صدر للزميل الكاتب الصحفي ربيع إبراهيم سكر كتاب " المفكر الموسوعي: محمد لطفي جمعة .. حياته وآراؤه الإصلاحية ومعاركه الفكرية " عن مكتبة " الآداب " بالقاهرة ، ويلقي الكتاب الضوء على الكاتب والمترجم والروائي والمحامي والناشط السياسي المصري الراحل الدكتور محمد لطفي جمعة الذي يعد من رواد النهضة الفكرية المصرية في أوائل القرن العشرين؛ وشارك جمعة بقلمه وجهده في مقاومة الاستعمار البريطاني في مصر والعالم الإسلامي فعقد المؤتمرات الوطنية بالتعاون مع محمد فريد والحزب الوطني في بروكسيل وباريس وجنيف 1909 و 1910 و 1911 ، وله عشرات الكتب الفكرية والاجتماعية والفلسفية والدينية ومئات المقالات في الصحف والمجلات المصرية والعربية على مدى نصف قرن من الزمان حتى وفاته في 15 يونية 1953 ، ورغم انه كان من النابغين في عصر إلا أنه لم يشتهر بعد وفاته وكان نصيبه النسيان ، لولا جهود ابنه المرحوم المستشار رابح في طبع مؤلفات والده المخطوطة وإعادة طبع ما نفدت طبعته من الاسواق قبل عقود . ويرى المؤلف ان الأجدر بالمؤسسات الثقافية في الدولة ان تتولى طباعة مخطوطات الرواد بدلا من أن يتكبد أبناؤهم عناء ذلك مثلما فعل المستشار رابح الذي اخذ على عاتقه نشر تراث والده لطفي جمعة .
وكتاب" المفكر الموسوعي: محمد لطفي جمعة .. حياته وآراؤه الإصلاحية ومعاركه الفكرية " كان في الأصل مشروع خطة رسالة الماجستير الذي أعده المؤلف في 2003 لتقديمه إلى قسم الفلسفة الإسلامية بكلية دار العلوم بجامعة القاهرة ، وحصل على موافقة القسم ومجلس الكلية وخطابات رسمية من الكليات المناظرة بالجامعات المصرية بعدم تسجيل موضوع الرسالة لديها إلا ان ظروفا من بينها العمل بالصحافة حالت دون إتمامه لرحلة تسجيل الرسالة في مراحلها الأولى .
ومن المعلومات الطريفة في الكتاب أن لطفي جمعة قامت بإرضاعه السيدة ملوك بنت عيد والدة الموسيقار والملحن المصري المعروف المرحوم الشيخ سيد درويش فأصبح بذلك أخاً لسيد درويش في الرضاعة. ويحكي الكتاب قصة الرسالة التي تلقاها محمد لطفي جمعة من المفكر عباس محمود العقاد الذي كان في بدايات حياته تؤكد مكانة جمعة في اوائل القرن العشرين وبدايات النهضة المصرية و انه كان من رموز تلك المرحلة بدليل ان "العقاد " لجأ اليه طلبا للمساعدة . وكتب الكاتب المصري الراحل أنيس منصور مقالا تحت عنوان " عار علينا ألا يجد العقاد طعاماً! " قال فيه : " أما أوجع ما كتب أديب وشاعر عظيم ومفكر فهو ما جاء في مذكرات المحامي المصري لطفي جمعة، فقد نشر كثيراً من الرسائل التي تلقاها وكان أقساها على النفس وايلاماً رسالة الأستاذ الكبير عباس العقاد إلى صديقه لطفي جمعة. يقول الأستاذ العقاد إنه لا يجد طعام يومه، وإنه قد طلب من كثيرين أن يعينوه على الزمان، ولكنهم تهربوا ولم يفعلوا شيئاً، وهو يرجو صديقه لطفي جمعة ألا يكون مثلهم، وألا يبطئ في مساعدته، فإنه لا يعرف كيف ينهي يومه وليله! "
ويقول المؤلف : ومما يدل على شهرة لطفي جمعة في عصره : ان العدد الأول من مجلة “روز اليوسف” صدر يوم الاثنين 26من أكتوبر 1925 ... وكان من أكبر الكتاب الذين كتبوا في العدد الأول: الأستاذ الأديب إبراهيم عبد القادر المازني والأستاذ الكبير محمد لطفي جمعة المحامي، أما الأشعار فكانت للشاعر أحمد رامي وبعض مقالات لكل من الأستاذ عباس العقاد وبقلم الأديب عبد الرحمن صدقي بجانب الفن وباب النسائيات أما الكاريكاتير فكانت شخصية أبو زعيزع.
واعترف أعلام المفكرين بمكانة لطفي جمعة في حياته ، فكان الشيخ محمد عبده يخاطبه ب " النابغة الفاضل " ، والزعيم التونسي عبد العزيز الثعالبي ب " العلامة " ، والشيخ مصطفى عبد الرازق ب ( سيدي العالم الجليل والأديب الكبير ) .
واشار المؤلف الى ان الكاتب الراحل رجاء النقاش كتب في يناير 2003 مقالا بعنوان "كلمات من القلب" في صحيفة الاهرام اعتبر فيه محمد لطفي جمعة من عمالقة الفكر والادب النابغين الذين ظهروا في اوائل القرن العشرين واعتبر ظهورهم بمثابة " معجزة حضارية, لأنهم لم يعتمدوا علي أحد سوي أنفسهم فيما قدموه من علم وأدب وإنتاج غزير "
ولطفي جمعة التقى الامام محمد عبده والزعيم الوطني مصطفى كامل وتأثر بهما ، وبعد حصوله على شهادة الحقوق من فرنسا عمل بالمحاماة واصبح من مشاهير المحامين في القضايا السياسية التي شغلت الراي العام المثري ومنها توليه الدافع عن الرئيس الراحل انور السادات في قضية مقتل أمين عثمان ، وكان من تلامذة لطفي جمعة اول امين عام لجامعة الدول العربية عبد الرحمن عزام .
وفي مقالاته نادى لطفي جمعة بمجانية التعليم في 1930 ودعا الى عدم انفراد الزوج بالطلاق وطالب بتشريع لتقييد تعد الزوجات وطالب لطفي جمعة في 1933 بإقامة نصب تذكاري للجندي المجهول ودعا في 1923 بتخصيص قضاة للجنائي وغيرهم للمدني و نادي بتزيين قاعات المحاكم بالميزان رمز القضاء المدني والسيف رمز القضاء الجنائي دلالة علي العدل مع الآيات القرآنية بدلا من عبارة العدل أساس الملك ، ولطفي جمعة أول من نادى بإنشاء نقابة للمسرحيين في عام 1916 ودعا إلي إنشاء وزارة للفنون الجميلة وطالب بإنشاء متحف اجتماعي علي غرار المتاحف الاجتماعية في أوروبا.
وذكر المؤلف ان لطفي جمعة خاض معارك فكرية كثيرة مثل : الرد على د. منصور فهمي في عام 1913 على صفحات جريدة المؤيد ، لهجومه على الإسلام في رسالته للدكتوراه والتى كان موضوعها ( حالة المرأة فى التقاليد الإسلامية وتطورها) وذكر ان منصور استقى معلوماته من كتب المتعصبين من المستشرقين . وخاض د. محمد لطفى جمعة فى عام 1926 على صفحات جريدة (المقطم) معركة فكرية طاحنة للرد على د.طه حسين عندما أصدر كتابه ( فى الشعر الجاهلي) ، وقد جمع "جمعة " هذه الردود فى كتابه ( الشهاب الراصد ) والذى أحدث ردود فعل واسعة فى العالم العربى والإسلامى . وكذلك رده على ( عبد العزيز فهمى ) عندما أصدر فى عام 1944 كتابه ( الحروف اللاتينية لكتابه العربية ) ، فدافع جمعة عن اللغة العربية والإسلام عندما وصم فهمى اللسان العربى بأنه لسان الوثنيين ، فقال جمعة إن الوثنية قد زالت عن العربية بمجرد نزول القرآن بها مثلما زالت الوثنية عن الكعبة ومناسك الحج بعد مجىء الإسلام .
وتناول المؤلف موقف لطفي جمعة من المستشرقين وأشار إلى آرائه في عدد من القضايا ، مثل : مقاصد علماء المشرقيات ، وموقفه من المستشرق الفرنسي المثير للجدل لويس ماسينيون ، والرد على طعن المستشرقين في نظام الحدود الشرعية . وتحدث المؤلف عن موقف لطفي جمعة من المذاهب الفكرية والأديان ، فتناول آراءه في المذاهب الفكرية ، مثل : الدارونية ، الدهرية ، والبهائية. وآراءه في الأديان ومقارنته بينها. وختم المؤلف الكتاب بأبرز ما توصل إليه من نتائج حول آراء ومواقف لطفي جمعة والمنابع والشخصيات التي تأثر بها ، وأوضح انه كان مستقلاً فى معظم آرائه ، يؤمن بالعقل دون التصادم مع الدين والعقيدة الإسلامية ، ونلحظ كذلك تأثره بآراء الإمام محمد عبده فى العقيدة والفلسفة الإسلامية والإصلاح الدينى والاجتماعي ، وقد اعترف لطفي جمعة فى مؤلفاته ومقالاته الصحفية العديدة بتأثير محمد عبده فى فكره ، وفى آرائه الفلسفية تأثر بمذهب التشاؤم فى أفكاره عن الخير والشر والسعادة فى الدنيا . وفى تفسيره وتأويله لمعجزات الأنبياء علمياً ورمزياً ، تعارض مع ما هو ثابت فى تفاسير السلف الصالح للقرآن الكريم ، ولكن جمعة تأثر بأستاذه الشيخ طنطاوى جوهرى فى ذلك ، وقد تعسف لطفى جمعة بربطه بين سقراط وسيدنا إبراهيم عبدالسلام ، وبالغ فى نقده للمؤرخين العرب الذين كتبوا عن الفلسفة اليونانية واتهمهم بالجهل وعدم الفهم بينما أشاد بما كتبه الغربيون أمثال جوبلو وسانتيلانا . وفى قضايا العقيدة لم يخرج عما جاء فى رسالة التوحيد للإمام محمد عبده وكانت معظم آرائه تتفق مع عقيدة أهل السنة والجماعة ، وإن كان يعتز بالعقل كثيراً وسنده أن القرآن والإسلام والرسول يحثون على البحث والتفكير العقلى بلا حدود ، ويرى أن الإيمان بالاقتناع وليس بالتقليد . وفى آرائه الإصلاحية نراه متأثراً بالأفغانى ومحمد عبده فى الإصلاح الدينى وبقاسم أمين فى الإصلاح الاجتماعى وبخاصة إصلاح المرأة بالتعليم والعمل ، وإن كان لطفى جمعة له آراء تتعارض مع ذلك مثل رفضه خوض المرأة الانتخابات البرلمانية ، وفى الإصلاح السياسى نفاجأ برفض لطفى جمعة نظام الانتخابات البرلمانية ودعوته للتعيين قبل الانتخاب ، ومن الآراء المستحدثة والغريبة للطفى جمعه دعوته إلى تقييد الطلاق وتعدد الزوجات بالقوانين .
وقسم المؤلف الكتاب إلى 6 أبواب ؛ يتحدث الباب الأول عن محمد لطفي جمعة حياته وعصره ومدرسته الفكرية ، فتناول نشأته وتعليمه وعمله بالتدريس والصحافة والمحاماة ، وإنتاجه الفكري ، والجدل الدائر حول مذكراته وتناول ملامح عصره سياسياً وثقافياً واجتماعياً وتأثر جمعة بعصره ، وريادته ومكانته العلمية والسياسية وأسباب عدم شهرته . كما تناول منهجه ومدرسته الفكرية وهي المدرسة الوسطية التي تمزج بين الأصالة والمعاصرة .
الباب الثاني يضم آراء محمد لطفي جمعة في قضايا العقيدة ، وذكر رأيه في قضايا الإلهيات ( صفات الله – أفعال الله – القضاء والقدر ) ، وقضايا النبوات ( النبوة والرسالة – الوحي – المعجزة ) ، وقضايا السمعيات ( الإيمان باليوم الآخر– الملائكة – الجنة - النار ) . وفي قضايا الفلسفة الإسلامية: الإسلام والفلسفة ، هل لليهود فلسفة ؟ ، الخير والشر ، إيمان المقلد، وقضايا التصوف وآراؤه في رموز التصوف مثل الحلاج .
وفي الباب الثالث تحدث عن آراء لطفي جمعة في الفلسفة العامة وهل للفيلسوف دين ؟ ، هل لكل بيئة فلسفة تلائمها ؟ وتناقض المذاهب الفلسفية .
والجانب الإصلاحي في فكر ومواقف لطفي جمعة تناوله في الباب الرابع ؛ فتناول قضايا مثل الإصلاح الديني والمفهوم الشامل للإسلام ، الإسلام والديمقراطية، نقد المادية ، أسباب تأخر المسلمين وعلاجه . ونقد الرأسمالية ، النظام الطبقي وقضايا العمل والفلاح ، إصلاح المرأة اجتماعياً ، والإصلاح الأخلاقي والسياسي، كما تحدث عن مواقف لطفي جمعة السياسية والوطنية في مصر وأوروبا واضطهاد الاستعمار له . وسرد لمجموعة من أرائه السياسية مثل : طبيعة السياسية ، وأنظمة الحكم ، وتعدد الأحزاب والبرلمان ، وحقوق المرأة السياسية ، والديمقراطية ، والدعوة إلى حوار الحضارات .
وفي الباب الخامس تناول المؤلف المعارك الفكرية للدكتور محمد لطفي جمعة، فتحدث عن ردود جمعة على المستغربين المصريين ، مثل : الرد على د. منصور فهمي لهجومه على الإسلام ، والرد على د. طه حسين في كتابه الشعر الجاهلي ، وتناول موقفه من المستشرقين وأشار إلى آرائه في عدد من القضايا ، مثل : مقاصد علماء المشرقيات ، وموقفه من المستشرق الفرنسي المثير للجدل لويس ماسينيون ، والرد على طعن المستشرقين في نظام الحدود الشرعية .
وفي الباب السادس والأخير تحدث المؤلف عن موقف لطفي جمعة من المذاهب الفكرية والأديان ، فتناول آراءه في المذاهب الفكرية ، مثل : الدارونية ، الدهرية ، والبهائية. وآراءه في الأديان ومقارنته بينها.
وختم المؤلف الكتاب بأبرز ما توصل إليه من نتائج حول آراء ومواقف لطفي جمعة والمنابع والشخصيات التي تأثر بها .