انطلقت الطائرات المصرية لتضرب مواقع داخل ليبيا قيل أنها تابعة لتنظيم داعش الإرهابي ، القصف طال مدينة درنة في الشرق وسرت في الوسط ، وربما نسمع عما قريب عن قصف آخر يطال العاصمة طرابلس ، باعتبار أن الحكومة هناك لا تعترف بها مصر وتناصبها العداء ، وقد اتخذت تلك الحكومة موقفا عنيفا من الغارات المصرية أمس ووصفتها بالاعتداء السافر على السيادة الليبية والشعب الليبي ، بينما رحبت بالغارات حكومة طبرق وطالبت الكتائب المنضوية تحت سيطرتها ، كتائب حفتر بالمزيد من الضربات المصرية ، باعتبار أن هذا القصف يضعف خصوم حفتر ويزيل عوائق من طريقه للسيطرة على شرق ليبيا بكامله . الأجواء الإعلامية الاحتفالية الصاخبة في مصر والتي صاحبت الغارات الجوية ، والتغطية الإعلامية المنسقة والمفرطة في الابتهاج والإعلانات عن أعداد ضخمة جدا من قتلى داعش في هذه الحملة وتدمير مخازن أسلحتهم ومستودعات الذخيرة وخلافه ، هي كلها أجواء حرب ، وتعني أن مصر اتخذت قرارا بالفعل بالدخول في مواجهة مفتوحة في ليبيا ، وهي لحظة طال انتظارها ، حتى أن بعض الإعلاميين المقربين من أجهزة سيادية رفيعة أعلنوها صراحة قبل حوالي ستة أشهر ، وفيديو توفيق عكاشة انتشر بشدة على الانترنت أمس وهو يقول فيه أن مصر ستدخل حربا في ليبيا خلال ستة أشهر . وكانت الديبلوماسية المصرية قد عرضت الطلب بإصرار وإلحاح وتكرار ممل على الاتحاد الأوربي وعلى الولاياتالمتحدة ، إلا أن الجميع رفضوا التدخل العسكري واعتبروا أن أي تدخل عسكري في ليبيا سيعقد الأمور أكثر ، ويصنع بيئة حاضنة للإرهاب خارج السيطرة ، ووصل الكلام إلى مستوى التحذير من التدخل ، ثم عادت مصر بعد جريمة قتل الأقباط على يد مجموعة تنتمي لداعش لكي تعزز طلبها بتوفير غطاء دولي للتدخل ، ودعا الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى إصدار قرار من مجلس الأمن الدولي بتشكيل تحالف بشأن ليبيا، وذلك لمواجهة تنظيم "داعش". وقال السيسي في تصريحات لراديو "اوروبا 1" الثلاثاء إنه يرغب في الحصول على قرار من مجلس الأمن لتشكيل تحالف بشأن ليبيا. المشكلة هنا أن مصر اتخذت خطوات فعلية للتدخل في ليبيا بالهجمات الجوية المتتالية ، ولا يوجد من يتحمس لها سوى ايطاليا لاعتبارات تتعلق بمصالح تاريخية من الحقبة الاستعمارية ، كما أن هناك خطرا أكثر يتمثل في إمكانية إرسال دول كبرى إشارات أو رسائل إيجابية غير معلنة وغير رسمية ، على نفس النحو الذي حدث مع صدام حسين قديما قبل دخوله للكويت ، مما يجعل مصر في ورطة بدخولها وحدها في المستنقع الليبي ، وتبدو كقوة احتلال ، خاصة وأن الجزائر وتونس الجيران على الضفة الأخرى لحدود ليبيا غير متحمستين لهذا التدخل أيضا ، كما أن المجتمع الدولي لديه قناعة بأن داعش لا تمثل حاليا خطورة في ليبيا ، لأن السيطرة الحقيقية لقوات رئاسة الأركان وفجر ليبيا التابعة لحكومة طرابلس والتي أثبتت في أكثر من اختبار التزامها القانوني والدولي ، وكذلك في الشرق هناك مساحة يسيطر عليها اللواء المتقاعد خليفة حفتر وميليشياته المعززة ببقايا سلاح الطيران للقذافي ، والإسلاميون في درنة وبنغازي وسرت أغلبهم من تنظيمات أخرى لا صلة لها بداعش ، كما أنها تنظيمات حريصة على النأي بنفسها عن توجهات الإرهاب ، فبقي لداعش جيوب صغيرة مجهولة وغامضة وليس لها أي حضور أو معارك مهمة ، وبالتالي يسهل السيطرة عليها وتنظيف الداخل الليبي منها ، بينما أي تدخل عسكري أجنبي يمكن أن يخلق فراغات أمنية أوسع وبيئة نفسية ودينية تدعم تطرف داعش وتوسع قدرتها على التجنيد بما يخرجها عن السيطرة على النحو الذي حدث في العراق وسوريا ، وهناك مؤشرات على مواقف متشددة للغاية صدرت عن هيئة علماء ليبيا ، أعلى سلطة دينية ، والتي أصدرت بيانا دعت فيه للجهاد دفاع عن الأرض والعرض حسب البيان ودعت فيه الشعب الليبي للتوحد لصد العدوان ، بما يعني تحضير الأجواء لمواجهات مروعة وطويلة . الاندفاع القوي والحماسي للحرب في ليبيا ربما يشير إلى أن رهان مصر على مؤتمر شرم الشيخ الاقتصادي المقبل لم يعد مطروحا ، وأن فرص نجاحه ليست كبيرة ، وقرار الحرب ربما ينهي فكرة المؤتمر كلية ، كما أنه ربما يهدد بشكل غير مسبوق أي خطط لاستعادة سوق السياحة المصرية لأن الحرب تتبعها إجراءات أمنية أكثر تعقيدا وكان الجيش قد بدأ انتشارا مفاجئا منذ أول أمس في الشوارع والميادين لتأمين البلاد حسب البيان الرسمي ، وهو ما يجعل فهم واستيعاب الحسابات المصرية للمستقبل القريب ، اقتصاديا وعسكريا وأمنيا ، وربما سياسيا بما في ذلك الانتخابات البرلمانية بالغ الصعوبة .