ليس غريبًا حين تفلس العقول وتنضب الأقلام ولا تجد ما تضحك به على الناس سوى الابتذال والتفاهة أن تبحث فيما يثير ولا تجد سوى تلك الدمية الساخرة غريبة التكوين والملامح والمدعوة ب "أبلة فاهيتا".. والتي أثارت الرأي العام قبل ثلاثة أشهر تقريبًا. كلنا نتذكر حين قامت شركة الاتصالات فودافون في مصر بنشر إعلان لها في وسائل الإعلام من أجل الترويج لشريحة جديدة للهواتف المحمولة، مستخدمة في إعلانها والذي حمل عنوان "شريحة المرحوم" عن طريق حكاية ساذجة وحوار ساخر لزوجة دمية سميت ب "أبلة فاهيتا" والتي ظهرت عبر الإعلان الترويجي وهي تتحدث على هاتفها المحمول وهى تتساءل حائرة عن شريحة زوجها المتوفي حتى تستعيدها وتستفيد من عروض الشركة الممنوحة لكل من يعيد تشغيل الشرائح المهملة. وعبر المكالمة توضح فاهيتا بشكل ترويجي لأهمية استعادة الشريحة بشكل ساخر مستخدمة ألفاظًا وكلمات تجذب نظر الفئة المستهدفة من الإعلان. ولا ننسى جميعا كيف ظهر أحمد سبايدر، متقدما ببلاغ للنائب العام يتهم فيه فاهيتا تلك بأنها تجهز لتفجير أحد المراكز التجارية الكبرى في القاهرة معتمدًا في بلاغه هذا على تفكيك كلام الدمية الوارد عبر الإعلان. ما أدهشني حينها هو وجود ترحيب كبير من وسائل الإعلام وتحديد فقرات في برامج التوك شو لنقاش ما جاء في الإعلان بل قراءة ما بين سطور كلمات تلك الفاهيتا التي بدت لي وللكثيرين مجرد دمية فجة! ولا أخفي ما أصابني من ألم نفسي حين شاهدت نفس الفاهيتا التي اعترض عليها الإعلام وحلل مضمون إعلانها الإعلاميون، حين شاهدت تلك الدمية عمتسيدة على لوحات الإعلانات الواسعة المضاءة بالنيون في الشوارع، وبجوارها اسم القناة وساعة العرض والجملة فائقة التأثير لمن هم دون السن "للكبار فقط" لينتظرها الصغار قبل الكبار في حالة من حالات التندر والتوجس والترقب. ومن تابع فاهيتا وما تفعله وتناقشه وما تطلقه في برنامجها أو مسلسلها الذي ينتشر كالنار في الهشيم عبر اليوتيوب والفضائيات وصفحات التواصل الاجتماعي وما تومئ به وهى الدمية غريبة الملامح مميزة الصوت، سيدرك تمامًا مدى الانحدار الذي وصلنا إليه، ونتعجب جدا.. ويمكننا أن نستعيد وعينا ونتساءل: هل تستحق هذه الأبلة "والأبلة كان اسما يطلق على المعلمة في المدرسة" والتي قيل عنها من قبل إنها تهدد الأمن القومي، أن تقدم وتناقش قضايا زوجية ومنزلية عائلية خاصة بكل ما يمكن أن تحمله من قضايا حساسة تضر تلك الفئة من الصغار الذين يظلون متسمرين لمتابعتها بسبب أنها "دمية" مجرد دمية ينجذبون إليها لمجرد تشبه دمية طمطم.. أخت بوجي.. وهما الثنائي الرمضاني الشهير المحبب للأطفال؟ متى ستصبح لدينا القدرة على الانتقاء.. حتى لا نضع فئات عريضة من المشاهدين تحت مقصلة التفاهة التي تمثلها دمية الست فاهيتا؟