لم تكن دعوة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين زعماء حركة حماس لزيارة موسكو أكثر من تكتيك سياسي وخطوة جريئة، تأتي في إطار محاولة موسكو استعادة دورها في المنطقة. فروسيا التي ابتعدت عن المنطقة سنوات طويلة وجدت صعود حماس السياسي فرصة مواتية اليوم للعودة إلى الأضواء بقوة لأسباب عدة، أولها الرغبة في مناكفة الأمريكيين عبر خصم واشنطن المتمثل في حماس، وثانيها الرغبة في تحريك مبادرة سلام ما تحرك المياه الراكدة في عملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين منذ سنوات. روسيا قرأت المشهد بشكل جيد وتحركت سريعا لا تحجز لها موطأ قدم في الشكل الجديد للمنطقة معلنة انتهاء عهد الوصاية والاحتكار الأمريكيين، والحقيقة أن ثمة حسابات كثيرة تسددها روسيالواشنطن من خلال هذه التحركات المزعجة، ليس أقلها الرد بالمثل على تمدد الهيمنة الأمريكية في المنطقة الروسية. هي إذا مبادرة اغتنام الفرصة في ظل غياب المبادرين، أحسن بوتين التقاطها ليثبت عجز أمريكا عن قيادة المنطقة وقيادة عملية السلام فيها، وهي رسالة ود وتقرب من العرب والمسلمين في ظل الحراك السلبي الذي يشهده العالم الغربي ضد الإسلام عموما على خلفية أزمة الرسوم الكاريكاتيرية المسيئة للرسول عليه الصلاة والسلام. فلاديمير بوتين رجل واقعي جدا أدرك أن الزمن أضحى زمن حماس، وأن الوقت وقتها، فبادر للتذكير للدور المحوري الذي من الممكن أن تسهم به موسكو لتعيد عهد الأقطاب المتعددة إلى الساحة, لكن التكلفة المترتبة على دعوة بوتين هذه تبدو باهظة الثمن بالنظر إلى ردة فعل كل من "إسرائيل" والولاياتالمتحدة الغاضب على دعوة قادة حماس إلى روسيا. ومع ذلك فجر بويتن قنبلة أكثر إثارة بالحديث عن أن حركة حماس لا يمكن وصفها بأنها منظمة "إرهابية" بعد اليوم وهي تصريحات تخفي حقيقة تحولا جذريا في نظرة الغرب للحركة، قد ينسحب لاحقا على مواقف عدة دول أوروبية كانت حتى عهد قريب تصنف الحركة في خانة الإرهاب .. والموقف هذا إن تم فانه يشكل محاصرة لجهود الولاياتالمتحدة ضد ما تسميه الإرهاب. في قراءة مغايرة لدعوة بوتين لزعماء حركة حماس، يرى البعض أن الأمر لا يمكن إلا أن يكون بترتيب أمريكي روسي, مرده عدم رغبة واشنطن التفاوض مباشرة مع حركة حماس لتغيير برنامجها، وحاجتها إلى وسيط ما، لا يمكن أن يكون أفضل وأقرب وأكثر قبولا لدى الشرق الأوسط من روسيا التي ترتبط بعلاقات طيبة مع معظم الدول العربية، وهي التي نأت بنفسها حتى اللحظة عن قضية الإساءة للرسول الكريم بل ووقفت موقفا ايجابيا باستنكار الإساءة وإدانتها. مهمة روسيا بحسب هذا الرأي هو الجنوح بالحركة نحو تغيير جذري في خطابها وبرنامجها السياسي وصولا إلى الاعتراف ب"إسرائيل"، والجلوس معها إلى طاولة مفاوضات، وهو أمر لا نستطيع أن نجزم بمدى تحققه. إن الجرأة الواضحة التي اتسم بها التحرك الروسي، ربما تكون غير مكلفة في نهاية المطاف، لكنها تعكس بصورة واضحة رغبة بوتين في دعم صورته وصورة روسيا خلال عام مهم، تتولى فيه روسيا رئاسة مجموعة الثماني للدول الصناعية الكبرى. لكن الأكثر إثارة، ما كشفه بوتين على نحو مفاجئ من وجود اتصالات روسية قائمة بالفعل مع حماس، الأمر الذي يكشف مدى تطور العقلية السياسية للحركة، وإدراكها للمتغيرات عبر توسيع اتصالاتها الدولية تحضيرا على ما يبدو للحظة تسلمها السلطات! خطوة بوتين المفاجئة أعادت، لفترة قصيرة، إلى الأذهان ذكريات الحقبة السوفيتية حين استغلت موسكو دورها كراع رئيسي لحركة فتح بزعامة الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات في ذلك الوقت في مواجهاتها مع الولاياتالمتحدة إبان الحرب الباردة، عقب انهيار الاتحاد السوفيتي في عام 1991، وخاصة عقب إقامة عرفات علاقات مع الغرب اقتصر دور موسكو في عملية السلام في الشرق الأوسط على وجود رمزي فقط. المصدر : العصر