رسائل قصيرة إلى أغنياء مصر

منذ عدة سنوات كنت في زيارة لمدينتي القاهرة. وقفت على ناصية الشارع الذي أقيم به انتظارا لقدوم أحد الأصدقاء. توقفت أمامي أحد الحافلات الصغيرة التي تنقل الناس بالأجرة. تدافع الناس للركوب وما أن انتهت المعركة وهم السائق بالرحيل حتى سمعت المحصل يصرخ به وهو ينظر إلى الامام: هات الجنيه ده هات الجنيه ده. اعتقدت أن جنيها سقط منه في غمرة الزحام ولكن عندما أمعنت النظر وجدت المحصل يشير إلى رجل يجري بسرعة لللاحق بالحافلة. توقف السائق وقفز الجنيه أقصد الرجل إلى داخل الحافلة.
وهكذا تم اختزال الانسان الفقير إلى مجرد جنيه يجري على الأرض أو جنيه "صاحي"

بعد دقائق حضر صديقي في سيارته حيث دعاني إلى الغذاء معه في نادي الجزيرة بحي الزمالك أجمل أحياء القاهرة ومعقل أغنياء مصر. في هذا النادي ترى المشاهير والوزراء والممثلين ورجال الاعمال وكبار اللصوص وحثالة الاعلاميين.
هنا لا توجد جنيهات فكة مثل جنيه الحافلة الذي كنت معه منذ قليل ولكن توجد كروش تكاد ان تنفجر من جراء امتلائها بكل خيرات مصر وليتها تشبع أو حتى تبالي بالعالم الآخر خارج أسوار النادي. ولا يعني كلامي هذا أن كل الأعضاء هكذا فالنادي يضم أيضا صفوة من أبناء الأسر العريقة والوطنيين الشرفاء ولكنهم اليوم يمثلون أقلية الأعضاء.

مفارقة القاهرة هذه تراها في كل الدول العربية التي زرتها جميعا حيث تزداد الهوة بين من يملكون كل شيء والمعدمين بشكل مضطرد وهو ما يؤدي إلى نهاية واحدة وإن تشعبت مسالكها وهي اليأس والاحباط ثم التطرف والعنف وعدم الاستقرار.

وهو ما أوعز الي بكتابة هذه السطور القليلة إلى الأغنياء اللئام.

· أنت ثري وغني حقا عندما تمتلك شيئا لا يستطيع مال الدنيا أن يشتريه. وأنت تعرف ما هو هذا الشيء.
· احترام الأنسان لذاته واحترام الآخرين له لا يأتي من أصوله المالية وعقاراته ولكن من سمعته الطيبة.
· إذا دعتك قدرتك المالية على استغلال ونهب الضعفاء، فتذكر أن ضميرك لن يرحمك وإنك لن تستطيع أن تهرب منه إلى الأبد. وتذكر أن الانحدار من القمة يكون عنيفا ومؤلما جدا عكس الصعود اليها تماما.
· نعم إذا لم تكن لنفسك فلمن تكون ولكن إذا كنت لنفسك فقط، فأنت غير ضروري لهذا العالم وما أنت إلا فقير يملك مالا.
· قيمة الانسان ليست بقدر ما يملك فقط ولكن بقدر ما يعطي وثروتك لا قيمة لها إذا لم تتقاسم بعضها مع المعدمين.
· دعك من الادعاء بأنك تعطي في الخفاء عملا بمقولة أن ما تعطه اليد اليمنى لا ينبغي أن تراه اليد اليسرى لأن من يعطي ومن لا يعطي يمكن ان يدعي هذا.
· أعط في النور واعط من يستحق بحب وإخلاص ورغبة في العطاء حتى يراك الآخرون ويحتذوا بك ونتسابق جميعا في الخير ومد يد العون للمحتاجين وضحايا نظام الحكم السائد في مصر منذ أكثر من ستين عاما.

أعط دون انتظار لأي مقابل.

مستشار اقتصادي مصري
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.