التهبت أجواء الحالة الإسلامية هذا الأسبوع بسبب مشكلة النزاع بين الداعية السلفي المعروف الشيخ أبو اسحاق الحويني وفضيلة المفتي الدكتور علي جمعة وزاد الأمر سوءا بعد لجوء فضيلة المفتي إلى المحكمة لرد اعتباره حسب تقديره ، بعد أن تعرض له الشيخ أبو إسحاق بكلمات اعتبرها المفتي ماسة بكرامته وتدخل في باب السب والقذف ، ورغم أن الجلسة التي كان من المقرر لها أن تنعقد أمس هي إجرائية ولا تحسم أي شيء وليست جلسة حكم إلا أن الآلاف من السلفيين تظاهروا في مدينة كفر الشيخ انتصارا للشيخ الحويني بعد دعاوى انتشرت في المساجد بطلب مناصرته . الموضوع كله بصراحة شديدة غير لائق ، ويسيء إلى الجميع ، إلى فضيلة المفتي وإلى فضيلة الشيخ أبو إسحاق وإلى التيار السلفي وإلى المؤسسة الدينية الرسمية ، وإلى الحالة الإسلامية في مصر بصفة عامة ، كما أن البلاد في تلك اللحظات الحرجة لا ينقصها المزيد من التوتر والتهييج وافتعال المشكلات ، والإنصاف يقتضي أن ندين كل الأطراف على حد سواء في ذلك الشحن وتلك القضية ، رغم احترامي الكامل لكل الأطراف ، كما أن الحشد السلفي الكبير بشد الرحال إلى المدينة التي كان من المفترض أن تشهد جلسة المحاكمة فيه تجاوز غير محمود ورسالته سلبية جدا للرأي العام . الكلمات التي قالها الشيخ الحويني تعليقا على الدكتور علي جمعة لا ترقى إلى مستوى السب والقذف ، إن لم يكن قانونا فعرفا ، والصحافة المصرية والإعلام المصري مترع بألفاظ وتعبيرات النقد القاسي والجارح بأضعاف ما ذكره الشيخ الحويني ، وأصبح هناك ما يشبه العرف بين المشاركين في الجدل السياسي والفكري في مصر الآن على أن مستوى الخشونة في الحوار والألفاظ زاد بالفعل ، ويحتمله فضاء حرية الرأي والتعبير الآن ، وتتسع له مساحة التسامح والتغافر أو على الأقل التجاوز بين المتحاورين ، ورغم رفضي لما قاله الشيخ الحويني تجاه المفتي بصورة علنية وخشنة جدا ، إلا أني كنت أتمنى أن لا يتوقف عندها رجل في منصب رفيع مثل مفتي الجمهورية ، يقتضي مقامه ومنصبه أن يتعالى على الخصومات الشخصية وخاصة إذا كانت في ألفاظ وتعبيرات من التي يمكن تجاهلها ومرورها دون أن تلفت انتباه أحد . على الجانب الآخر فإن الكلمات التي قالها الشيخ الحويني رغم كل شيء لم تكن موفقة ، وكانت خشنة جدا وجارحة لأي شخص تقال في حقه ، وهو يدرك ذلك بطبيعة الحال ، وإلا ما قالها ، والمفترض أن الدعاة الكبار والمربين في مثل موقعه ومقامه بين طلابه ومحبيه أن يكونوا أكثر تعففا عن استخدام مثل هذه الكلمات ، كما أدعوه ومعه كل أبناء التيار الإسلامي والسلفي خاصة أن يكونوا أكثر ميلا للتهدئة والتسامح مع المخالف هذه الأيام ، من باب الإحساس بالمسؤولية تجاه الوطن ، لأن التوترات فيه أكثر من قدرته على الاحتمال فلا يليق بنا أن نفتح عليه المزيد منها . كذلك أتمنى أن يدرك الدعاة أن الأوضاع تغيرت والظروف تغيرت ، وأن الاشتغال بالعمل العام الآن والسياسي منه بشكل خاص يجعلك مستهدفا في كل حركة وسكنة ، وكل قول وتصريح مهما صغر ، بل إني أعرف أن بعض الصحف ترسل ما يشبه "جواسيس" لها في مساجد شهيرة لتصيد كلمات لبعض الدعاة للتشهير بهم على صفحاتها بعناوين ساخنة ، فعلى الدعاة أن يكونوا أكثر تحوطا في عباراتهم وكلامهم وأقل استرخاءا عند الحديث فيما يتعلق بالشأن العام ، لأنكم دخلتم الآن معتركا صعبا ، فإن لم تقدروا له قدره ، وحكمته ، فسوف تخسرون كثيرا في تلك المعركة وتنزفون الكثير من السمعة والكرامة والهيبة . معرفتي بفضيلة الشيخ علي جمعة تجعلني على يقين من أنه لا يفكر في أن يمضي بالقضية إلى منتهاها ، وحتى لو حكمت له المحكمة بحق في نهاية المطاف فسوف يتنازل عنه ، ولكنه قصد أن يرسل رسالة احتجاج على ما مسه ، وأن ينبه الجميع إلى خطورة استباحة أعراض العلماء ورموز المؤسسة الدينية ، وهو محق في جانب من ذلك بكل تأكيد ، ولكني أدعوه بما عرف عنه من حكمة وذكاء وبعد نظر أن يعلن تنازله عن تلك القضية الشائكة كمبادرة طيبة من فضيلته ، يؤكد فيها على أنه يتسامى على أي خصومة شخصية ، ويؤكد فيها على أن المؤسسة الدينية الرسمية تفتح صدرها للجميع وتتسامح مع الهنات والتجاوزات ، وأرجو أن يكون هناك وسطاء مؤتمنون بين الشيخين الفاضلين ينهيان هذا الفصل المؤسف ، حتى يفرغ الجميع لما هو أهم ، وتتضافر جهود الجميع فيما هو مصلحة أكبر للوطن المقبل على استحقاق تاريخي بانتخابات مجلس الشعب ، والتي يخوض فيها التيار السلفي أول تجربة له في تاريخه بمصر . [email protected]