الطريقة التي تعامل بها المهندس ابراهيم محلب رئيس الوزراء مع الوزراء الذين تمت إقالتهم من مناصبهم الأسبوع الماضي تعبر بشكل واف عن حال الإدارة المصرية الآن ، والحقيقة أني لا أخفي تعاطفي مع المهندس إبراهيم محلب الذي وجد نفسه فجأة أمام حمل ثقيل ومسؤولية لم تكن تخطر له على بال ، رئيس وزراء مصر ، وهو رجل اعتاد في حياته دائما أن يكون الرجل الظل في أي موقع ، رجل تنفيذي ، أقرب لشخصية المقاول ، وهو يبذل جهدا ميدانيا حقيقيا كبيرا من أجل أن يفعل شيئا لإنقاذ الوضع ، غير أن المشكلة أنه غير مؤهل سياسيا للقيادة ، والمكان الذي وضع فيه كان خطأ ، كما أن التحدي وطبيعته وطبيعة اللاعبين الأساسيين فيه لا تجعل أمامه سوى مساحة صغيرة من المناورة أو التفكير المستقل . محلب استقبل الوزراء الذين تم عزلهم استقبالا أخويا حافلا ، وأخذهم بالأحضان حسب الرواية الإعلامية الرسمية وأثنى عليهم وعلى وطنيتهم ثناء كبيرا ، ووصفهم بالرجال المخلصين والكفاءات التي تفانت في خدمة وطنها وأنه لم يأخذ على أحدهم تقصيرا ولا انحرافا لا سمح الله وإنما التغيير هو سنة الحياة حسب تعبيره الحرفي وقدم لهم الشكر والعرفان على ما قدموه . المشهد عبث سياسي كله ، وربما يكشف عن أن قرارات الإقالة لم يكن له فيها ناقة ولا جمل ، وأنه ربما فوجئ بها كما فوجئوا هم ، وبالتالي يريد أن يخلي مسؤوليته منها بطريقته العفوية ، لأنه لا يعقل أن يكون هؤلاء جميعا كفاءات عالية ومترعة بالوطنية الخالصة والتفاني في خدمة الوطن ، ثم تقوم بإقالتهم من مناصبهم بعد أقل من ستة أشهر أو تسعة أشهر ، وواحد فقط منهم وزير الداخلية تجاوز العام والنصف ، هذا عبث ، والوزير أو المسؤول الذي تتم إقالته خلال خمسة أشهر أو ستة أشهر هو وزير كارثي ، وبالغ السوء ومتواضع الكفاءة ومهتز الثقة ، لدرجة أنه لا يمكن الصبر عليه أكثر من عدة أشهر وإلا وقعت كوارث في وزارته ، هذه بديهيات سياسية ، ولو كان هؤلاء كفاءات رفيعة كما قال محلب ويحترقون إخلاصا ووطنية وتفانيا في خدمة البلد فإن قرارات إقالتهم تكون جريمة في حق الوطن وتخريبا مقصودا للحكومة والدولة بحرمانها من أبنائها المخلصين والأكفاء ، ويكون على صاحب قرارات الإقالة أن يقدم تفسيرا واضحا ومقنعا للرأي العام يبرر فيه التضحية بهذه الكفاءات الوطنية النبيلة والخطيرة والمتفانية في حب الوطن والعطاء له ، أما أن نقول أنها "سنة الحياة" التغيير ، فهذا مع بالغ احترامي كلام مصاطب ولا يليق طرحه في مجال التقييم السياسي . والحقيقة أن بعض الوزراء كانت إقالتهم غير مفهومة ، مثل وزير التعليم أو وزير السياحة أو وزير الزراعة ، لأنه لا جديد يذكر في تلك اللحظة يستدعي إقالة أو تعيين خلال أشهر قليلة ، والعام الدراسي في منتصفه ، والسياحة تبحث عن مشاركة في مؤتمر شرم الشيخ ، فما الذي شغل صاحب القرار بعزلهم في هذا التوقيت وبهذه الدرجة من الأهمية والأولوية ، وكما يقول العامة : انت في ايه ولا في ايه ؟!. أيضا إقالة وزير الداخلية قبل أسبوع تقريبا من المؤتمر الاقتصادي الدولي المهم غريب جدا لأنه يفترض أنه المشرف على كامل الترتيبات الأمنية للمؤتمر وتفاصيلها بالتنسيق مع جهات أمنية أخرى ، وإذا كانت هناك أخطاء حدثت كما وقع في حريق قاعة المؤتمرات ، فهناك كوارث وقعت قبله في حرائق أخرى وانفجارات عديدة في قلب مديريات الأمن ومع ذلك لم تتم إقالته ، كما لا يوجد أي تغير معروف في السياسات العامة للدولة أو السياسة الأمنية تفسر ذلك ، رغم كل ما يقال عن الاهتمام بالمعلومات ودعم قطاع الأمن الوطني ، فالاهتمام والدعم لا يستدعي تغيير وزير بقدر ما يستدعي توجيهات سيادية محددة سيلتزم بها الوزير ، لأنه في النهاية سواء محمد ابراهيم أو مجدي عبد الغفار لا يصنع سياسة ، وإنما ينفذها ، وحتى قائمة التغييرات الواسعة في قيادات الوزارة والتي قام بها الوزير الجديد فورا ومن أول يوم ، كان يمكن تنفيذها أيضا إذا قدم نفس "الملف" للواء محمد إبراهيم . وبشكل عام ، سواء كان الأمر متعلقا بالوزراء المقالين أو الوزراء الجدد ، فإن المسؤولية بالنسبة لهم ستبقى محدودة ، والعبء سيبقى بالغ الصعوبة والإزعاج ، لأن الأزمة في مصر هي أكبر من مستوى الحكومة ، وأعقد من أن يفككها وزير ، المفتاح في يد صاحب القرار السياسي ، والمسؤولية الأولى والأهم تقع عليه هو نفسه ، وليس أحد غيره .