أجواء سياسية مشحونة بمصر وتحليلات كثيرة وكتابات أكثر - ما رأيكم أن نخرج من هذا قليلاً. إليكم رسالتان في رسالة واحدة . اتصل بي صديقي من مصر عبر برنامج المحادثة ليخبرني بحكاية غريبة حدثت مع ابنته في مدرستها الخاصة التي تدرس بها. البنت المسكينة (أو المفترية) تدرس بالصف الثاني من المرحلة "الكيجيهية" أي أنها في مرحلة "كيه-جي" وأثناء إحدى حصص الألعاب اصطدمت بطفل صغير يدرس معها بالصف (أو لعله بصف أخر) فما كان من الطفل الصغير إلا أن رفع عقيرته وصاح متحدياً : إنت بتضربيني ده أنا حفيد مستر علوي - آه والله العظيم هكذا صاح الصغير متوعداً الفتاة الصغيرة. أما مستر علوي فهو على ما يبدو شخصية قيادية بالمدرسة الخاصة وإلا لما استخدم الصغير اسمه كفزاعة يُخيف بها الكبير قبل الصغير. بصراحة لم أضحك مع صديقي على هذه القصة وكالعادة بدأت أفكر فيها وفي معناها - فهل تعني أن مبارك المخلوع ونظامه قد نجحوا في زرع بذور الفساد فينا للدرجة التي أصبحت (والله أعلم) متوطنة في جينات الصغار ممن مَنَّ الله عليهم فلم يترعرعوا في عهده!؟ أم أن التعليم والأخلاقيات التي أصبح عليها المجتمع أصبحت من الهشاشة بحيث أصبحت المبادئ الأساسية التي يتعلمها الطفل في بيته ومن والديه وقبل أن يخرج للعالم هي مبادئ الاستقواء بالمنصب (للأب أو الأم( وأن عدم احترام القانون (ممثلاً في شخص المدرس) أصبح أساس ما يتعلمه النشأ في بيوت مصر!؟ لقد رأيت بصراحة أن أشرككم في التفكير معي شرط أن يكون كلامكم وتفسيركم للقصة مخففاً فأنا فعلاً أخاف عليكم من حفيد مستر علوي! هذه هي القصة الأولى أما الثانية فهي تتعلق بالمشهد المريع والمزري الذي شاهدناه جميعاً في الجلسة الافتتاحية لمحاكمة المخلوع مبارك ونجله جمال الشهير ب "أبو أصبع" من السادة محامي الشهداء. معذرة لأنني أسترجع معكم حدثاً مر منذ أسابيع ولكنني مضطر لذلك فالمشهد بكل بساطة مرتبط بقضية تشد اهتمامي بشدة وهي قضية التعليم - والتي بعد بحث وتعب اكتشفت أنها قضية تربية وخُلق بالأساس للمدرس والطالب وأهله - أي للمجتمع كله. فالسادة المحامون وهم في ساحة القضاء صدرت منهم تصرفات لن أوضحها ولكنها تدل تماماً على أن مستوى التعليم ومن ثم النظرة العامة للحياة قادهم (قادتهم) إلى الاعتقاد بأن الحياة أصبحت بمنطق الصوت العالي وحب الظهور ومزاحمة الآخرين . رأينا المحامين الكبار من أصحاب الأتعاب بالملايين يترددون ولا يظهرون للرد على محامي المخلوع الشهير بألاعيبه القانونية ورأينا كيف أن التعليم في البلاد قد أدى إلى تخرج الكثيرين ربما محملين بعلوم درسوها لكنها بالتأكيد لم تسهم في كيفية تغيير نظرتهم للحياة وكيفية التعامل معها ومع الآخرين بما يرفع شأن المجتمع. رأينا أيضاً كيف أن تهميش التربية الدينية (والتي تعتبر حصة فراغ) أنتج لنا مواطناً لا يسمع عن الحق والعدل وحقوق الغير إلا في المسجد أو الكنيسة وكأنها جمل من التراث فقدت معانيها وأصبحت كأي عادة قديمة في طريقها للاندثار . وإلا فكيف نفهم عمل اللجان الشعبية وقت الثورة ثم حالة التردي الأمني والخلقي الرهيب بعدها إلا بأنها حالة استنفار للحفاظ على المقومات المادية الشخصية بأكثر منه إيماناً بأهمية عدم انتشار الفوضى في البلد كلها. الموضوع كبير جداً ومتشعب ولا أدعي أنني أملك فيه الحقيقة غير أنني أعرف الآن فقط أن مبارك يؤمن أنه ضمن البراءة - لا لأنه عقد صفقات ما (ربما) مع حكامنا الجدد/القدامى ولكن لأنه ونظامه استطاعوا تدمير المنظومة العقلية والخُلقية المصرية (وقت السلم) والتي كانت أكبر عائق أمامه وأمام غيره. كل عام وأنتم بخير - وربنا يجعل كلامنا خفيف على حفيد مستر علوي! Masry in USA [email protected]