وسط الارتباك الذى يسود مظاهر الحياة السياسية فى مصر ، يرصد المراقب تحركات واثقة لأجنحة المشروع الاسلامى بمصر ، بينما الأجواء ملتبسة و مفعمة بالاحتقان فى المعسكر الليبرالى . و إذا كان اليأس و الأحاسيس العدمية تسود الخطاب الليبرالى ، فإن الإصرار و اليقين فى غد أفضل يرتسمان على الخطاب الإسلامى . و قد أسلفنا القول فى الفوارق بين ما يحوزه كل معسكر من جماهيرية و أيديولوجيا و موارد بشرية و انتهينا إلى تفوق الإسلاميين فى كل شئ مع سيطرة الليبراليين على الإعلام . و كلمتنا اليوم للإسلاميين ، ألا يلهيهم هذا التفوق عن تحديات كبرى تواجههم ... و نرصد هنا واحدا من أهم هذه التحديات :- و هو تحدى "التنسيق السياسى" :- المنطق السياسى يفترض أن "الكيان المتكامل" لايحتاج إلى "الآخر" أما الكيانات الضعيفة فتحتاج إلى من يقويها ... و الكيانات الإسلامية - كل على حدة - تبدو متكاملة لا تحتاج لآخر حتى و لو كان هذا الآخر إسلاميا مثلها , فالكل ( إخوان - سلفيون- جماعات ) لديه رموزه و تنظيمه ووجوده الشعبى و مصادر تمويله التى تدعم انتشاره ... و إذا تعاملنا بالمنطق السياسى المحض فلا أحد يحتاج لأحد . أما إذا أعلينا الحقيقة الكبرى التى من أجلها تشكلت هذه الكيانات و قدمت تضحيا ت و صمودا على مر السنين ، و أن هذه الحقيقة هى "إعلاء شرع الله" و نشر اليقين فى الله عن طريق إسعاد الخلق بشرعه ... إذا تذكرنا هذا فستعلم أن الكيانات الإسلامية لا تستطيع أن تصل إلى مبتغاها منفصلة ... و أن تخوفات الكيانات الإسلامية من بعضها ينبغى أن توضع على مائدة البحث لترى الحقيقي منها من المتوهم ، و كيف يمكن تجاوزه ، لنضمن عملا متناغما يكون حاصل جمع فى نهاية المطاف . كما أن الإسلامين عليهم أن يقدموا النموذج فى إدارة إختلافاتهم وفق منظومه متفق عليها حتى لا تتسع الخلافات مع الزمن و ينغلق كل فريق على نفسه ، و لا يمكن –فى غضون ذلك- أن تتناسى أن اليد الغربية تعمل بكل دأب لوضع مصر على القضبان العلمانية المخاصمة للدين ، و كل هذا الصخب حول " الدولة المدنية " لا يمكن تفهمه فى إطار إعلان الإسلاميين بارتضائهم " دولة مدنية بمرجعية اسلامية " ، و قد كان هذا الطرح كفيلا بنزع فتيل أزمة الاستقطاب الحالية ، لاسيما مع ادعاء العلمانيين بعدم رفضهم المرجعية الاسلامية ... فالمشكلة -إذن- أنهم يرفضون المرجعية الاسلامية و لكنهم لا يستطيعون التصريح بهذا ، و يفضحهم صخبهم رغم الطمأنات المتواصلة من الإسلاميين .....و الدأب العلمانى هذا يجب أن يوازيه دأب إسلامى لضبط الايقاع – وليس لتكريس الاستقطاب - والحفاظ على الهوية وإعلاء مرجعية الامة . و ينبغى هنا أن نتذكر مجموعة قيم تمهد لهذا التنسيق :- أولا : الاحترام المتبادل : إذ لا شك أن الخلاف المنهجى على مر ثلاثين عاما أوجد انتقادات من كل فريق إزاء الآخرين ؛ فالسلفى يعتبر الإخوانى "متسيبا" و الإخوانى يعتبره "جامدا" و الجهاديون اعتبروا الاثنين " مداهنين للسلطة " ... و قد عمق النظام السابق – بحنكة– هذه الفوارق و غيرها ... و لعمرى لقد خالطنا الجميع و رأينا أن الأوهام فى هذه الانتقادات و غيرها أكثر كثيرا من الحقيقة ، و أن الجميع أصحاب مشروع حقيقى و أهل تدين و طلب للحق . فإذا تخلينا جميعا عن نظرة دونية مسبقة للأخر ، ووضعنا أعيننا على حقيقة كفاحه و مشروعه فسيكون هذا عيدا لمصر و لشباب الحركة الاسلامية جميعا . ثانيا : الاعتراف بالتميزلدي كل فصيل : إذ ينبغى أن ندفع فى كل مرحلة بأهل التميز و الاختصاص ، وفي هذه المرحلة – مثلا - نحمل "الاخوان" عبء احتضان التنسيق فى الشأن السياسى , و نحمل باقي الكيانات الإسلامية ضرورة التنسيق مع الإخوان و الإستفادة من الخبرات الطويلة التي يحملها "الإخوان" في التعامل مع الواقع السياسي بكل ابعاده. وعلي سبيل المثال ، فإذا إنسحب " حزب النور " من " التحالف الديمقراطي " فهذا شأنه ، لكن عليه ألا ينسحب من التنسيق علي الأرض مع الإسلاميين عموما ، لأن التضارب هنا سيكون سببا لاضطراب العامة التى أعطت للتيار الإسلامي ثقتها , وأغلبهم لايقبل التفرق أو التنافس بين الإسلاميين , ناهيك عن صدمة الذين لايستطيعون التمييز بين الجماعات الإسلامية ويعتبرونهم واحدا صحيحا . 3- توحيد المشروع السياسي : حتي الآن فإن الرؤي الإصلاحية في الشأن السياسى تقترب من بعضها في برامج الأحزاب الإسلامية الرئيسية... و من هنا فإنه يمكننا- بسهولة- عبر التعاون الحزبي و السياسى- تجاوز الفوارق في الرؤي العامة ، بمعني ان التنسيق بين "الأحزاب "السياسية الإسلامية سيكون أيسر من التنسيق بين "الجماعات "، لأن شأنا واحدا و هو الذراع السياسية لكل فصيل ، سيكون القواسم المشتركة فيه كبيرة ، و هذا حادث بالفعل إذا راجعنا برامج هذه الأحزاب.... والتمسك بهذا المشترك والتأسيس عليه يمكننا من تنسيق الجهود السياسية ، و ترحيل الفوارق الاجتهادية الأخري" للجماعات "، لمناقشتها تفصيلا كما أسلفنا. إن البعد عن خطاب الاعتداد بالقوة , أو الانتقاص من الآخرين , سيمكننا من استدراك مافات من التنسيق , والخبرات الطويلة لجماعات الحركة الإسلامية تؤكد أنها معقد الآمال , ولذا فعليها أن تدرك مسئولياتها الجسيمة . [email protected]