بيان الداخلية أمس الذي حاول شرح أسباب تفعيل قانون الطوارئ الذي اتخذه المجلس العسكري تحدث باعتبار أنه يخاطب مساطيل ، مثل قوله أنه ضرورة للدفاع عن أقسام الشرطة ومديريات الأمن ودفاع رجال الأمن عن أنفسهم ، وهو ما يعني أن القانون المصري تافه وهش لدرجة أنه لا يتيح لرجل الأمن الدفاع عن نفسه ولا عن قسم الشرطة الذي يعمل به فكيف لقانون هزلي مثل هذا أن يمكن المؤسسة الأمنية المصرية من حماية الشعب إذا كان لا يعينها على حماية نفسها ، كما أن الحديث عن تفعيل الطوارئ لمواجهة نشر الأخبار الكاذبة هو عودة نمطية بالمسطرة لعهد الديكتاتورية ، لأن الغالبية العظمى مما ينشر يمكن لأي مسؤول أن ينكره أو ينفيه وبالتالي فهو سبب كاف لاعتقال محرره أو إغلاق قناته الفضائية أو صحيفته ، هذه هستيريا وكلام خطير ومحاولة مكشوفة لترويع القوى السياسية وفرض الظلام الإعلامي من جديد على مصر، ويؤكد بأن من أصدر القانون كان "يتلكك" ، كما أن هذا القرار يعزز من مصداقية السيناريوهات التي ترددت عن أن واقعة السفارة الإسرائيلية ممنهجة ومرتبة وليست عفوية وليست "شعبية" . ووفقا للخبرات الأمنية السابقة الموروثة من عصر مبارك فإن من المؤكد أننا خلال الأسابيع المقبلة سنسمع الكثر من "الأفلام الهندي" عن سحل رجال الشرطة والاعتداء على قياداتها من قبل بلطجية واستباحة كمائن أمنية والهجوم الجماعي على مؤسسات وطنية مختلفة وغير ذلك ، في إطار نشر حالة الذعر التقليدية التي تبحث عن مبرر لتفعيل قانون الطوارئ والتوسع فيه ، رغم أن جميع من يعيش على أرض مصر كان يعرف أن انتشار البلطجة صناعة رسمية ، وأن الداخلية وحدها وبدون دعم القوات المسلحة كانت قادرة على تحجيم البلطجية ، وعندما انهارت الدولة بالكامل تقريبا في أعقاب الثورة مباشرة ولم يكن هناك مؤسسة للأمن وأرادت القوات المسلحة لجم البلطجة ومحاصرتها فعلت ذلك باقتدار ، قبل أن تخف اليد القوية لسبب لا نعلمه فيعود البلطجية للانتشار وفرض السيطرة على الشارع المصري وخاصة في القرى والأماكن البعيدة عن المركز . وزير العدل انتفخت أوداجه وهو يتحدث عن ملايين الدولارات التي يقول أنها سربت إلى أحزاب وشخصيات وقوى سياسية مصرية ممن أسماهم "دول مجاورة" وذلك لإسقاط مصر أو إشاعة الفوضى حسب قوله ، ونحن ننتظر بكل شوق كشف تلك الحقائق أمام الرأي العام وإحالة ملفها بالكامل إلى القضاء أو محاكمة الوزير نفسه بتهمة الإساءة إلى الأحزاب المصرية ، بدلا من التراشق بمثل هذا الكلام المرسل ، ولكن وزير العدل الذي تحدث عن "دول جوار" تتدخل في شؤون مصر وتحاول تغيير مسارها ، رغم أن جميع دول الجوار لمصر هي من العالم الثالث الهشة ، هذا الوزير لم يتحدث على الطرف الآخر عن الوفود الأمريكية والاتصالات المتلاحقة بين الإدارة الأمريكية والقيادة المصرية الجديدة ، وهل هذه التفاعلات المتسارعة كانت للتهنئة بعيد الفطر المبارك مثلا وعيد الفلاح ، أم أنها تحمل تدخلا أمريكيا في الشأن المصري نخشى أن تظهر بعض بصماته على أحداث وقرارات يخشى أن يتهور البعض باتخاذها قريبا . هناك تغيرات واضحة في "الروح" التي يتعامل بها المجلس العسكري مع الثورة وأهدافها ، تجعلنا مع الأسف مجبرين على تغيير "الروح" التي كنا نستبشر بها بالمجلس العسكري قبل أشهر ، وكان المجلس قد وعد علانية برفع حالة الطوارئ قبل الانتخابات ، والمجلس الآن يقول أنه ستتم دعوة الناخبين للانتخاب بعد أقل من أسبوعين من الآن ، ومع ذلك يقرر التوسع في حالة الطوارئ وليس رفعها ، وهي معادلة يصعب فهمها ، ومن الطبيعي أن يقول كثيرون الآن للمجلس العسكري ، إذا كان العبء ثقيلا ، وإذا كانت المرحلة الانتقالية لا يمكنك إدارتها بأفق سياسي حكيم ، فلا حرج أن يقوم المجلس بتسليم إدارة مصر إلى "مجلس رئاسي مدني" كنا نتحفظ عليه سابقا على أن يكون ممثلا من القوى الشعبية الرئيسية التي قادت الثورة ويكون فيه ممثل للمجلس العسكري أيضا، تكون مهامه محصورة في الإشراف على إنجاز الانتخابات البرلمانية والرئاسية وإنجاز الدستور ، وفق جدول زمني معلن وواضح ومحدد لنقل السلطة إلى حكم مدني ديمقراطي ، وبسط الأمن في ربوع مصر ، على أن تبقى القوات المسلحة درعا حاميا للوطن وأداة دستورية للشعب يستعين بها المجلس الرئاسي المدني في حماية أمننا القومي ، خارجيا وداخليا . [email protected]