لو كانت مليونية " تصحيح المسار " قد انتهت على المشهد البديع الذى رأيناه فى الميدان لصفقنا لها طويلاً رغم التجاوزات التى شهدتها ضد الحركة الإسلامية ولكننا سنحملها على أية حال على الفردية ولن نعمم .. فقد وصلت الثورة بالفعل إلى مستوى ينذر بالخطر ويؤذن ببوارها واضمحلالها فى وعى وشعور الجماهير يعد حالة الانفلات الأمنى " المقصودة " وارتفاع الأسعار " المقصود " والسماح بشراذم النظام السابق بالإعلان عن أنفسهم بكل بجاحة وصفاقة . كل هذه الممارسات إضافة إلى الضبابية التى باتت تلف المرحلة الانتقالية بأكملها وتهدد الانتقال السلمى للسلطة كانت تحتاج إلى مليونية لتصحيح المسار وإعادة وضع العربة على القضبان من جديد . ولكن ما رأيناه أمس ونقلته وسائل الإعلام بالصوت والصورة يثبت بما لايدع مجالاً للشك أن الثورة المصرية قد بدأت بالفعل فى الدخول فى نفق مظلم ، وأن اليوم الذى كان مرصوداً لتصحيح مسارها قد يكون بداية الفقدان الفعلى لها فالاعتداءات التى شهدتها ميادين وشوارع القاهرة أمس أمور غير مبررة ولا معنى لها سوى الرغبة فى تدمير ما تبقى من بينة الدولة المصرية ومؤسساتها وأن الأمر تعدى كونه ثورة ضد نظام فاسد إلى ثورة على مجتمع ودولة بأسرها بغية تسليمها راكعة مستسلمة لدافعى المال الحرام . كان من الممكن أن تمر جمعة تصحيح المسار على خير لولا أن فى النفوس شيئاً مضمراً حمل الشباب الموجه إلى محاولة اقتحام وزارة الداخلية ومقر مديرية أمن الجيزة واقتحام السفارة الإسرائيلية ونشر الذعر والخوف فى شوارع القاهرة ، وهذه الأمور لم تكن عفوية ولا وليدة انفعالات لحظية فمن السذاجة أن نصدق ذلك بل هى أمور سابقة التدبير والتجهيز الغرض منها نسف المسار الديمقراطى بأكمله وإدخال البلاد فى حالة من الفوضى يستتبعها تشديد القبضة الأمنية عبر إعلان الأحكام العرفية والعصف بكل مساحات الحرية التى انتزعها الشعب انتزاعاً عقب الثورة مما يمهد الطريق بكل قوة لعودة الأجهزة الأمنية القمعية لممارسة دورها السابق ولكن مع الفارق الهام فهى ستمارسه هذه المرة بمباركة الشعب وتأييده إذ وصل الشعب إلى حالة الاختناق من تعطل مصالحه وفقدانه الأمن والأمل فى غد مشرق يعوض به السنوات العجاف التى عصفت به طيلة حكم مبارك ونظامه . إن مسؤولية ما حدث يوم الجمعة الماضى من الظلم البين أن نحمله لهذا الشباب الهائج الذى رأيناه على شاشات التلفاز يدمر ويخرب بل مسؤولية النخب المثقفة التى حولت الفترة الانتقالية إلى جحيم لايطاق بمحاولتها الدؤوب للقفز على إرادة الشعب ورغبته فى محاولات لا تتوقف من أجل فرض رؤيتها على رؤية الشعب وإرادته ، إضافة إلى بسطها الحماية الثقافية والإعلامية على المحاولات المتكررة للاعتداء على المؤسسة العسكرية ومنشآت الدولة الحيوية .. بل ووصل الأمر بأحد هؤلاء أن يخرج عقب ما حدث ليلة الجمعة الماضى وشاهده الجميع ليتهم " الإخوان " و " السلفيين " بكل فجور بأنهم هو المسؤولون عن كل هذه الأحداث ؟ والغريب أن يقال هذا الهراء على تلفاز الدولة الرسمى دون أن يتدخل أحد مطالباً إياه باحترام عقولنا ليس إلا . هذه النخب والتيارات العلمانية كنت أنتظر منها أن تراجع موقفها من الديمقراطية والحريات وتقدم لنا دليلاً واضحاً تثبت به أن معظمها قد تاب من خدمته للنظام السابق بكل صدق وإخلاص والوقوف بجواره كتفاً بكتف وهو يعصف بالحريات ويعتقل الأبرياء ويضعهم على أعواد المشانق ويقتلهم بدم بارد فى السجون والمعتقلات والعجيب أن كل هؤلاء الضحايا تقريباً كانوا من التيار الإسلامى !! ما حدث يوم الجمعة يضع الجميع أمام مسؤوليته التاريخية والأخلاقية فإما أن ننهض جميعاً لتصحيح مسار ثورتنا بكل صدق وإخلاص ... وإما أن نترك التاريخ يلعنا ويلعن صمتنا المزرى . [email protected]