أنهيت مقالي هنا السبت الماضي بأن السعودية تمسك بمقود القيادة عربيا وإسلاميا الآن، هي المؤهلة والمستعدة لذلك، والقادرة في تلك اللحظة التاريخية الحساسة على الإبحار بالمراكب إلى شاطئ الأمان. رغم الخلافات بين بلدان عربية وإسلامية، ورغم الصراعات والأزمات العنيفة داخل بلدان عربية، إلا أن جميع الفرقاء المختلفين والمتصارعين - سواء أنظمة حاكمة، أو بين أنظمة وجماعات سياسية ودينية - غير مختلفين مع السعودية ، وكلهم يرحبون بها وبدورها، وكلهم يتطلعون إليها وإلى كسب ودها وتعاطفها وتأييدها إلى جانبهم، كلهم يحبون السعودية، وكلهم يتوقعون أن تبادلهم الحب عبر التدخل المطلوب المحمود لإزالة الخلافات بين الأنظمة المختلفة مع بعضها البعض، وبين الأنظمة والجماعات والكيانات المتصارعة. تحديدا هناك خلافات بين مصر من جهة، وبين قطر وتركيا من جهة أخرى، وهناك أزمة عنيفة بين النظام في مصر من جهة، وبين جماعة الإخوان من جهة أخرى، وهناك في ليبيا صراع واقتتال أهلي بين طرفين وحكومتين وبرلمانين، وهناك أزمة بين مصر، وبين طرف ليبي، وهناك أزمة بين مصر، وبين حركة حماس تزداد تعقيدا بعد حكم قضائي باعتبار الحركة إرهابية، وبعد حكم آخر سابق باعتبار جناحها العسكري إرهابيا. السعودية مرغوبة من كل هؤلاء بلا استثناء في عهد الملك سلمان للتدخل الخير لحلحلة الأزمات وتهدئة الصراعات وإزالة الخلافات والجميع في دوائر تلك الخلافات ينتظر إعلان المملكة عن سياستها الخارجية في الدائرة العربية، ماذا ستفعل، وكيف ستتحرك، وماذا سيكون خطها وتوجهها لتقوم برأب الصدع وإعادة العلاقات العربية والإسلامية إلى طبيعتها، وإيقاف التشاحن والتلاسن والاشتباك السياسي والدبلوماسي والإعلامي وتمتين الصف العربي لتنطلق السعودية بموقف عربي موحد رسميا وهادئ داخليا لمواجهة التحديات المعروفة وهي الإرهاب المتوحش، والخطر الحوثي، والتمدد الإيراني، وما هو رائج عن مخططات خارجية لتفتيت المنطقة، علاوة على الكارثة السورية، والمأساة العراقية، وفظاعات الاحتلال الإسرائيلي. كتبت في مقالي قبل يومين عن الدور المنتظر من السعودية والملك سلمان، وتوقعت أن تشهد زيارة السيسي المتزامنة مع زيارة أردوغان لقاء مشتركا مع الملك، وقلت لو حصل ستكون مفاجأة، وقلت أيضا إن المفاجأة ستكبر لو انضم إلى اللقاء أمير قطر لتكون قمة رباعية تمهد الأرضية لإزالة التوتر والخلافات بجدية هذه المرة. وكان التوقع الآخر أن تثمر هذه اللقاءات مبادرات للمصالحة في مصر برعاية سعودية ودعم قطري تركي، ومبادرة لدعم الحل السياسي في ليبيا، وتدعيم المصالحة بين فتح وحماس، وترطيب الأجواء وتهدئتها بين مصر وحماس. وأنا اكتب هذا المقال مساء السبت نفى أردوغان اللقاء مع السيسي وقال في المطار قبل إقلاع طائرته للمملكة إن اللقاء غير وارد، ولا يوجد ذلك على أجندتنا على الإطلاق، ولكي يحدث مثل هذا الأمر، يتوجب الإقدام على خطوات في مسار إيجابي بشكل جاد للغاية. هذا التصريح لا يعني أن أبواب الحل مغلقة، بل أرى أنها تسير في طريق الهدوء والعلاج ، فالغالب أن العلاقات مع مصر ستكون ضمن مباحثات أردوغان مع الملك سلمان، وقد يتم الاتفاق على خطوات عملية للحل، وبالمقابل ستتطرق مباحثات السيسي لنفس القضية، وسيقوم الملك بتقريب وجهتي النظر المصرية التركية، كما سيحدث نفس الأمر غالبا بشأن قطر من حيث ضرورة استكمال المصالحة التي بدأها الملك عبدالله قبل رحيله. وهنا نلاحظ أن لغة دبلوماسية هادئة تسود في الخطاب الرسمي، فالأتراك خففوا من حدة هجومهم على النظام المصري في الأيام الأخيرة، وفي مصر قال السيسي لقناة "العربية" ليلة الأحد: نحن حريصون على أن نقدر الملك الراحل عبدالله باحترامنا لمبادرته للمصالحة مع قطر، وكان قد قال نفس الكلام صباح السبت في حواره مع جريدة "الشرق الأوسط"، وقال أيضا لرئيس تحرير الجريدة في الحوار أنا أسألك: قدم لي تصريحا رسميا واحدا صدر منا فيه إساءة ضد أي من الدولتين، قطر وتركيا، بكل تأكيد لن تجد تصريحا سلبيا واحدا، وكان اللافت في الحوار أن يتحدث السيسي لأول مرة بنفسه عن اعتذاره للشيخة موزا بنت ناصر عندما سألته الجريدة :هل قدمت اعتذارًا للشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير قطر عن أي إساءات صدرت ضد والدته الشيخة موزا بنت ناصر المسند في الإعلام المصري، على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة؟ فأجاب: فعلا اعتذرت عن ذلك، لماذا؟. لأنه لا يمكن الإساءة إلى المرأة العربية بأي شكل من الأشكال، ولذلك أنا قلت لأمير قطر من فضلك بلغها عني الاعتذار لأنني لا أقبل مثل هذه الإساءات، ليس إلى سيدة من قطر فقط، وإنما إلى أي سيدة من أي مكان في العالم. وعلى مستوى قطر أكد الأمير الشيخ تميم في جامعة جورج تاون خلال زيارته لأمريكا مؤخرا ردا على سؤال حول العلاقات مع مصر، أكد رغبة قطر في استقرار مصر رغم وجود خلافات معها. كل هذه التصريحات والخطابات تميل إلى التقريب وتفضيل التفاهم على الصدام بين الأنظمة الثلاثة، وأتوقع دورا سعوديا فعالا في هذا الإطار، وأتوقع أن يعقبه دورا سعوديا فعالا أيضا في حل الأزمة الداخلية في مصر لأن المملكة تريد مصر مستقرة هادئة متفرغة للبناء الداخلي ولمواجهة التحديات الخارجية معها. السعودية لا تريد مصر قلقة غير مستقرة محاصرة بالأزمات والتوترات فهي في حالتها تلك لن تكون بالقوة والفاعلية المطلوبة بعكس لو خرجت من أزماتها فإنها ستكون القوة الضاربة. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.