هم رموز "النخبة" وأهلها، الآكلون من مائدتها ؛ ومن مختلف ألوان أطعمتها، جعلونا فى حيرة من أمرهم ، جاءنا قوم من تلك "النخبة" مهللين ومبشرين بعد غياب ، قائلين : تُرى أبناء "مصر" حملنا بأيدينا إليكم "مفتاح" سعادتكم وهناء بالكم ، واستقرارا لوطننا ووطنكم ، وضمانا لسعيد غدكم ، تريثنا لم نعترضهم أو نمنعهم عنَّا ، قلنا ربما حسُنت النوايا ، وأصبح واجب علينا "الغَفْر" لا "الفضح" فماضيهم ليس بخافٍ عنا .. قلنا نصبر وننتظر ، تقربوا لكل الذين يخالفونهم فى فكرهم وأيدلوجياتهم ، وجاسوا خلال ديار "مصر" ، يتوددون لهذا ، ويتقربون من ذاك ، فما كان يمثل لهم بالأمس كهوفا ومغارات ، وقرى ونجوعا ، أصبح تعفير أقدامهم للوصول إليها ، عملا إنسانيا يجب الاهتمام به ، وأناس يسكنونها ، ظننا كأن الزمان قد طوى صفحتهم ، مع نسيان بنى جلدتهم من "الحكام" لهم ، صاروا هم وجهتهم ومقصدهم .. قلنا خيرا ، فما أجمل أن تلتقط يد صانع المعروف "الحَبَّات" بيده فتطرزها فى إطار جميل ، يتحلى به صدر هذا الوطن الغالى .. ما أحلى الوفاء، وفجأة ومع انفجار "ثورة 25 يناير" وحدوث "الزلزال" الذى هز أركان الدنيا ، فيما كان يُظن أن من المستحيل وقوع مثله ، مع كل الاحتياطات الأمنية لإجهاض ومحق أية ثورة ، أو حتى تمردٍ على من ظنوا أنفسهم أنهم أصحاب ملكوت هذا الوطن ، وبعد أن تم للأمر شبه الاستقرار ، وبِدأ استعادة البلد لعافيتها، وجرى "استفتاء19 مارس" ، وجاء بنتيجته تلك المذهلة ، فجأة أصابت هؤلاء "القوم" صدمة جعلت الدنيا تميد من تحت أقدامهم ، وغاب ما كنا نراه منهم من حكمة ورباطة جأش ، ولباقة وفنون سياسة ، وأصبح شاغلهم –بعد نتيجة الاستفتاء- هو إسقاط "المشروع الإسلامى" الناهض ؛ وهزيمة كل ما يمت له بصلة وارتباط ، يحدوهم نفس المنطق الذى كان دافعا لمن قبلهم فى محاربة كلمة "الله" وشرائعه : ﴿ قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاءُ فِي الأَرْضِ وَمَا نَحْنُ لَكُمَا بِمُؤْمِنِين َ﴾ يونس - 78 ، هى .. هى نفس النظرة والعداوة ، أن الموضوع "كبرياء" فى الأرض ليس إلاَّ ، ولأن هذه عقيدتهم ، فالقضية إذا ليست تنافسا سياسيا ديمقراطيا بحتا ، لمن يملك الأغلبية بحقها ومستحقها ، بل هى جريمة قتل مع سبق الإصرار والترصد لإرادة شعب "مصر" المسلم ينفذونها بأيديهم ، بعد أن كان من سبقهم تقف حِيلهم وأفعالهم عند حد "تزوير" هذه الإرادة فقط ، وانقلب كل واحد منهم إلى "قائد فيلق" لجيوش "بلطجة" بكافة أنواعها ، فضائية .. إعلامية ، مشفوعة بالأموال الملوثة بطبيعة منطقهم، وأوكلوا لصبيانهم بعد أن استغلوا حماسهم ، وقلة خبرتهم ، وعدم نضجهم السياسى المتزن ، خوض المعارك الكلامية وغيرها ، ونزلوا "الميدان" وخاضوا معاركه بكل أسلحتهم ، توعدوا الجميع بالويل والثبور ، وفشلوا ، جمَّعوا الآلاف من أشياعهم ومحبيهم ، وفشلوا ، ثم كانت قمة الفشل بوضع أيديهم بأيدى بعض أصحاب "الطرق الصوفية" ، الذين هم بعيدون كل البعد عن السياسة وخفاياها ، ودروبها ودهاليزها السرية ، وظنوا أنهم بذلك قد انعقد لهم لواء النصر ، وتمت لهم الغَلَبة والفوز النهائى ؛ على ما اجتمع عليه غالبية "الشعب" من اتفاق على ما طُرح ، واستُفتِىَّ عليه ، وفشلوا أيضا فشلا مخزيا ، ودُمغوا ببصمة سوداء لحقت بتاريخهم لا تُمحى بأقوى أنواع "المنظفات" أو"الكيماويات" ، أصبحت صورتهم واضحة من جميع زواياها الآن ، وبعد أن كنا نظنهم أغنياء وأثرياء أفكار ومبادئ سيستفيد منها الوطن والناس ، خرج ما كان مخبئا فى خزائن تلك النفوس "المُفلسة" رصيدا وأصولا ، وظهر أن من حمل رسالة "التنوير" والتبشير بحلم الديمقراطية ، لم يأتِ بقلب مخلص سليم خالٍ من الأهواء والأطماع ، بل أتى لتكون له "الدولة" .. وله فقط ، وظهر لنا فعلا أنه كان "مُفلسا" لما دخل "الميدان" فى أول سعيه ، وأكثر "إفلاساً" عند خروجه منه فى آخر أمره !!.