قبل أيام من عمليات "بيت المقدس داعش" فى شمال سيناء، والتى أودت بحياة ما يقرب من 30 ضابطًا وجنديًا مصريًا.. كتبت هنا محذرًا مما أسميته "داعش فى التقديرات الأمنية الاستعلائية".. وحذرت من التعاطى بخفة مع هذا التنظيم الخطير، خاصة وقد سمعت بنفسى من يوصفون ب"الخبراء الاستراتيجيين"، وهم يتحدثون بلا مسئولية بشكل أقرب إلى التضليل أو الكسل فى جمع المعلومات وتحليلها.. أو النظر إليهم بمنطق "ضابط النقطة" فى قرى مصر خلال عقود ما قبل التمرد المسلح على السلطة الذى ظهر فى تسعينيات القرن الماضي. كل هذه التقديرات كانت امتدادًا للموروث الإعلامى المتغطرس، فى الستينيات والمؤسس على "العنجهية" الفارغة.. والتى أدت إلى نكسة 67 . وكتبنا أيضًا عن الإعلام "الغوغائي".. وقلنا بأنه "إعلام نكسة".. وليس "إعلام نهضة".. ويذكرنا بإعلام ما قبل يونيو.. لأنه تخلى عن دوره، وبدلاً من أن يكون على يسار السلطة.. بات يتقلب فى حضنها، ويتلو لها آيات الحب والإعجاب والقداسة.. بوصفها سلطة "معصومة" من الخطأ والخطايا.. والمؤيدة من السماء والرؤى الأقرب إلى الوحى والنبوة.. ما ألحق أضرارًا جسيمة بالسلطة ذاتها، وحرمها من نعمة التقويم والتصحيح.. وأفلتها من الحساب والعقاب.. والضحية هو البلد وشعبه الذى لا يعرف شيئًا عما يحدث حوله. مساء أمس الأول 13/2/2015.. نشرت صحيفة خاصة شهيرة، "مانشيت" يقول : "الأباتشي" تؤدب بيت المقدس.. وتقتل 26 إرهابيًا".. وبعدها بسويعات قليلة، يقتحم بيت المقدس قسم شرطة الشيخ زويد بسيارتين مفخختين.. بالتزامن مع قيامه بإعدام من وصفهم ب"العملاء للجيش".. ويفرج عن آخرين لم تدنهم تحقيقات التنظيم معهم!! لا زلنا نؤكد أنه لا مستقبل لداعش فى مصر، وأنه لا يمكن أن يكون الإرهاب بديلاً عن الدولة.. ولا خيار آخر إلا أن ينتصر الجيش فى معركته مع الإرهاب.. ولكن!!.. التغطية الإعلامية تلحق أضرارًا خطرة، بحملة الجيش ضد الإرهاب.. وتخصم من ثقة الرأى العام فى جدوى الحملة وفى نتائجها: الإعلاميون المصريون المؤيدون للرئيس يخلطون بين الجيش والسيسي، وهو الخلط الذى يصادر حق الرأى العام فى أن يحاسب الرئيس ويسأله.. ويجعله يتسامح معه ويتنازل عن كثير من حقوقه بزعم أن الرئيس يحتاج إلى الدعم الشعبى فى مواجهة الإرهاب. والحال أن الجيش هو الذى يحتاج إلى الدعم الشعبى والاصطفاف الوطنى.. والرئيس يحتاج إلى النقد والرقابة الشعبية: فنحن مع الجيش فى حربه ضد الإرهاب.. ولسنا مع الرئيس حال خالف القانون والدستور وافتأت على حق البرلمان المنتخب وأدت سياساته إلى انتهاكات غير مقبولة لحقوق الإنسان. حملة الجيش على الإرهاب عليها إجماع وطني.. ومن مصلحة الحملة أن تحظى بتغطية إعلامية عقلانية ورصينة وتنقل صورة معقولة ويقبلها العقل عن تطورات الأحداث.. بدون مبالغة أو خطاب إعلامى زاعق.. حتى يقبل الشعب ويتفهم بعض المفاجآت غير السارة والمتوقعة مثل تلك التى حدثت فى شمال سيناء وكرم القواديس والفرافرة.. وعلى الإعلام أن يتحلى بالمسئولية: فالجيش ليس الرئيس.. الأخير يأتى ويذهب.. وقد يخرج من السلطة فى أية احتجاجات مشابهة لما حدث فى 25 يناير و30 يونيو.. ولكن الجيش باق ولن يخرج من معركته مع الإرهاب إلا منتصرًا.. سواء كان بالسيسى أو بغيره من الرؤساء. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.