من قوانين المادة في الكون والاجتماع الإنساني: أن الضغط يولّد الانفجار؛ وأن لكل فعل؛ رد فعل؛ مساوٍ له في المقدار؛ ومضاد له في الاتجاه. وتخبرنا طبائع الشعوب: أن الشعب المصري صبور وحمّال لدرجة تطمع الحاكمين في صبره؛ لكنهم يغفلون أنه إذا غضب فإن انفجاره لا يُبقي ولا يَذَر. وتخبرنا طبائع العسكر: أنهم ماضون على نهج مبارك؛ حذو القَذّة بالقَذّة؛ حتى لو دخل حجر ضب لدخلوه معه. وهكذا هي طبائع الاستبداد ورحم الله الكواكبي. "قليل جدًا ومتأخر جدًا" هذا أقل ما يوصف به رد فعل المجلس العسكري على جمعة "استرداد الثورة" وتلك الخطوة الاستباقية التي قام بها من دعوة 13 حزبا من الأحزاب السياسية لاجتماع طارئ يوم السبت الماضي تذكرنا بردود فعل مبارك الذي لم يكن يتحرك إلا يوم الأربع أو الخميس مستبقا الجُمَع المليونية الحاشدة. ونظرة فاحصة على الموقّعين على البيان الذي خرج به ذلك الاجتماع ترينا أن المجلس ما دعا إلا تلك الأحزاب والقوى السياسية التي أدمنت التفاوض واللعب تحت الطاولة؛ ولم يدع أصحاب الثورة الحقيقيين؛ ممن باتوا في الميادين وممن تعرضوا لرصاص القناصة الغادر وهم ينادون: سلمية سلمية؛ وممن وقفوا يوم أن هجمت عليهم البلطجية بالخيل والجِمال والسيوف. دعا من وقف متفرجا على دماء الضحايا تسيل؛ ومن عارض الثورة متذرعا بثوب الحكمة الكاذب؛ ومن اعتبرها خروجا على الحاكم الشرعي وولي الأمر. دعا من فاوض واستعذب التفاوض ومن استجدى الشرعية من نظام فقد كل أثر للشرعية. عجيب أمر هذا المجلس "الحَسْبِي" يمارس وصاية على شعب أذهل العالم بثورة نقية بيضاء كالثلج؛ وصاية ما ادعاها مبارك لنفسه. وأعجب منه أمر نخبة سياسية أدمنت الفشل وتغذّت عليه فصار داءها ودواءها. لا تعرف غيره ولا تتقن غير أدوار الكومبارس والهتيفة. المفاوضون من موقع الهزيمة ولا يستلهمون روح ثورة عظيمة وعزيمة شعب أراد الحياة فاستجاب القدر. نخبة قبلت من المجلس مجرد إعادة النظر في مشاكل هو من خلقها؛ وإزالة عراقيل هو من وضعها ابتداءً! (كما تقول أختنا الكريمة الدكتورة هبة رؤوف عزت). نخبة وقعت على أوراق وتعهّدات لم يوقع هو (أي المجلس) عليها ولا تعهّد أمامها بشيء. "مجرد وعد بدراسة" هل هناك هوان أشد من هذا؟ ذلك ما يمكن أن نخرج به من يقرأ نتائج اللقاء الذي تم بين السيد/ الفريق سامي عنان رئيس أركان حرب القوات المسلحة ونائب رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة وعدد من رؤساء الأحزاب يوم 1/10/2011. فمن يقرأ البيان قراءة فاحصة يهاله ما خرجوا به من ترتيبات واتفاقات تصب أغلبها في صالح المجلس؛ أما ما كان من المفترض أن يأخذوه أو يأخذه الشعب فغاية ما خرجوا به أن المجلس "وعد بدراسته" أي أنهم أعطوه نقدا (مقدما) ما يريد؛ أما هو فقد أعطاهم تسويف "وعدهم بدراسة ما يريدون". فعلا نخبة سياسية تجاوزها الزمن (طبعا أستخدم كلمة نخبة من باب الاصطلاح الدارج وليس من باب الحقيقة وإلا لو كانت هذه نخبتنا فبئست النخبة هي؛ وبئس الناس نحن). كان هدف اللقاء الحديث بخصوص بعض القضايا الهامة: الجدول الزمني للفترة الانتقالية؛ وقانون الانتخابات وقانون الطوارئ وقانون العزل السياسي؛ والحالة الأمنية. من يقرأ النتائج بتمعن وروّية يجد أن أغلب من جلس هذه الجلسة لم يكن أمينا مع مطالب الناس ولا حتى صادقا في التعبير عنها. كانوا يفكرون في الانتخابات والمقاعد؛ وليس في بناء دولة عصرية تستهدف تنمية البشر والحجر. صحيح: آن الأوان ترحلي يا دولة العواجيز؛ هؤلاء الذين أدمنوا لعب عسكر وحرامية وبعضهم يعيش دور العسكر وبعضهم يعيش دور الحرامية؛ ولا تدري أيا منهم الصداق من الكاذب. من يراهن على أن الشعب انصرف إلى شأنه الخاص أو في أحسن الحالات تشغله المطالب الفئوية يكون قد أساء الظن بالشعب الذي خرج مصرًا على مدار أيام الثورة كلها على إسقاط النظام. يا من تضغطون على الشعب: الضغط يولّد الانفجار؛ خاصة إذا ضغطتم عليه بشكل فيه استفزاز كامل لكرامته ولحريته ولأهداف الثورة التي خرج من أجلها؛ وضحى في سبيلها. كلمة أخيرة: ثورة (اجتماعية وسياسية) شاملة أم حركة احتجاجية (هوجة)؟ تلك هي المشكلة: فبينما يرى ال 80 مليون مصري أنهم قاموا بثورة عظيمة طالبت بالحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية؛ يتصور بعض قادة المجلس العسكري أن ما حدث هو (حركة احتجاجية "هوجة") أو في أحسن الحالات "حركة مطلبية" لهم أن ينفذوا ما يصلح منها (حسب وجهة نظرهم طبعا) بجدول زمني هم واضعوه. إن الفرق بين ما يريد الشعب (الذي أسقط النظام؛ أو إن شئنا الدقة رئيسه فقط) وبين تصور بعض قادة المجلس العسكري هو الفرق بين الثورة وبين محاولات الإصلاح الجزئي على بعض الصُعُد. وصدق من قال: إن نصف ثورة معناه موت كامل.