منذ العهد البائد وما قبلة حتى اليوم لم تقدم السينما المصرية إلا حصادا هزيلا من الأفلام الدينية الإسلامية مثل: "بلال مؤذن الرسول" و"الله أكبر" و"فجر الإسلام" و"رابعة العدوية" و"السيد أحمد البدوي" و"الشيماء" وغيرهم، ومعظمها متهافت المستوى متسم بالهزال الفني لأسباب ترجع إلى الميزانية الضئيلة، وتواضع المخرج، وحشو هذه الأفلام بالخلاعة والمجون مستغلا حياة نساء المشركين، وهكذا الحال للأفلام المسيحية التي أنتجتها الكنيسة ولم تعرض إلا داخلها للأقباط. وظلت آلاف الأفلام السياسية والتاريخية والغنائية والبوليسية والاستعراضية والحربية.. والطبيعية والواقعية هي المقدمة في السينما المصرية وبخاصة الأفلام الطبيعية وهي:(الأفلام التي تجعل من الغرائز محركا للسلوك وأبطالها في النهاية يلقون عقابهم في الدنيا بسبب انحرافهم). كانت الآمال معلقة بعد ثورة يناير بسينما جديدة تعلى من قيمة الأخلاق والعدل والفضيلة والعمل، سينما تنبع من عادات المجتمع وقيمه وتدينه وتتناول قضاياه اليومية بصدق وأمانة ونزاهة، سينما مستمدة من التوجه العقدي للمجتمع ومن ثم التوجه القانوني والأخلاقي للمجتمع لكن ذلك لم يحدث، لا في المسلسلات الرمضانية ولا في الأفلام السينمائية. ففيلم مغمور وتافه اسمه (شارع الهرم) حصل في أول ثلاثة أيام بعد الشهر المبارك على أعلى إيرادات في تاريخ السينما المصرية، حيث حقق 6 ملايين وثمانمائه وستة آلاف جنية، والغريب هو أنه أول فيلم ينجح بعد الثورة ويشاهده الآلاف من جيل صانعي الثورة، وتكتظ دور العرض بآلاف الرواد على بعد خطوات من ميدان التحرير لفيلم هزيل خلا من الهدف والرؤية والموضوع ومشاكل الناس وآمالهم وألآمهم.. فقط إنه يلعب على خيال الشباب بالعري والإيحاءات الجنسية. هل سمعتم بمسلسل دوران شبرا؟ هل سمعتم بمسلسل الريان؟ هل سمعتم بمسلسل شارع عبد العزيز؟ هل سمعتم بمسلسل سمارة والعار وزهرة وأزواجها...إلخ؟ الإجابة قطعا (نعم). لكن هل سمعتم بمسلسل " رجل من هذا الزمان" وهو يتناول حياة العالم الكبير الدكتور علي مصطفى مشرفة 1950؟ الإجابة قطعا (لا). السبب لأن المسلسلات ومن بعدها "شارع الهرم" خاطبت الشهوات، وأن نوعية مسلسل "رجل من هذا الزمان" خاطب العقول، فنجحوا ولم ينجح، وحصدوا نسبة كبيرة من المشاهدات ولم يحصد. معنى ذلك أننا بصدد مشكلة خطيرة هي الانجذاب والميل والسعي تجاه ما يدغدغ المشاعر ويلعب على الأوتار، ودغدغة المشاعر دائما ما تستخدم وتر الدين أوالمال أوالجنس. فالتيارات الإسلامية التي تلعب على وتر الدين، اكتسحت المشهد بلا منافس ، والدراما التي لعبت على وتر الغريزة اكتسحت المشهد بلا منافس، والجمهور هنا هو الجمهور هناك، وهكذا من يلعب على وتر المال. تعالوا نقرأ المشهد بصورة أخرى، بأن تقدم التيارات الإسلامية برامج ورؤى منزوعة من (اللافتات والشعارات) أثناء معالجتها لمشكلات المجتمع مثل: الفقر والأمية والجهل، حيث لا تلعب على وتر الدين، وفي نفس الوقت يقدم منتجو "شارع الهرم" ومسلسلات رمضان دراما منزوعة من الرقص والعري والإيحاءات الجنسية، فلا هذا يلعب على وتر الدين وهو يقدم نفسه وبرامجه، ولا هذا يلعب على وتر الغريزة في إنتاجه، وفي نفس الوقت فلنقحم دراما مسلسل د مصطفى مشرفة بالغرائز والشهوة. في هذه الحالة نستطيع أن نحدد ونتعرف بحيادية تامة على مدى قبول المصريين للتيارات الإسلامية المتشددة والمعتدلة ومدى قبولهم لأفلام العري والخلاعة. وقل مثل هذا في التيار العلماني .. كم يملك إذا انتزع منه الإعلام، ونفس السؤال.. كم تكون نتيجة التصويت في استفتاء (نعم ولا) إذا انتزع منه الدين (كشعار). إذن الحديث عن " إرادة الشعب" ثم بعد ذلك يتم دغدغة هذه "الإرادة" بالدين (كشعار) أو بالغريزة أو بالمال هو عين التزوير ل " إرادة الشعب". [email protected]