في 19 نوفمبر 2002 نشرت لي صحيفة الجزيرة السعودية مقالا يرصد أول حالة أمركة الكرة الأرضية قاطبة واتساع مفهوم العولمة الأمنية حدثت على أرض باكستان في حالة هي الأغرب في العلاقات بين الدول، فقد قام "مير إيمال كانسي" باكستاني الجنسية في 25 يناير 1993 بفتح نيران سلاحه الآلي على باب مدخل وكالة المخابرات الأمريكية في ولاية فيرجينيا وقتل اثنين من موظفي الوكالة وهرب بعدها لمسقط رأسه باكستان متواريا في بلدته عن أعين الامريكان ومحتميا بأهله ودولته، ظنا منه بتفكيره المحدود وفي ظل المفهوم القديم للأمن انه في مأمن عن ملاحقتهم، وبعد سلسلة من التحقيقات والتحريات توصلت المخابرات إلى شخصية الفاعل وتحديد جنسته، ثم تعقبت تحركاته بعد سفره لباكستان وتمكنت من تحديد بلدته وأين يقطن؟ وفي لحظة خاطفة هبطت طائرة تحمل رجالا من قوات المارينز في موقع قريب ثم اقتحمت مسكنه واقتادته من بين اهله وجيرانه الى واشنطن، وتمت محاكمته وصدر عليه حكم بالإعدام وسط معارضة إسلامية شديدة أبدت فيها سخطها ولعنتها على حالة التجاهل الأمريكية لسيادة الدول والاتفاقيات الأمنية وانتهاكها مجالاتها دون إذن او حتى تنسيق مسبق وفي منتصف نوفمبر 2002 نفذ فيه الحكم. لم تكن حالة"كانسي" هي الوحيدة لفرض الهيمنة الأمريكية على البسيطة بل كررت نفس التجربة بنفس المواصفات وعلى تلك البقاع ، إذ شهد العالم أجمع الرئيس أوباما وهو يجلس مع أركان ادارته يطالعون شاشة عرض تنقل إليهم على الهواء مباشرة عملية اقتحام مسكن رئيس تنظيم القاعدة أسامة بن لادن ومقتله ونقل جثمانه الى الولاياتالمتحدة والقائها في البحر . وشملت الأمركة بقاع كثيرة ودول عديدة تجلت بوضوح في البوسنة والهرسك وكوسوفو وشاركت في الاطاحة بأنظمة مناوئة لها من خلال تسويق نظرية الفوضى الخلاقة في القارات الثلاثة اوروبا وآسيا وافريقيا وجارتها أمريكيا الجنوبية ووصل بها التبجح الى الذهاب واختطاف الرئيس البمني مانويل نورييجا من قصر الرئاسة والزج به داخل السجون الأمريكية. الحادث الذي استدعى تلك الأحداث وساقنا الى اجترار الذكريات المؤلمة لبيان تثبيت واقع الهيمنة الأمريكية على العالم هو قتل القيادى فى تنظيم القاعدة باليمن أنور العولقي في غارة جوية لطائرة أمريكية بدون طيار في جنوب اليمن، العولقي ولد في نيومكسيكو، وكان يعمل بالوعظ في مسجد فرجينيا قبل أن يغادر الولاياتالمتحدة إلى اليمن ليصبح وجهاً معروفا من وجوه القاعدة في جزيرة العرب، ذلك التنظيم الذي يعتبر الأكثر نشاطا من بين التنظيمات التي ارتبطت بالقاعدة.. في هذا الحادث لم يكن المحتجون عليها هم المسلمين وحدهم، بل شاركهم الرفض والاستنكار والشجب الشعب الأمريكي نفسه باعتبار العولقي مواطناً أمريكياً لا يجوز اغتياله دون محاكمة وتحقيق. ذلك الحادث ذكرني بنصيحة خالصة أسداها لي صحفي سعودي لفرط حبه لي وقت اقامتي بالمملكة"ابعد عن انتقاد سياسات الولاياتالمتحدةالأمريكية في المنطقة العربية ومعها اسرائيل، لقدرتها على اختطافك من بيننا ولن يعترض عليهم أحد أو يوقف مساعهم في خطفك الى واشنطن ومحاكمتك هناك". إلى هذه الدرجة تمكنت الآلة الإعلامية الامريكية الجبارة من تسويق مفهوم اليد الطولي الامريكية التي تطول أي شخص او نظام لن ترضى عنه أو يناوئ سياستها وتمكنت من اقناع ساسة ونخبة بقدرة الأمن القومي الامريكي الذيبلغ مداه أطراف الأرض وقلبها، وقدرته على تطبيق القانون الأمريكي على سكان الأرض وما يحدث حاليا من اختراقات لسيادة الدول إلا واقع تريد فرضه الإدارة الامريكية على الجميع. رضا محمد العراقي [email protected]