يعتقد اللاجئ الفلسطيني "حيدر"، أنّه لا فرار من الموت هذه المرة، داخل مخيم اليرموك في سوريا، وهو يرى من "نافذته" مجموعة من الملثمين يرمون بثلاثة رؤوس مقطوعة في أحد الشوارع، بعد أن تم فصلها عن أجسادها. ويبدو الوضع في الوقت الحالي، "مرعبا"، كما يقول حيدر (45 عاما)، بل ويفوق مأساة الحصار الخانق المستمر منذ نحو أكثر من عامين، والذي أدى بحسب إحصائيات أممية إلى وفاة 200 شخص من أهالي المخيم، نتيجة سوء التغذية ونقص الأدوية. ويضيف حيدر (اكتفى باسمه الأول) لوكالة الأناضول، عبر برنامج "سكايب" على الإنترنت، إن مأساة أهالي مخيم اليرموك، نتيجة الحصار والتجويع وانتشار الأمراض، لا تكاد تذكر أمام ما يرتكبه مسلحو تنظيم "داعش" من "جرائم". ومنذ نحو أسبوع، دخل مسلحو تنظيم "داعش" مخيم اليرموك (جنوبي العاصمة السورية دمشق) ، ما أدى إلى اندلاع اشتباكات بينهم وبين تنظيم يتواجد في المخيم، يدعى "كتائب أكناف بيت المقدس"، وسيطر التنظيم بحسب أرقام منظمات حقوقية دولية على أكثر من 80% من مساحة المخيم(البالغة 2,1كم2). ويتابع حيدر:" لا يمكن وصف حال المخيم، وبشاعة ما يجري، الموت في كل مكان.. كنا نموت جوعا خلال العامين الماضيين، الآن نموت ذبحا، أو حرقا، كنا نسمع عن الرؤوس المقطوعة أو نقرأ عنها، اليوم بتنا نراها في شوارع المخيم". ويسعى حيدر هو وزوجته وأربعة من أطفاله إلى الفرار من المخيم، قبل أن يتحول إلى ضحية جديدة، كما يقول. وهربت 500 عائلة (نحو 2500 شخص) من مخيم اليرموك وفق مصادر فلسطينية، وتوزع أفرادها في أحياء مجاورة للمخيم وخاضعة لسيطرة قوات النظام. غير أن حيدر لا يبدو واثقا من إمكانية هروبه ونجاته من الموت مستدركا :" الوضع سيء جدا، هناك داعش، والبراميل المتفجرة التي يلقيها النظام، ورصاص الاشتباكات". وحتى من بقى داخل المخيم، ولم تستهدفه نيران الصراع، فإنه سيموت جوعا فما من شيء ليأكله أو يشربه كما تقول الناشطة داخل المخيم "ربى عبد الفتاح". وتضيف عبد الفتاح (26 عاما) لوكالة الأناضول "عبر شبكة الإنترنت"، إنّ مئات الأسر الفلسطينية اللاجئة، عاجزة، عن الحصول على مصادر الغذاء والدواء والمياه. وتضيف:" المشاهد مروعة، الشوارع تكتظ بمسلحي داعش، والكل يخشى على نفسه، ورؤية الرؤوس المقطوعة، بثت الرعب في نفوس أهالي المخيم، وأفقدتهم الشعور بأي شيء". وبحسب الناشطة، فإن مسلحي داعش، قاموا منذ اقتحامهم المخيم الأسبوع الماضي، بذبح واعتقال عشرات اللاجئين الفلسطينيين، واصفة ما يجري ب"العمل الوحشي". ولا تتوقف غارات قوات الحكومة السورية، الجوية، وما تلقيه من صواريخ وبراميل متفجرة على أماكن تواجد التنظيمات المعارضة داخل المخيم، كما تقول عبد الفتاح. وتتابع:" تحول المخيم إلى ساحة حرب، وغابة من الاقتتال، يدفع ثمنها اللاجئ الفلسطيني، الذي لم يعد يعرف كيف سيموت، من داعش، أو براميل النظام، التي تحرق أجساد الأطفال، أو من الحصار والجوع". ومن تبقى داخل المخيم، يقبع في ظل خوف شديد، داخل منزله منتظرا "مصيره" كما تؤكد عبد الفتاح، ويقبع المحاصرون في بيوتهم، أو أماكن اللجوء داخل المخيم في ظل "الخطر الدائم"، وغياب المساعدات الغذائية والإنسانية. وتقول وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" إنها تقف عاجزة عن تقديم المساعدات لأهالي مخيم اليرموك، في ظل استمرار الاشتباكات بين التنظيمات المسلّحة داخل المخيم. وبحسب "أونروا"، فإنّ عدم توفر المياه الصالحة للشرب، ونفاد الغذاء والدواء، يهدد أرواح من تبقى داخل المخيم، ويجعل الوضع مزرٍ ومرشح للتدهور الحادّ. ويزداد الوضع الإنساني في مخيم اليرموك سوءا يوما بعد آخر، كما يقول أحمد حسين، المدير التنفيذي لمجموعة "العمل من أجل فلسطيني سوريا". ويضيف حسين في اتصال هاتفي مع وكالة الأناضول، إنّ كارثة اليرموك بفعل الاشتباكات و"مجازر داعش"، بالتزامن مع الجوع ونقص الأدوية بلغت أقصى مداها. ولأنهم عرضة الموت "ذبحا" أو "جوعا"، يهرب اللاجئون الفلسطينيون من المخيم، وبحسب حسين، فإن إجمالي من تبقى من سكان المخيم يقدر بنحو 16 ألف فلسطيني بينهم 4 آلاف طفل، يعيشون أوضاعا قاسية وصعبة. ويضيف حسين إن العائلات المتبقية داخل المخيم، تعيش في ذعر شديد، وأن "الوضع الحياتي والمعيشي مأساوي". ولا تجد العائلات المتبقية داخل المخيم، وفق حسين، ما تأكله، أو تشربه، أو ما يعينهم على البقاء "أحياء". وكان نصف مليون فلسطيني يعيشون في مخيم اليرموك قبل بدء الصراع السوري في 2011، وبعد أن تعرض للحصار منذ أكثر من عامين إضافة إلى "القصف اليومي"، فر ما لا يقل عن (185 ألفا) من أهالي المخيم بحسب الشبكة السورية لحقوق الإنسان، إلى مناطق أخرى داخل سوريا، أو اللجوء إلى دول الجوار. ويؤكد حسين، أن مخيم اليرموك الذي يعتبر من أكبر المخيمات الفلسطينية، تحول إلى مخيم يسكنه "الموت" و"الأشباح"، مؤكدا صعوبة إحصاء عدد اللاجئين الذين سقطوا ما بين قتيل وجريح. وقال إن الأرقام الأولية تشير إنه خلال أسبوع قتل نحو 30 فلسطينيا من داخل اليرموك، فيما اختطف أكثر من 200 آخرين، وسقط العشرات جرحى. وتابع:" الأيام القادمة ستكشف عن بشاعة وحجم الفاجعة في مخيم اليرموك، وما خلفتها الاشتباكات الدائرة هناك، والثمن الذي يدفعه اللاجئون الفلسطينيون نتيجة الصراع الدائر في سوريا". ودخل الصراع في سوريا عامه الخامس، حيث خلّف نحو 200 ألف قتيل، بحسب إحصائيات الأممالمتحدة، وأكثر من 300 ألف قتيل، بحسب مصادر المعارضة السورية، فضلًا عن أكثر من 10 ملايين نازح ولاجئ داخل البلاد وخارجها.