جاءت مظاهرات المغرب الأخيرة لتؤكد على إصرار الشعب المغربي على إصلاحات حقيقية وتغيير حقيقي، وهي المظاهرات التي دعت لها حركة 20 فبراير وتأتي استكمالا لمظاهرات دعت لها حركات سياسيَّة أخرى مثل العدل والإحسان وغيرها من الحركات الأخرى وأبرز مطالبها تتلخص في المطالبة بإصلاح سياسي حقيقي ومحاربة الفساد وعدالة اجتماعيَّة وغيرها من المطالب الأخرى، وتعدّ هذه المظاهرات استمرارًا لمظاهرات سابقة منذ فبراير الماضي، وحاول النظام الملكي في المغرب احتواء هذه المظاهرات بالإعلان عن تعديلات دستورية، إلا أنها قوبلت بالرفض من جانب عدد من القوى السياسيَّة، والتي وصفتها بالناقصة، مطالبة بإصلاحات جوهريَّة على أن يتحول النظام السياسي في المغرب إلى ملكيَّة دستوريَّة كما هو الحال في الملكيات الأوروبيَّة مثل هولندا وغيرها، ويبدو أن السجال سيستمر بين معارضة تطالب بملكيَّة دستوريَّة ونظام ملكي يحاول تفادي الصدام وتجنب مصير الأنظمة السياسيَّة بمصر وتونس وليبيا. وفي هذا السياق تظاهر خلال الأيام القليلة الماضية آلاف المغاربة في عددٍ من المدن بينها الدارالبيضاءوالرباط، بدعوة من حركة 20 فبراير، مطالبين بإصلاح سياسي أعمق ومكافحة الفساد وعدالة اجتماعيَّة أوسع وسط دعوات لمقاطعة الانتخابات البرلمانيَّة المقبلة. واعتبرت وداد ملحاف عضو تنسيقيَّة الرباط في حركة 20 فبراير، أن زخم المظاهرات المطالبة بإصلاحات سياسيَّة يزداد عمقًا. وقالت ملحاف: إن هناك تجاوبًا أكبر مع دعوات الحركة إلى التظاهر، خاصةً في الأحياء الشعبيَّة، حيث تحدثت الناشطة المغربيَّة عن مطالب المحتجين، ومن بينها حلّ الحكومة والبرلمان والإفراج عن السجناء السياسيين، معتبرةً أن السلطة في المغرب تحاول الهروب إلى الأمام حين ترفض الاستجابة إلى مطالب المحتجين. وقالت حركة 20 فبراير -التي تشكَّلت في ذروة الاحتجاجات الشعبيَّة التي انطلقت من تونس وعمت دولا عربيَّة أخرى: إن خمسة عشر ألف شخص احتشدوا في الدارالبيضاء، في حين قدَّرت الشرطة عدد المتظاهرين بخمسة آلاف فقط. وفي العاصمة الرباط تظاهر نحو ألفي شخص، كما تظاهر آلاف في مراكش وطنجة حاملين شعارات ضد الفساد والاستبداد. وتتلخص المطالب الأساسيَّة للاحتجاجات الشعبيَّة في ضرورة إقرار دستور ديمقراطي, وحلّ الحكومة والبرلمان الحاليين, وتشكيل حكومة مؤقتة, فضلا عن إقرار قضاء مستقل, ومحاكمة المتورطين في الفساد, ووضع حدّ للبطالة، خاصةً بين حاملي الشهادات العليا، كما طالبت بالاعتراف بالأمازيغيَّة لغة رسميَّة, وإطلاق جميع المعتقلين السياسيين. كما طالب المحتجون بحلّ الحكومة والبرلمان والعيش بكرامة في مغرب حرّ ديمقراطي، وصياغة دستور جديد للمملكة يتمّ بموجبه فصل السلطات, وانتخاب الحكومة من قِبل الشعب, وإقامة الملكيَّة الدستوريَّة على غرار الديمقراطيات العريقة واكتفاء المؤسسة الملكيَّة بدورها الرمزي فقط. وقال بعض المنظمين للاحتجاجات إن "الفجوة بين الحاكم والمحكوم اتسعت والثقة أصبحت منعدمة"، والحل "بإصلاح ديمقراطي عميق وعاجل ينهي الاستبداد وحكم الفرد المطلق ويلبي حاجات ومطالب الشعب". كما ندَّد المحتجون بانتهاكات الحقوق المدنيَّة والاقتصاديَّة والاجتماعيَّة والثقافيَّة بالمغرب، وكذلك أعمال التعذيب من قبل الأجهزة الأمنيَّة والمسئولين في الدولة، وطالبوا بإطلاق سراح المعتقلين السياسيين، وإغلاق السجون السريَّة، واحترام سلطة القضاء واحترام الحقوق والحريات، والمطالبة بإجراء إصلاحات اقتصاديَّة واجتماعيَّة. طالب المتظاهرون بإعادة الثروات المهربة، وتحسين الوضع المعيشي للمواطنين, وإقرار مبادئ العدالة الاجتماعيَّة، حيث رفع المتظاهرون شعارات مثل: "نريد إنهاء الرشوة" إضافة إلى شعارات تطالب بإنهاء الفساد. وكان محمد زيان الناشط في مجال حقوق الإنسان قد طالب الملك محمد السادس في وقتٍ سابق بإجراء إصلاحات سياسيَّة جوهريَّة، وحذَّره من أن مصير الحكم كله معرض لتكرار نماذج الثورات الشعبيَّة التي أسقطت أنظمة الحكم في تونس ومصر، وأكَّد زيان أن الديمقراطيَّة الليبراليَّة باتت قدرًا تاريخيًّا لا تستطيع أي دولة عربيَّة الوقوف في وجهها، وقال: إن الديمقراطيَّة في الوطن العربي "واجب لا رجعة عنه، وهذا أمر مرتبط بالتاريخ، والتاريخ لا يرحم، وكل من يتعنت سيواجه مصير الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك ونظيره التونسي زين العابدين بن علي". وقال أسامة الخليفي، وهو أحد مسئولي "حركة 20 فبراير": "لقد قرَّرنا التظاهر سلميًّا من أجل الكرامة وللمطالبة بإصلاحات سياسيَّة عميقة". وكان آلاف المغاربة شاركوا في مسيرات انطلقت منذ الساعات الأولى من صباح يوم التظاهرات في 60 مدينة مغربيَّة بدعوة من حركة شبان العشرين من فبراير، ومشاركة عدد من منظمات المجتمع المدني، والأحزاب السياسيَّة. ورفع المتظاهرون لافتاتٍ تطالب بتحويل نظام الحكم بالمغرب إلى الملكيَّة البرلمانيَّة، ودسترة فصل السلطات، وحل الحكومة والبرلمان وتغيير الدستور الحالي، وإقرار مبادئ العدالة الاجتماعيَّة واحترام حقوق الإنسان والحريات. كما طالب المتظاهرون في العاصمة الرباطوالدارالبيضاء وطنجة وأغادير بإطلاق سراح المعتقلين السياسيين، وإغلاق السجون السريَّة، واحترام سلطة القضاء، و"إعادة الثروات المهرَّبة إلى الخارج". واعتبر عضو المجلس الوطني لدعم حركة 20 فبراير محمد العوني أن المسيرات جاءت لتؤكد المطالب التي تتمثل بالملكيَّة البرلمانيَّة، واكتفاء المؤسسة الملكيَّة بدورها الرمزي فقط. واعتبر المتظاهرون أن مبادرة الملك محمد السادس بالإعلان عن تشكيل لجنة لتعديل الدستور لا ترقى إلى مستوى المطالب التي رُفعت خلال المظاهرات التي شهدتها البلاد في 20 فبراير الماضي. وشارك في المسيرة جماعة العدل والإحسان، وأحزاب يساريَّة، إضافة إلى أعضاء من حزب العدالة والتنمية رغم تأكيد الحزب على عدم مشاركته بشكل رسمي في المسيرات، وهو الأمر الذي أدى إلى استقالة قياديين في الحزب من الأمانة العامة للحزب قبل أسابيع، ورغم مشاركته بالحكومة المغربيَّة، فقد قرَّر حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبيَّة في مجلسه الوطني المشاركة في المسيرات. ورفع المتظاهرون شعار "نريد إنهاء الرشوة" إضافة إلى شعارات أخرى للمطالبة بإنهاء مظاهر الفساد والمطالبة ب "الحرية والكرامة للشعب المغربي". وتفادت قوات الأمن المغربيَّة استخدام العنف مع المتظاهرين واكتفت بمرافقة المسيرات التي تفرق المشاركون فيها بداية من الساعات الأولى للظهيرة بناءً على طلب المنظمين. وكانت منظمة العفو الدوليَّة قد طالبت في وقتٍ سابق قوات الأمن المغربيَّة بتفادي استخدام العنف ضدّ المحتجين. وفي محاولة من النظام المغربي وملكه لاحتواء الأمور والفرار إلى الأمام بحسب وداد ملحاف كان ملك المغرب محمد السادس قد أعلن يوم 9 مارس الماضي إصلاحات دستوريَّة ترمي إلى تخلِّيه عن بعض صلاحياته الواسعة، والحفاظ على استقلال القضاء والفصل بين السلطات، لكن المحتجين يطالبون بالمزيد، كما أنشأ الملك في اليوم التالي لجنة استشاريَّة مكلَّفة بمراجعة الدستور واقتراح تعديلات عليه بحلول يونيو المقبل. كما تَمَّ الإفراج عن 190 معتقلًا سياسيًّا بينهم خمسة من القيادات السياسيَّة أدانتهم محكمة مغربيَّة عام 2009 بتهم تتعلق بما يسمى الإرهاب في قضية "بلعيرج" بعد مطالبات من المجلس الوطني لحقوق الإنسان بذلك، وقال الصحفي عبد الحفيظ السريتي الذي أفرج عنه: إن الإفراج عن المعتقلين السياسيين في ملف بلعيرج لم يكن ليتم دون نضالات هيئة الدفاع ومنظمات حقوق الإنسان وحركة الشعوب العربيَّة التي أسقطت رمزين من رموز الدكتاتوريَّة بالعالم العربي، إضافة إلى نضالات شباب حركة 20 فبراير التي تسعى إلى بناء مغرب حرّ وقوي، على حدّ تعبيره. المصدر: الإسلام اليوم