب كريم مستور!
أيها العاطفيون الباكون على قذاف الدم.. راجعوا أنفسكم من فضلكم!
--------------
في مطلع ثرثرته الشعرية: شاهد على زمن الطغاة: خطب الدكتاتور الموزونة، كتب محمود درويش: .... سأختار أفراد شعبي/ سأختاركم، واحدًا واحدًا/ سأختاركم كي تكونوا جديرين بي/ إذن، أوقفوا الآن تصفيقكم كي تكونوا جديرين بي، وبحبي/ قفوا - أيها الناس - يأيها المُنتقون كما تُنتقى اللؤلؤة: لكلِّ فتىً امرأة/ وللزوج طفلان: في البدء يأتي الصبي/ وتأتي الصبية من بعد.. لا ثالث/ وليعم الغرامُ، على سُنَّتي/ فأحبوا النساء، ولا تضربوهنَّ إن مسَّهُنَّ الحرامُ/ سلامٌ عليكم.. سلامٌ.. سلامُ!
سأختارُ من يستحق المثول أمام مدائح فِكري/ ومن يستحق المرور أمام حدائق قصري/
سأختار شعبًا محبًّا، وصلبًا، وعذبًا/ سأختار أصلحكم للبقاء، وأنجحكم في الدعاء لطول جلوسي/ فتُبّا لما فات من دولٍ مزقتها الزوابعْ! لقد ضقت ذرعًا بأميّة الناس/ يا شعبي الحرّ، فاحرسْ هوائي من الفقراءِ، وسرب الذباب، وغيم الغبار/ ونظِّفْ دروب المدائن من كلِّ حاف، وعارٍ، وجائعْ/ فتُبّا لهذا الفساد، وتُبّا لبؤس العِباد الكسالى، وتُبا لوحل الشوارعْ!
سأختاركم وفق دستور قلبي: فمنْ كان منكم بلا علّة فهو حارسُ كلبي/ ومنْ كان منكم طبيبًا أعيّنه سائسًا لحصاني الجديدْ/ ومنْ كان منكم أديبًا أعيّنه حاملاً لاتجاه النشيد/ ومنْ كان منكم حكيمًا أعيّنه مستشارًا لصك النقود/ ومنْ كان منكم وسيمًا، أعيّنهُ حاجبًا للفضائحْ/ ومنْ كان منكم قويًّا أعيّنهُ نائبا للمدائحْ/ ومنْ كان منكم بلا ذَهبِ، أو مواهب فلينصرفْ/ ومنْ كان منكم بلا ضَجَر ولآلئ فلينصرفْ/ فلا وقت عندي للقمح والكدح.. ولأعترفْ/ أمامك يأيها الشعب يا شعبي المُنتقى بيديّ بأني أنا الحاكمُ العادلُ/ لابد من برلمان جديد، ومن أسئلة: مَنِ الشعبُ، يا شعبُ؟ هل كلُّ كائنْ/ يُسمى مواطنْ؟/ تُرى هل يليق بمَن هو مثلي قيادة لص، وأعمى، وجاهلْ؟/ وهل تقبلون لسيّدكم أن يساويَ ما بينكم، أيها النبلاء، وبين الرعاع اليتامى الأرامل؟/ وهل يتساوى هنا الفيلسوف مع المتسوّل؟ هل يذهبان إلى الاقتراع معًا كي يقود العوام سياسة هذا الوطنْ؟ وهم أغلبيتكُم، أيها الشعب، هم عددٌ لا لزوم له إن أردتُمْ نظامًا جديدًا لمنع الفِتنْ!
إذنْ، سأختار أفراد شعبي: سأختاركم واحدًا واحدًا كي تكونوا جديرين بي، وأكون جديرًا بكمْ/ سأمنحكم حق أن تخدموني/ وأن ترفعوا صوري فوق جدرانكم/ وأن تشكروني لأني رضيت بكم أمّةً لي/ سأمنحكم حق أن تتملوا ملامح وجهي في كلِّ عام جديد/ سأمنحكم كل حق تريدون: حق البكاء على موت قط شريد/ وحق الكلام عن السيرة النبوية في كلِّ عيد!
لكم أن تناموا كما تشتهون: على أي جنب تريدون.. ناموا/ لكم حق أن تحلموا برضاي وعطفي، فلا تفزعوا من أحدْ/ سأمنحكم حقكم في الهواء، وحقكم في الضياء، وحقكم في الغناء/ سأبني لكم جنّة فوق أرضي.. كُلوا ما تشاؤون من طيباتي/ ولا تسمعوا ما يقول ملوك الطوائف عني/ وإني أحذركم من عذاب الحسدْ!/ ولا تدخلوا في السياسة إلا إذا صدر الأمر عنِّي/ لأن السياسة سجني/. هنا الحُكْمُ شورى:/ أنا حاكمٌ مُنتخبْ/ وأنتم جماهير مُنتخبة/ ومن واجب الشعب أن يلمس العتبة/ وأن يتحرى الحقيقة ممن دعاه إليه، اصطفاه، حماه من الأغلبية/ والأغلبية مُتعِبة مُتْعَبَة/ ومن واجبي أن أوافق، من واجبي أن أعارض، فالأمر أمريَ والعدل عدلي، والحق مُلكُ يديّ/ فإما إقالته من رضاي/ وإما إحالته للسراي/ فحق الغضبْ/ وحق الرضا لي أنا الحاكم المُنتخبْ/ وحق الهوى والطرب/ لكم كلكم..
أنا الحاكم الحرُ والعادل/ وأنتم جماهيري الحرّة العادلة/ سننشئ منذ انتخابي دولتنا الفاضلة/ ولا سجن بعد انتخابي، ولا شعرَ عن تعب القافلة/ سألغي نظام العقوبات من دولتي؛ فمن أراد التأفف، خارج شعبي، فليتأفف/ ومن شاء أن يتمرّد، خارج شعبي، فليتمردْ/ سنأذن للغاضبين بأن يستقيلوا من الشعب، فالشعب حرٌّ/ ومن ليس منّي ومن دولتي، فهو حرّ/ سأختاركم واحدًا واحدًا مرّة كل خمس سنين، وأنتم تُزكونني مرّة كل عشرين عامًا إذا لزم الأمر، أو مرّة للأبدْ.. وإن لم تريدوا بقائي، لا سمح الله، إن شئتم أن يزول البلدْ/ أعدت إلى الشعب ما هبَّ أو دبَّ مِنْ سابق الشعب كي أملك الأكثرية، والأكثرية فوضى/ أترضى، أخي الشعب؟! أترضى بهذا المصير الحقير.. أترضى؟ معاذك!
قد اخترتُ شعبيَ، واختارني الآن شعبي/ فسيروا إلى خدمتي آمنين/ أذنت لكم أن تخروا على قدمي ساجدين/ فطوبى لكم، ثم طوبى لنا أجمعين!
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.