منظمات حقوقية: التنكيل بالمرأة أداة الاحتفال بها فى أعيادها الصباغ.. دماء أريقت غدرًا على أسفلت التحرير..نعمة للقاضى: اعدمونى وريحونى.. و«صيصة» و«سميرة» نساء بمائة راجل
«لن أسميكِ امرأة.. سأسميكِ كل شيء»، جملة حملت كل معاني أهمية المرأة، لعل محمود درويش أثرى مكانتها لكونها هى الأم والأخت والابنة والصديقة والزوجة والمناضلة، التى دائمًا تكون السند حتى فى أزمات البلاد، ليخلد مارس ثلاث ذكريات للمرأة أثبتت فيها جدارتها وكفاءتها فى كل نواحي الحياة، حيث يضم شهر مارس ثلاثة أعياد يحتفل بها فى مصر والعالم، لكن رغم كل ما مرت به المرأة قديمًا لإثبات وجودها إلا أن الأعياد أقيمت، كي تتذكر المرأة أنه تم إلهاؤها بأعياد بدلًا من إعطائها حقها، ليس مساواتها بالرجل، لأنه هنا تعد المساواة فى الظلم عدلاً، لكن على الأقل ألا يتم تجاهلها حيث يجب إشراكها فى كل مجالات الحياة.. تمر الأيام ويمر مارس "يوم المرأة العالمي" ومن بعده "يوم المرأة المصرية" وينتهي ب"عيد الأم"، ما يدل على مكانة المرأة وأهميتها لذلك كل ما تتمناه:"حياة كريمة، صون عرضها وحمايتها من سطو الرجال وعادة السلطة". المرأة مثل العُشب الناعم ينحني أمام النسيم ولكنه لا ينكسر للعاصفة، بل تمر العاصفة وهى الثابتة التى لن تقتلع، خلقها الله من ضلعٍ أعوج ولم يخلقها ليمسها الاعوجاج تكريمًا لما تتحمله، هذا ما فعلته نساء فضلن ألا ينحنين لحياة لم تكن لهن، فخرجت الآلاف من النساء منذ عقود تحديدًا عام 1856 فى مظاهرة، بسبب المعاملة التى يتم التعامل بها معهن، رغم أن الأمر وضع على جدول أعمال السياسيين فى ذلك الوقت بعد محاولات وحشية لتفريق التظاهرة إلا أن الأمر وضع قيد التنفيذ فى 8 مارس 1909، فى نيويورك بأمريكا، مما دفع الأوروبيين بالاتفاق على "يوم عالمى للمرأة" تكريمًا لها. سنة 1977 عندما أصدرت المنظمة الدولية قرارًا يدعو دول العالم إلى اعتماد أى يوم من السنة يختارونه للاحتفال بالمرأة، فقررت غالبية الدول اختيار الثامن من مارس، وتحول بالتالي ذلك اليوم إلى رمزٍ لنضال المرأة تخرج فيه النساء عبر العالم فى مظاهرات للمطالبة بحقوقهن ومطالبهن، حتى أصبح اليوم احتفالًا رغم أن بلدانًا كثيرة تفقد فيها المرأة هويتها قبل حقوقها. ويأتي يوم المرأة المصرية وهو 16 مارس أيضًا، ذكرى خروج أول مظاهرة نسائية، تقودها «ناعمة الأظافر» فى 1919؛ حيث أثبتت المرأة المصرية وجودها وأنها جزء لا يتجزأ من المجتمع المصري، لذا اتُخذ من هذا التاريخ عيدًا لاستقلال المرأة المصرية قبل أى عيد، كل عام وأنت مصرية الأصل، معدنك ثوري وقلبك حامل حب يملأ الكون حنانًا ويفيض. عيد ذكرى ثورة المرأة المصرية ضد الاستعمار ونضالها من أجل الاستقلال، واستشهاد السيدة حميدة خليل، أول شهيدة مصرية من أجل الوطن، حين خرجت لتطالب بحق بلادها فى الحرية والكرامة، وتم اختيار هذا اليوم، نظرًا لما يحمله من إنجازات عظيمة للمرأة ونضالها ضد الاستعمار، وقد تظاهرت فى هذا اليوم أكثر من 300 سيدة بقيادة هدى شعراوى فى مسيرة ضخمة، شاركت فيها زوجات السياسيين المصريين، وطالبات مدرسة السنية الثانوية للبنات، رافعات شعار الهلال مع الصليب، تأكيدًا للوحدة الوطنية التى تعتنقها مصر حكومة وشعبًا، وتجمعن أمام بيت الأمة يهتفن للزعيم سعد زغلول. واستمرارًا لتخليد التاريخ، 16 مارس ولكن عام 1923 دعت هدى شعراوي، لتأسيس أول اتحاد نسائي مصري للمرأة وكان هدفها هو تحسين مستوى تعليم المرأة وضمان المساواة الاجتماعية والسياسية، وضرورة حصول المصريات على حق التعليم العام الثانوي والجامعي، وإصلاح القوانين فيما يتعلق بالزواج ومحاربة الخرافات، بعد القيود التى فرضتها العادات والتقاليد آنذاك. بدأ الاحتفال بعيد الأم فى مصر بتاريخ 21 مارس 1956، تقرر ذلك بعد أن قامت إحدى الأمهات بزيارة للراحل مصطفى أمين فى مكتبه وقصت عليه قصتها وكيف أنها ترمَّلت وأولادها صغار، ولم تتزوج، وكرّست حياتها من أجل أولادها، وظلت ترعاهم حتى تخرجوا فى الجامعة، وتزوجوا، واستقلوا بحياتهم، وانصرفوا عنها تمامًا، فكتب مصطفى أمين وعلى أمين فى عمودهما الشهير "فكرة" يقترحان تخصيص يوم للأم يكون بمثابة يوم لرد الجميل وتذكير بفضلها.
المرأة.. ومازالت الانتهاكات مستمرة بدلاً من أن تحتضنها "عائلتها" لتحتفل بعيدها السنوي فى جو أسرى يملؤه الحب والرعاية والاحترام، نجد أن المئات من النساء المعتقلات تقضين عيدهن بين جدران السجون المصرية فى مشهد هو الأسوأ فى تاريخ "حرية المرأة"، فأكثر من 235 امرأة تم اعتقالها على أيدي قوات الأمن ومورست ضدهم شتى وسائل التنكيل والتعذيب من اغتصاب وكشوف عذرية على يد السجانين أو رجال الأمن، والذى يدل على مدى القهر والظلم وضياع الحريات الذي تعانى منه المرأة المصرية فى وطنها. وهذه نماذج بدلاً من أن تكرم على جهودها فى النهوض بالمجتمع تم اعتقالها وتعذيبها بل وقتلها لمجرد التعبير عن رأيها ورفضها الانصياع وراء الظلم. 24 يناير 2015، "شيماء الصباغ" الناشطة العمالية والحقوقية التى لا تكل ولا تمل من العمل لخدمة وطنها، تحمل مثل غيرها من شباب الثورة هموم الوطن رغم صغر سنها، وحلم التغيير الذي طالما حلمت به منذ ثورة يناير، فى لحظة تختفي بسمتها الهادئة التى لا تفارق وجهها بل أي مقدمات وبسرعة تخطف طلقات الداخلية تلك العصفورة الرقيقة وتلطخها بالدماء بمنتهى الوحشية والهمجية، تلفظ الشهيدة أنفاسها الأخيرة فى ميدان طلعت حرب. عقاب قاسٍ استحقته شيماء؛ لأنها حملت إكليل الورود فى يدها مع زملائها من أعضاء حزب التحالف الشعبى الاشتراكي الذين أرادوا أن يضعوه على النصب التذكاري لشهداء ثورة يناير بميدان التحرير لتعود دماء السيدات إلى الشارع من جديد. "اعدمونى وريحوني" بهذه الكلمات الغاضبة وقفت على عتبات منصة العدالة باكية، أجهشت بالبكاء تشتكى ما حلّ بها من ظلم وسجن وإهانة، ما جعلها تستعطف القاضى ليحكم بموتها لعله يكون نهاية لمأساتها، وقفت على بعد خطوات من آيات العدالة القرآنية المعلقة على الحائط "وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل".. تعلقت عيناها بتلك الآية وهى ترجو القاضى بصوتها المتهدج: "أنا عملت إيه علشان أتعامل المعاملة دي؟ احكم علىّ بالإعدام ولا يوم واحد فى السجن". وأجاب صوتها الباكي من فوق منصته العالية: "بلاش أفلام عربي.. مش عاوز أسمع كلام تاني". المفاجأة الأكثر عصفًا من رد القاضى على بكاء الفتاة، أن نعمة سيد، والمتهمة بالقضية المعروفة إعلاميًا ب"أحداث مجلس الوزراء"، من مواليد 25 يناير 1997، وكانت لم تبلغ 15 سنة وقت الأحداث محل النظر، وهو ما دفع المحكمة بعد ما يزيد على ثلاث سنوات إلى إحالتها إلى محكمة الأحداث لاتخاذ الإجراءات المناسبة.
عندما تنتصر النساء نساء من طراز مختلف تجتمع فيهن صفات اندثر منها العديد فى زمننا هذا "القوة والعطاء والتضحية والحب والحنان"، بمائة راجل أبسط لقب ممكن أن تمنحه فرغم المشاكل والظروف الصعبة إلا أنها ست الستات الست المصرية، التى تصنع ظروفها بدلاً من أن تستسلم لها "بيتها وأولادها ومستقبلهم هو همها الوحيد الذي تهون معه أى تضحية ويصغر أمامه أى مجهود، لا تخاف تهديدًا ولا يرجعها وعيد فهدفها واضح أمام عينيها وطريقها تقطعه بكل صبر وجلد.. كثيرات يتخذن كقدوة فى الكفاح وكثيرات كن شركاء فى الثورة والأكيد أنهن لن يفقدن عزيمتهن ولن يضعف إيمانهن بأنفسهن.
«صيصة» امرأة تنكرت بزى رجل لمدة 40 عامًا صيصة جابر أبو دوح النمر حسانين من محافظة الأقصر، سيدة بسيطة تنكرت فى زى رجل لمدة 40 عامًا لخدمة أسرتها، تبلغ من العمر 65 عامًا، بدأت قصة كفاحها حيث توفى زوجها وتركها وهى حامل فى ستة أشهر، ودفعتها ظروف الحياة الصعبة وقسوتها إلى التخلي عن أبسط حقوقها كامرأة مما اضطرها لحلق شعرها لمدة 43 سنة، وتنكرت فى زى الرجال بسبب العادات والتقاليد التى تمنع عمل السيدات بمهن الرجال، كما عملت فى ظروف لا تليق بالسيدات فى أعمال البناء، وصناعة الطوب اللبن وحصاد القمح والمدافن. وبعد سنوات من التعب قررت العمل كماسحة للأحذية بجانب الكشك لتوفير الاحتياجات، وتزوجت الابنة ورزقت بخمسة أبناء، والأم هى التى تقوم بالإنفاق على ابنتها وزوجها، حيث إنه مريض ولا يقوى على العمل وأحفادها يساعدونها فى البيع بالكشك، ولم ترتدِ زى النساء سوى عند أدائها لعمرتين تبرع لها من أهل الخير، وهى ما زالت تكافح من أجل ابنتها وأحفادها.
سميرة: عملت بمهنة الخياطة رغم ضعف بصرها "سميرة فرحات" والتي حصلت على المركز الأول على مستوى الجمهورية فى الأم المثالية، فتلخص قصة كفاحها فى أنها تزوجت من رجل يكبرها ب40 عامًا، ولديه خمسة من الأبناء، وكانت تبلغ من العمر (16) عامًا، وأنجبت ابنتها الأولى ثم رزقت بالابن الثانى ورحل زوجها بعد إنجاب الابن الأصغر ب6 أشهر، وبدأت رحلتها فى الكفاح وعمرها لم يتجاوز 20 عامًا، وباع أبناء الزوج نصيبهم من الميراث فانفصلت عنهم وكان دخل الأم 61 جنيهًا من معاش السادات وقطعة الأرض وبيت متهالك مغطى بالجريد والبوص، كما أرسلت أبناءها إلى الكتاب لحفظ القرآن، حيث ختمته الابنة وهى بالصف الأول الإعدادي وختمه الابن فى الصف الثالث الإعدادي. وفكرت الأم فى دخل إضافي يساعدها على متطلبات الحياة فعملت بمهنة الخياطة أو ما يسمى ب"التكفيف"، وكانت تتقاضى جنيهًا ونصف الجنيه على كل جلباب تنتهي من عمله وكانت تمارس عملها على لمبة الجاز، وبعد 13 عامًا أعادت بناء البيت ووصلت الكهرباء والمياه وتفوق الأبناء فى الدراسة، وأظهروا نبوغًا وزادت عليها المصروفات واضطرت لترك عملها بسبب ضعف بصرها تدريجيًا، واتجه الابن للعمل الطلابى وكان طالبًا مثاليًا على مستوى المحافظة وأمين اتحاد طلاب المدارس والتحق بكلية الطب البشرى والابنة بالسنة النهائية بكلية طب الأسنان.