(1) عنوان خبر في جريدة الشروق (وزير الإسكان: قُل «مركز إدارى» وليس عاصمة جديدة). وداخل الخبر: قال وزير الإسكان والمجتمعات العمرانية الدكتور مصطفى مدبولى إنه " لا يوجد شىء اسمه العاصمة الجديدة بل المركز الإدارى الجديد " !!. (الشروق 23/3/2015) [ هلا قلت هذا لرئيسك الذي أطلق عليها هو وإعلامه (العاصمة الجديدة) ] ؟!!.
(2) و في ذات اليوم بل ذات العدد من الجريدة تجد الآتي: كشفت مصادر بوزارة النقل، عن مد مسار القطار الكهربائى فى شرق القاهرة ليصل إلى (العاصمة) الإدارية (!!)، المقرر إنشاؤها وفقا لما أعلنه الرئيس عبدالفتاح السيسى فى المؤتمر الاقتصادى الذى تم عقده بمدينة شرم الشيخ الأسبوع الماضى، بدلًا من مدينة العاشر من رمضان، التى كانت تعتبر المحطة الأخيرة فى مسار القطار، وفقا للمخطط الذى تم إعلانه مسبقًا. (الشروق 23/3/2015).
(3) الأعجب من ذلك حديث وزير الإستثمار في ذات اليوم والذي أكد على كونها عاصمة جديدة، وذكر أشياء بالغة الدلالة: (أن العاصمة الإدارية الجديدة سيتواجد بها سكن لكل المصريين سواء من حيث متوسطى ومرتفعى الأجور) !!. يبدو أن أحدًا لم يخبر السيد وزير الإستثمار أنه ليس (كل المصريين) من متوسطي أو مرتفعي الأجور !!!، وأن أغلب المصريين الآن أو نصفهم على الأقل من محدودي الدخل، وبالتالي فليس لهم مكان في عاصمة الرئيس وجنته الموعودة.
(4) وذكر وزير الإستثمار أنه (لن يكون فيها مكان للعشوائيات)، والمعنى واضح، لنترك القاهرة والمدن الأخرى تغرق في مشاكلها لنركز الأضواء على عاصمة جديدة براقة من الخارج تكون هي الواجهة المحسنة لمشاكل لن نستطيع حلها في العاصمة العتيدة !.
(5) إذًا لقد إتضحت الرؤية الأيديولوجية للعاصمة الجديدة، وكما ذكرت في المقالة السابقة فإن تغيير العواصم يرتبط دومًا بنقلات تاريخية مفصلية ولا يأتي عشوائيًا أبدًا، وهو يكاد يكون الأمر الوحيد في تاريخ مصر الذي لم تطاله العشوائية – على الأقل حتى الآن – فقد كانت عواصم مصر الفرعونية معبرة عن الإنتقالات بين العهود المختلفة، من عاصمة الدولة القديمة في منف وما جاورها، مرورًا بالدولة الوسطى وأوائل الدولة الحديثة في طيبة، ثم نقلها إخناتون في عهده إلى المنيا لتعبر عن سياسته وديانته الجديدة، وترك طيبة غير الموالية له، ثم مع عهد الرعامسة إنتقلت شمالًا لتتوسط الإمبراطورية، ثم في عهد الإحتلال اليوناني والروماني أصبحت الإسكندرية هي العاصمة حيث يسهل التواصل مع عواصم الإحتلال، حتى إذا جاء الإسلام عادت العاصمة لموضعها الأول، ولم تنتقل منه عبر الحقب الإسلامية المختلفة، فهو موضع مشبع بالثقافة الإسلامية، تمامًا مثلما الأقصر محملة بالطابع الفرعوني، والأسكندرية بالطابع اليوناني الروماني فإن القاهرة محملة بطابع الثقافة الإسلامية، فما أن تذكر القاهرة إلا ويذكر الأزهر والحسين والسيدة وخان الخليلي وجامع عمرو والغورية، وما من مكان في القاهرة إلا وتخترقه مآذن مدينة الألف مئذنة، حتى أحياؤها القريبة العهد مثل مصر الجيدة ومدينة نصر طبعت بنفس الطابع ذي الجوامع الكبيرة، ، وهي مدينة جميع طوائف ومكونات الشعب، أحياء الأغنياء والفقراء متلاصقة في كثير من المواضع.
(6) والآن يريد الحاكم أن ينقل العاصمة إلى مكان آخر بعيد عن تلك المؤثرات الثقافية، فهذا يناسب ثورته الدينية المذكورة، ويريده مكانًا مقصورًا على مرتفعي ومتوسطي الدخول كما ذكر وزيره، فلا مكان في العاصمة لمحدودي الدخل، فهي عاصمة الأغنياء وأتباعهم ومحاسيبهم ومن يدور في فلكهم، عاصمة رجال الأعمال ومدرائهم التنفيذيين ومساعديهم ومعاونيهم ومرؤوسيهم، الطبقات الجديدة وتوابعها التي ستتغذى على دماء مصر بالأمر المباشر في عهد الأمر المباشر سياسيًا وإقتصاديًا.
(7) وبالتالي فقرار العاصمة الجديدة ليس قرارًا عبثيًا، وإنما يعكس توجهًا ثقافيًا وأيديولوجيًا وسياسيًا وإقتصاديًا لا يخفى، العاصمة الجديدة البراقة يراد لها أن تكون دبي الجديدة أو تحاكيها في بعض أوجهها، وكالعادة فنحن في الغالب لا نحاكي فيما هو جيد من أوجه المحاكاة، بل نختار أسوأ أوجه المحاكاة !!، فدبي فيها ما فيها من الخير والشر، وقد عشت فيها سنوات ورأيت وسمعت ووعيت، ومما كان شديد الملاحظة في دبيالمدينة العربية (الإسلامية) شديدة الثراء المادي أن عدد جوامعها الكبرى أقل من المتوقع بالنسبة لمدينة شديدة الثراء !!، على العكس من مدينة (الشارقة) الملاصقة لها والأقل ثراء ومع ذلك تزدان بجوامعها الكبيرة في مواقع الصدارة منها، وبينما الشارقة الحديثة أيضًا لم تتنكر لطابعها الإسلامي فإن دبي لا تحفل به كثيرًا، ولقد أقمت عامًا في أحد أحياء أطراف دبي إسمه المدينة العالمية، يحتوى عدة أحياء، الحي الإنجليزي والحي الفرنسي والحي الروسي والحي المغربي..إلخ، ولم ينسوا في هذه المدينة أي شيئ إلا المساجد !!، تذكروا بعد بناء المدينة أنها لا تحتوي مسجدًا واحدًا !!، وأن أقرب جامع يقع خارجها !!، ويبدو أنهم لم يتوقعوا أن يسكنها المسلمون !!، فلما إستأجرت مئات الشركات شققًا لموظفيها وكثير منهم مسلمون وأدركوا المشكلة قاموا في كل حي بإحضار كرافانات وتحويلها لمصليات، في كل مقطع أو مقطعين سكنيين كرافان كمصلى وكرافان للوضوء !.
(8) ولقد لاحظ الكثيرون أن ماكيت العاصمة الجديدة والذي يظهر الأبراج الفارهة والستاد خلا من وجود أي أثر لجوامع كبيرة !!، فهي عاصمة المال والبريق، البعيدة عن مؤثرات عاصمة الألف مئذنة، العاصمة الجديدة هي مدينة (معابد المال)، بعيدة عن القاهرة مدينة الجوامع والإسكندرية عاصمة المعابد الإغريقية ثم كرسي الكرازة، وطيبة عاصمة الفراعنة، العاصمة الجديدة للإغنياء وثورتهم الدينية الجديدة ومعابدهم المالية وأتباعهم ومواليهم.
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.