لأكثر من ثمان ساعات متواصلة، عقد مجلس الأمن الدولي، جلسة مناقشات مفتوحة بشأن حماية الأطفال في مناطق النزاع المسلح، مع التركيز على ضحايا الجماعات المسلحة في بلدان مثل سورياوالعراقونيجيرياوجنوب السودان. وبالرغم من أن فرنسا، وهي الدولة الداعية لعقد الجلسة، والتي تتولى أيضا رئاسة أعمال مجلس الأمن لشهر مارس/آذار الجاري، أعلنت في بداية الجلسة التي عقدت مساء الأربعاء بتوقيت نيويورك، أنها لا ترغب في صدور أي بيانات أو قرارت خلال النقاش، إلا أن غالبية الدول الأعضاء بالجمعية العامة التي حضرت الجلسة، تحدثت عن ضرورة التوصل إلى أسس دولية واضحة تكفل الرد السريع والمباشر على الانتهاكات الجسيمة ضد الأطفال من قبل الجماعات المسلحة. الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون أكد في بداية النقاش خلال الجلسة أن الجماعات المسلحة، وخص بالذكر "داعش" في كل من العراقوسوريا، وبوكوحرام في نيجيريا، هي أكثر الجماعات التي ترتكب الانتهاكات الجسيمة ضد الأطفال. وقال كي مون مخاطباً ممثلي الدول الأعضاء المشاركين في النقاش "إن الأساليب التي تتبعها جماعات مثل داعش وبوكو حرام لا تميز بين المدنيين والمقاتلين إلا بشكل محدود". واعتبر الأمين العام أن تلك الجماعات "لا تمثل تهديدا للأمن والسلم الدوليين فحسب، ولكنها أيضا عادة ما تستهدف الفتيات والفتيان، ولا توجد أية قضية يمكن أن تبرر مثل تلك الأفعال"، حسب تعبيره. وقدّر بان كي مون أعداد الأطفال الذين يعيشون في مناطق تشهد صراعات مسلحة بأكثر من 350 مليون طفلا، من بينهم 15 مليون طفلا تأثروا بشكل مباشر من أعمال العنف المسلح في مناطق الصراع.
ودعا إلى تكثيف الجهود والتعاون لحماية هؤلاء الأطفال، وقال إن على الدول الأعضاء مسؤولية تحتم عليها اتخاذ كل التدابير اللازمة لكفالة حقوق الأطفال.
ومن جهتها أكدت ليلى زروقي الممثلة الخاصة للأمين العام والمعنية بالأطفال والصراعات المسلحة، على ضرورة تحديد تدابير للضغط على الجماعات المسلحة الرافضة للانخراط مع الأممالمتحدة في مجال حماية الأطفال.
وحذّرت زروقي خلال حديثها خلال الجلسة مما وصفته ب"الأيديولوجيات المتطرفة التي ترفعها تلك الجماعات (كداعش في سورياوالعراق وبوكو حرام في نيجيريا) بعد سيطرتها على مساحات واسعة من الأرض، وإزالة الحدود، واعتماد أساليب تتزايد وحشيتها، واستغلال وسائل التواصل الاجتماعي لتجنيد أعضاء جدد ونشر أعمالها الوحشية".
وشدّدت على ضرورة وضع تدابير للضغط على الجماعات الرافضة للانخراط مع الأممالمتحدة في مجال حماية الأطفال، من أجل دفع تلك الجماعات إلى وقف الاعتداءات ضد الأطفال.
وتركزت كلمات مندوبي الدول العربية في الجلسة على خطورة ترك مصير الأطفال في يد الجماعات والتنظيمات المسلحة الإرهابية في العراقوسوريا وليبيا، وكذلك في الصراع الدائر منذ ديسمبر/كانون الأول 2013 في جنوب السودان، فضلا عن معاناة الأطفال الفلسطينيين من جراء الاحتلال الإسرائيلي.
وفي إفادته أمام المشاركين في أعمال جلسة المجلس، طالب ممثل دولة فلسطين الدائم لدى الأممالمتحدة السفير رياض منصور مجلس الأمن الدولي ب"عدم نسيان أطفال فلسطين الذين يعانون ويلات الاحتلال منذ 70 عاماً".
وقال منصور إن القوات الإسرائيلية قامت خلال اعتدائها الأخير على قطاع غزة في شهري يوليو/تموز وأغسطس/اب الماضيين بمهاجمة أكثر من 279 مدرسة و75 مركزا صحيا، والاف المنازل في قطاع غزة، ما أسفر عن مقتل أكثر من 500 طفل دون سن الثامنة عشر.
وحدّد السفير الفلسطيني 3 خطوات رئيسية، قال إنه يتعين على مجلس الأمن اتخاذها من أجل حماية الأطفال الفلسطينيين، أولها وضع إسرائيل على قائمة الدول التي ترتكب بشكل مستمر انتهاكات جسيمة ضد الأطفال، وثانيا مطالبتها باطلاق سراح جميع الأطفال المحتجزين في سجونها، وثالثا إدخال المساعدات إلى قطاع غزة ورفع الحصار المفروض عليها منذ عام 2007.
من جهته، المندوب الإسرائيلي الدائم لدي الأممالمتحدة السفير رون بروسر رفض بشدة كلمة السفير الفلسطيني، وتحدث في إفادته أمام المشاركين في الجلسة عن ما أسماها "المعاناة المستمرة للأطفال الإسرائيليين الذين يتعرضون لهجمات بالصورايخ الفلسطينية المنطلقة من قطاع غزة".
وتحدثت المندوبة الأردنية الدائمة لدى الأممالمتحدة السفيرة ينا قعوار عن وسائل تنظيم "داعش" لضم أكبر عدد ممكن من الأطفال إلى صفوفه.
وقالت في جلسة المجلس إن "المجموعات المسلحة المتطرفة تقوم بارتكاب أبشع الجرائم والانتهاكات بحق الأطفال وتعمد إلى تعريضهم إلى مشاهد العنف الذي تمارسه وتحثهم على ممارسته والمشاركة فيه".
وأضافت بأن "داعش" الإرهابي قام مؤخرا بفتح مراكز متخصصة لتجنيد الأطفال بشكل منظم ومنهجي بهدف ترسيخ عقيدة وأفكار التنظيم المتطرفة في عقول الأطفال.
أما مندوب سوريا الدائم لدى الأممالمتحدة السفير بشار الجعفري، فجدد اتهاماته للدول المجاورة لسوريا بتقديم الدعم المالي واللوجستي لتنظيم "داعش" وجبهة النصرة، بما يساعد في نهاية المطاف بتجنيد مزيد من الأطفال وضمهم للقيام بأعمال إرهابية في سوريا.
وقال الجعفري في جلسة النقاش حول الأطفال والصراعات المسلحة، إن "مواجهة الفكر الجاهلي المدمر لا يمكن أن يتم إلا من خلال اقتلاع جذوره بشكل جماعي، ووقف سياسات حكومات الدول الراعية للإرهاب ومساعدة الحكومة السورية على إعادة تأهيل الأطفال المتضررين وإدماجهم في المجتمع".