لم يعد في مصر معني للكلمات، ولو قالها ألف شخص مصر أصبح الشعار قولوا ما شئتم وسنرغمكم علي ما نريد، انه منطق الفراعنة كما حكاه القرآن الكريم في قول الله تعالي (مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ) في مصر ليس للبشر قيمة، فكبار مسئولينا الذين منّ الله علينا بهم، لا يدركون إننا بشر مثلهم، ولكنهم يتعاملون معنا علي إننا من السوائم والدهماء أو كأننا تراثا وعقارا ورثوه عن الآباء والأجداد، ليس من حقنا أن نعرف أو نتكلم ناهيك عن أن لو كنا بشرا، ما احرقنا السادة المسئولون أحياء وأمواتنا وما جرّفت أجسادنا بالجرافات، ولما افلت سيدنا وابن سيدنا الضابط احمد من الحساب.لو كنا بشرا ما عشنا في ظل القمع والقهر وانتهاك حقوق الإنسان، ولما كانت أولي مسئوليات مسئولينا هي التسبيح والثناء علي والينا. بالأمس القريب صدرت تشريعات بإطلاق الحد الأقصى لمدة الحبس الاحتياطي فأصبح عقوبة وليس احترازا. بالأمس واليوم وغدا تم و سيتم تجديد الحبس الاحتياطي في غياب المتهم ودون سماع أقواله خلافا للمادة 142 من قانون الإجراءات الجنائية. في مصر يحاكم واحد وسبعون قاضيا من شرفاء القضاء المصري لمطالبتهم باحترام إرادة الأمة واحترام نتائج الانتخابات، واحترام القانون والدستور عملا بحقهم المقرر بالمادة 56 من الدستور فتمت إحالتهم للصلاحية بإجراءات صارخة البطلان خروجا علي صريح نص المادة 65 إجراءات جنائية، وبناء علي تحريات الأمن الوطني التي اثبت القضاة تزويرها بمستندات رسمية ثم قام مجلس الصلاحية بإصدار قرار مفاجئ بحجز الدعويين للحكم دون سماع دفاع القضاة، ودون تمكينهم من استكمال إجراءات الطعن بإعلان مذكرة شواهده للضابط المتهم. في مصر يصدر المجلس الحكومي لحقوق الإنسان تقريرا عن حالة السجناء ويذكر انه تعذر عليه معرفة أماكن احتجاز بعض السجناء، وان قرارات الحبس الاحتياطي تصدر دون توافر شروطه. إذا كان المجلس القومي قد عجز عن معرفة أماكن احتجاز بعض المعتقلين فكيف تكون حالة أهلهم وذويهم، رغم أن الدستور ينص في المادة 54 منه علي انه يجب أن يبلغ فورا كل من تقيد حريته بأسباب ذلك ويحاط علما بحقوقه كتابة ويمّكن من الاتصال بذويه وبمحاميه فورا، لاحظ جمال التعبير بكلمة فورا، وهو مجرد حبر علي ورق. في مصر ينص الدستور في المادة 156 منه علي انه في غير دور انعقاد مجلس النواب إذا حدث ما يوجب الإسراع في اتخاذ تدابير لا تحتمل التأخير، يدعو رئيس الجمهورية المجلس لانعقاد طارئ لعرض الأمر عليه، وإذا كان مجلس النواب غير قائم يجوز لرئيس الجمهورية إصدار قرارات بقوانين، ومع ذلك وفي غيبة المجلس أصدرت السلطة التنفيذية مئات القوانين دون توافر شروط إصدارها، حتى أن المستشار منصور أصدر في آخر ليلة له في القصر تسعة قوانين دفعة واحدة. لقد انهارت منظومة القوانين وتصدعت صروح العدالة علي نحو غير مسبوق. في مصر ينص دستورها علي كفالة حقوق الدفاع للإنسان بالاصالة والوكالة في المادتين 99،98 منه وتنص المادة 99 منه علي أن الاعتداء علي الحقوق التي كفلها الدستور جريمة لا تسقط الدعوي الجنائية والمدنية الناشئتين عنه بالتقادم ،ورغم ذلك عصف قاضي جنايات المنيا بحقوق الدفاع عصفا فاضحا ولم ولن يسأله احد . أن صور انتهاك القانون واهتزاز الثقة في العدالة في مصر لا يحصيها عد ولا تقع تحت حصر، فحدث ولا حرج عن الدم الحرام الذي جري انهارا، وعن حرق المصابين أحياء والجثث أمواتا، حدّث ولا حرج عن السحل والتعذيب والاغتصاب للنساء والرجال علي حدّ سواء، ثم تأتي تلاوي حقوق المرأة لتعلن أن المعتقلات يعشن في السجن حياة أفضل من الحياة التي عاشوها في بيوتهم، هل تقبل هي الدعاء لها أن تقضي باقي عمرها في السجن الذي هو أفضل من بيتها. وكل هذه الانتهاكات والجرائم محظورة بنص المادة 55 من الدستور التي تنص علي معاملة المحبوس بما يحفظ عليه كرامته، ولا يجوز تعذيبه ولا ترهيبه ولا إكراهه ولا إيذاؤه بدنيا أو معنويا ، وكذا المادة 51 منه التي تلزم الدولة باحترام كرامة الإنسان وحمايتها ، ولكنها نصوص لاتسمن ولا تغني من الجوع ، فالجرائم قائمة علي قدم وساق . ثم تأتي رصاصة الرحمة علي حقوق المتقاضين بالتعديل المزمع إجراؤه علي أحكام الشهود في قانون الإجراءات الجنائية بجعل سماع الشهود أمر تقديري للمحكمة، وهو ما يعصف بحقوق المتقاضين ويجعل التقاضي ضربا من العبث. أن مما تعلمناه في كليات الحقوق ومن أحكام محكمة النقض أن العبرة بالتحقيق النهائي الذي تجريه المحكمة، فسماع المحكمة للشهود يمّكن المحكمة من تقدير شهادة الشاهد من حيث اتساق الشهادة وتضافرها ومدي صدق الشاهد أو كذبه، ومدي تلقائيته في أداء الشهادة إلي آخر هذه المعاني التي ستغيب عن المحكمة بالتعديل الأخير، ولأهمية سماع شهادة الشهود أمام المحكمة أوجبت المادة 19 من قانون السلطة القضائية علي سماع أقوال الخصوم أو الشهود الذين يجهلون اللغة العربية بواسطة مترجم بعد حلف اليمين . وحتى تتبين مدي خطورة الأمر فيكفي الإشارة إلي أن أحكام جنايات المنيا الصادرة بإعدام المئات دون سماع الشهود في جلسة لم تستغرق دقائق معدودات والتي قضت محكمة النقض بإلغائها لعصفها بحق الدفاع، فسيكون أمام السيد سعيد يوسف أن يحّصن حكمه من الطعن عليه أمام محكمة النقض بعبارة في سطر واحد تتضمن الرد علي طلب سماع الشهود بان المحكمة لا تري وجها لسماع الشهود وان في أوراق الدعوي ما يكفي لتكوين عقيدة المحكمة، ومن ثم يصبح الدفع بمصادرة حق الدفاع حبرا علي ورق. وإذا كانت حقوق وحريات المواطنين أمرا يخرج عن اهتمام نادي القضاة في ظل الأوضاع الحالية ، فان الأمل معقود علي أساتذة القانون والمحامين ، والمنظمات المهتمة بحقوق الإنسان لوأد هذا اللقيط ، وحماية حقوق المتقاضين من الضياع . إذا لم يجدوا آذانا صاغية فإنني أري أن وجود المحاكم في حد ذاته يصبح ترفا لا تتحمله مصر المسخنة بالجراح والمحمّلة بالأزمات، ويكون إلغاء المحاكم واجبا، واستثمار المساحات المقامة عليها فستدر عليكم مليارات طائلة كالرز خاصة لو قمتم بتحويلها إلي أماكن للرقص الراقي الشرقي والغربي والكلاسيكي من الأنواع المختلفة التي يدعو إلي التي يسعى عصفور ثقافتكم لزرعها في مصر لتصبح مرقصا كبيرا، أو بيع محلاتها كمحلات تجارية لبيع السوداني والكشري والفول والفلافل. واستعيضوا عن القوانين والمحاكم بقانون واحد من مادتين الأولي أن القاضي يقضي في الدعوي وفقا لما يراه . وتنص الثانية علي أن للقاضي الحق في الفصل في الدعاوى في منزله بدلا من المحاكم التي تم استثمارها.
ينشر القانون في الجريدة الرسمية ويعمل به من اليوم التالي لنشره . صدر بمقر الحكم .