ما تزال مدينة الرستن، في محافظة حمص، تتعرَّض لحرب إبادة ومجازر بشعة، بعد قصف بالطائرات العسكريَّة واجتياح بالدبابات وضرب بالمدفعيَّة، وهو ما لم يقمْ به النظام السوري دفاعًا عن الجولان المحتل! مجزرة الرستن تأتي بعد سلسلة من المجازر في حماة واللاذقيَّة ودرعا وإدلب وجسر الشغور وريف دمشق ودير الزور والقامشلي، وبعد أن مارس النظام أقصى درجات الفجور من اعتقال النساء واغتصابهن والتنكيل بالمعتقلين وقتلهم تحت التعذيب، وما لا يخطر على بال أعتى النظم الفاشيَّة والنازيَّة التي عرفها التاريخ. بالضرورة، فإن هذا التمادي الإجرامي مع تواطؤ دولي أصبح مفضوحًا، ودور أمريكي وعربي مشبوه بالالتفاف على الربيع الديمقراطي العربي، في سورية واليمن، فإن الثورة السلميَّة تكون قد وصلت إلى طريق مسدود، طالما أنَّ القوة المسلَّحة وآلة القتل والإجرام بيد النظام يوجهها ويستعملها كيفما يشاء. ومع الإحساس بمقدار الألم والحزن وحجم التضحية الإنسانيَّة التاريخيَّة لهذا الشعب البطل المصابر، والشعور بالمرارة من الخذلان العربي والدولي، إلا أنَّ الانجرار تحت وطأة هذه الظروف إلى سيناريو "عسكرة الثورة" (بعد نجاح الثورة الليبيَّة بالتخلص من القذافي) يتطلب تفكيرًا واقعيًّا وعميقًا، في ضوء موازين القوى الحالية، والأخذ بعين الاعتبار اختلاف المصالح الدوليَّة والإقليميَّة بين الحالتين السوريَّة والليبيَّة. ما تزال القوة العسكريَّة بيد النظام، ولديه جهاز أمني أشبه بالأخطبوط يعمل منذ عقود في تفاصيل الحياة السياسيَّة والاجتماعيَّة، بينما أغلبيَّة الشعب السوري قرّروا الابتعاد عن السياسة منذ زمن طويل، مما يعني أنَّ الدخول إلى صدام مسلَّح لن يكون مضمون النتائج والعواقب، بل ربما هو ما يريده النظام ويستدرج الثوار إليه لتبرير مزيد من الإجرام والقتل، كما فعل بحماة قبل عقود من الزمن. إلى الآن، سرّ نجاح الثورة السوريَّة وقوتها في إصرارها على السلميَّة، وهي السمة التي يريد النظام وأعوانه أن يدحضوها، من خلال دعاية المجموعات الإرهابيَّة والمسلحة، التي تشتغل عليها الماكينة الإعلاميَّة الرسميَّة، وهي ذريعتها الوحيدة (داخليًا وخارجيًّا) لارتكاب المجازر الحالية. بالطبع، فإن هذه الدعاية كاذبة وملفَّقة، فكيف إذا تحوَّل العمل الثوري نحو العسكرة؟! هذا لا يعني رفض "عسكرة الثورة" من حيث المبدأ، لكنها وجهة نظر بأنَّ العسكرة حاليًا لن تأتي إلا بما يخدم النظام وفق موازين القوى الحاليَّة والمواقف الإقليميَّة، لكن إذا تغيَّرت هذه الموازين، وحدثت تحولات إقليميَّة تسمح بدعم لوجستي للثورة السوريَّة (إقليميًّا)، وجزء من ذلك مرتبط بنجاح المعارضة بتشكيل مظلَّة سياسيَّة واضحة تمنح رسائل لمرحلة "ما بعد الأسد"، فعند ذلك لكل حادث حديث. بالضرورة، فإن ارتفاع نسبة العناصر المنشقة عن الجيش السوري وتشكيل الجيش السوري الحرّ والضباط الأحرار، كل ذلك سينعكس على وجود "جيوب" لمواجهة الجيش السوري، بخاصة أنَّ هناك ملاحقات وتنكيلا بالمنشقين وعائلاتهم واعتداءا همجيًّا على أقربائهم. إلا أنَّنا عند هذه النقطة تحديدًا بحاجة للتمييز بين الثورة المدنيَّة السلميَّة الواضحة والناصعة أمام العالم، وبين العناصر المنشقة داخل الجيش (وهي اليوم بالمئات إن لم تكن بالآلاف) التي تدافع عن نفسها وعن المدنيين، وهذا ما لا تتحمل "الثورة السلميَّة" تبعاته ومسئوليته بل النظام نفسه، لأنَّ هؤلاء في الأصل جنوده، الذين رفضوا الخضوع لأمر إبادة المدنيين، وهو تمييز ضروري لحماية عنوان الثورة وتجنيبها عواقب أكثر قسوةً لو حدث الخلط. المصدر: الإسلام اليوم