"وقفت ساعة وربع أترقب أن أرى ولدي محمدًا الذي كان في زيارة، وعند عودته للمستشفى لابد أن يمر من الباب الوحيد أمامي" هكذا يحكي الدكتور "صلاح سلطان"، وهو يتحسس رؤية ابنه الذي يبتعد فقط 10 أمتار عنه، ومع اقتراب اللحظة ناداه ضابط المباحث فظن أنه يناديه ليقابل ولده، ويستأنف:"ودار حواار حول الأوضاع في الخارج وقلت له أريد شيئًا واحدًا؛ أن أرى ولدي محمدًا، فقال ليس بيدي، قلت مستحيل تكون رئيس مباحث وابني على بعد عشرة أمتار مني و تمنعني أن أراه، وبالفعل تم احتجازي عنده حتى مر محمد ورآه الشباب الذي كنت أقف معهم، وأدركوا الحيلة كما ذكر الكاتب أحمد عمارة بموقع "ساسة بوست ". وعبرت أسرة «محمد سلطان» عن قلقها إزاء ما يتعرض له نجلها في السجون المصرية، قائلة «تستمر السلطات في الضغط عليه لكسر إضرابه و تعزله عن باقي السجناء في محاولة لإضعاف معنوياته و دفعه للانتحار.. إننا مفزوعون و ممتعضون»، مطالبين بتدخل المنظمات الحقوقية لإطلاق صراحه فورا، «فقد عانى من عدة أزمات قلبية وفقدان متكرر للوعي». عام مضى منذ أن بدأ محمد إضرابه عن الطعام تهالك فيه جسده «وتردت فيه حالته النفسية»، ولم يتغير فيه موقف السلطات الحاكمة لإطلاق سراحه، بالرغم من أن فترة إضرابه عن الطعام، تجاوزت فترة إضراب الفلسطيني«سامر العيسوي» الذي أضرب عن الطعام لمدة 9 أشهر في السجون الإسرائيلية، ليجبر سلطات الاحتلال أن تفرج عنه. أما أخته «سارة» قالت في تدوينة لها على موقع التواصل الاجتماعي فيس بوك، «فك الإضراب فكرة مش مطروحة» مشددة: «محمد سلطان لم يبدأ الإضراب عشان يحسن ظروف اعتقاله ..محمد أضرب عشان ينال حريته .. محمد بيخوض معركته في نيل حريته ..يا الحرية .. يا الحرية». وطالبت الضاغطين على الأسرة لإيقاف إضرابه قائلة: «من فضلكم متكونوش كتلة ضغط على الأهل و تطلبوا منهم يكونوا كتل ضغط علي ذوويهم المعتقلين جوه»، وما ختمت به ساره منشورها تلقفته، « منى سيف» أخت الناشط «علاء عبد الفتاح»، والناشطة المحبوسة «سناء سيف» وأعادت نشره على صفحتها الشخصية. وتضامنا مع إضراب «سلطان» وضع الكاتب «تامر أبو عرب» صورة «سلطان» على الصفحة الرئيسية لموقعه، وكتب: «ستزين صورة محمد سلطان الصفحة الرئيسية للموقع حتى يمن الله عليه وعلى رفاقه بالحرية ..#الحياة_لمحمد_سلطان»، وقارن «أبو عرب» في تدوينة له على فيس بوك- بين «سلطان» وبين الأسير الفلسطيني «سامر العيساوي»، الذي أفرجت عنه السلطات الإسرائيلية بعد 9 شهور من إضرابه عن الطعام في 2013 بالرغم من الحكم بحبسه حتى 2029، وقال إن إضراب «سلطان» هو الأطول في التاريخ، ورغم ذلك لم تستجب السلطات المصرية لمطالبه، متساءلا: «أيهما أكثر إجرامًا إذن، سلطة الاحتلال الإسرائيلية أم سلطة الاحتلال المصرية؟». وعلق «عبد الله الشامي»، مراسل قناة الجزيرة قائلا"محمد سلطان أقوى مني"، الذي كان قد تم إخلاء سبيله في منتصف يونيو 2014 بعد 150 يوم من الإضراب عن الطعام، مشيدًا بصموده وطالب بضرورة الإفراج عنه. وكنوع من الدعم لقضيته، نشر عدد من النشطاء على هاشتاج #الحرية_لمحمد_سلطان صور له تظهره كأنه «سوبر مان» . للقصة بداية «محمد سلطان»، مصري الأصل وأمريكي الجنسية، حصل على شهادة البكالوريوس في علوم الاقتصاد من جامعة ولاية أوهايو، ليعمل بعد ذلك كمدير التطوير المؤسسي في شركة خدمات بترولية بالولايات المتحدة، حياة مريحة كان يعيشها قبل أن تصاب والدته بالسرطان، ويصاب أخوه بمرض البهاق، ليترك عمله بأميركا ويقرر السفر في مارس 2013 إلى مصر ليرعى أهله المرضى. من هنا بدأ القصة، حيث مصر قبل وأثناء الثالث من يوليو، عقب بيان القوات المسلحة في 3 يوليو 2013، وما عقبه من إجراءات أمنية تعسفية، وصفها الكثيرون بأنها تعادي الحريات. لكن «محمد سلطان»، أبى أن يصمت على تلك الإجراءات واصفًا نفسه أنه «من جيل حر مابيعرفش يدوق أو يشوف الظلم ويقعد ساكت ومايقاومش، جيل بيتحدى المستحيل»، وشارك في الاعتصام المناهض للانقلاب في ميدان رابعة العدوية، لكن رصاص قوات الأمن عند فض الاعتصام هشم عظم ذراعه لينضم إلى قافلة طويلة من المصابين ويلزم بيته. بعد أقل من أسبوعين وهو على سرير المرض بعد عملية جراحية وضع من خلالها مسامير في ذراعه، جاء أصدقاؤه ليزوروه في 27 أغسطس 2013، تزامن مع موعد زيارتهم له اقتحام قوات الأمن للبيت كي يلقوا القبض على أبيه، فلما لم يجدوا أباه، قاموا باعتقاله وأصدقاءه ليصبح «متهما محبوسا احتياطيا حتى تثبت براءته» على حد تعبيره . بعد أقل من شهر من اعتقاله، اعتقلت الشرطة والده الدكتور «صلاح سلطان»، الأمين العام للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، قبل سفره إلى السودان يوم 23 سبتمبر 2013. انتهى عام 2013 لتضاعف معاناة أسرة «محمد»، بابن مصاب ومعتقل، وآخر مصاب بالبهاق، وأب معتقل وأم مصابة بالسرطان، وفي 20 إبريل2014، بدأ فصل جديد في الحكاية يبدو أنه أكثر حزنا وكآبة، حين بعث الأب من غياهب السجن رسالة استغاثة لإنقاذ ابنه قبل موته موجها إياها إلى«إعلام الأمة وقادة الفكر وسادة الدولة وأصحاب القلوب الرحيمة في العالم»، كان أهم ما ذكر فيها: « ولدي محمد يغمى عليه كثيرا بعد إضراب زاد عن (75) يوما. نزل وزنه 45 كيلو وصار جلدا على عظم هش، ويطلب الإفراج عنه من تلفيق تهم لا دليل عليها»، فقد: 1_ضُرب بالرصاص في رابعة يوم 14/8 فهشم عظم ذراعه. 2_اعتقل من بيتي وهو في السرير بعد عملية جراحية ومسامير قي ذراعه. 3_عذب وضرب وأهين في 6 سجون مصرية والآن في استقبال طرة. 4_ مع الإهمال ..أجريت له جراحة بدون بنج أو تخدير في الزنزانة لنزع الحديد من تحت جلده. 5- يجدد حبسه منذ أكثر من سبعة أشهر دون أحزار أو أدلة. 6-أضرب عن الطعام منذ 26/1/2014 ولا يزال، دون تراجع، وفي صمود مدهش أمام ظلم الأمن المصري. وهو ذاته ما أكده «محمد» في رسالته أمام القاضي في 11مايو 2014 مضيفا عليها: "اتعذبنا واتضربنا واتهددنا بالقتل وده ماكنش بعيد لأننا شوفنا مسجونين ماتوا من التعذيب قدام عنينا، اتحبسنا في زنازين صغيرة وغير آدمية محشورين فيها أكتر من مسجون وبحمام واحد». وأشار: «ونحن في عهدة النيابة وجهت إلينا اتهامات خيالية. الإرهاب, وتشكيل عصابي، وقلب نظام الحكم، بدون أي دليل في محضر التحريات، اللي حصل معايا أنا وأصحابي ال 26 يوم اللي فاتو هو الإرهاب بعينه بس باسم القانون". وأضاف ممنيا نفسه «عايز أعيش بس أعيش حر أو أموت حر .. وإذا كانت حياتي ثمن الحرية فغالي والطلب رخيص». وصف الوضع الصحي لسلطان بعد 105 يوما من إضرابه عن الطعام ب« المتدهور» ، يعدها بعث «محمد» رسالة أخرى للرئيس الأمريكي بصفته مواطناً أمريكياً، عسى أن يجد من كلماته المصورة أذانا مصغية متسائلا فيها: «هل حياة مواطن أمريكي لاتساوي شيئا عندكم؟ لأن اسمي محمد؟ لماذا يكون التعامل مختلف؟ أم لأني ابن عالم إسلامي؟ أم لأني أحمل اسما عربيا؟»